ببلاغة الكلمة وصلابة الموقف زعزعت زينب الكبرى عرش الطغاة

موقع ردنا – د. جميل ظاهري/ لقد زقوا العلم زقاً زقا، فهم أهل بيت الوحي والنبوة والامامة الذين اختارهم الله دون غيرهم في حمل آخر رسالاته الانقاذية للبشرية جمعاء، ومن هذا المنطلق لابد أن يكون الأداء على حجم المسؤولية السماوية التي وقعت على عاتقهم رجالاً ونساء، وهو ما نراه في كل لحظة من لحظات جياتهم الشريفة والمباركة وفي كل قول وحديث وعمل\ز

 

فهم أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ليكونوا برهاناً صادقاً وصرحاً منيراً للعالمين بالاصطفاء الإلهي، حيث أُعِدُّوا لأداء مهمة إصلاح المجتمع البشـري مهما غلت التضحيات، فقد أدركوا صلوات الله عليهم عظم الأمانة التي يحملونها، والمسؤولية الجسيمة التي وقعت على عاتقهم، فأجادوا أدائها بكل غال ونفيس الذي قدموه في مواجهة التحدّيات الشيطانية بكل عزيمة راسخة وعقول راجحة.

 

زينب الكبرى بنت الامام علي أمير المؤمني عليه السلام هي واحدة من هذا الركب الرباني التي حملت رسالة عصيبة وشاقة لا مثيل لها، فكانت عند حسن ظن أخيها الأمام الحسين عليه السلام الذي أصر على أن تكون بمعية العيال في عاشوراء الدم والتضحية والفداء عام 61 للهجرة لتشهد كل تلك المجازر الدموية البشعة التي أرتكبها بنو أمية اللقطاء بحق حفيد سيد الأوصياء وخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى أله وصحبة الميامين.

 

فكانت عند الرسالة بكل مآسيها وفجائعها رغم انها أمرأة، والمرأة تكون رقيقة القلب والعواطف والأحاسيس، لتصرخ بصوت عال بوجه الطاغية المجرم أبن زياد في الكوفة “ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ، هبلتك أمك يابن مراجانة”، وذلك رداً على سؤاله الوقح: كيف رأيت صنع الله كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟.

فانقلبت الموازين في الكوفة وهاج الناس بالبكاء والنحيف واعلان الندامة والأسف والاسى على فعلتهم الشنيعة في مشاركتهم قتل خيرة شباب اهل الأرض والسماء وأهل بيته وأصحابه الأخيار وتقطيع أوصالهم، لإاربكت سلطة أبن زياد ما دفعه بالتعجيل الى سوق اسارى أهل بيت الوحي والتنزيل نحو مقر حكومة سيده يزيد في الشام لينجو بجلدته.

 

تقول الدكتورة بنت الشاطي: لقد أفسدت زينب أخت الحسين علي ابن زياد وبني أمية لذة النصر وسكبت قطرات من السم الزعاف في كؤوس الظافرين، وأن كل الأحداث السياسية التي ترتبت بعد ذلك من خروج المختار وثورة ابن زبير وسقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية، ثم تأصل مذهب الشيعة إنما كانت زينب هي باعثة ذلك ومثيرته ( كتاب بطلة كربلاء/ ۶۱۷ و ۲۰۹ للكاتبة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ).

 

ثم موقفها البطولي الشامخ أمام الطاغية يزيد بن معاوية ذلك الذي وصفه الامام الحسين خلال حديثه مع والي المدينة الوليد بن مروان بقوله “يَزِيدُ رَجُلٌ فَاسِقٌ شَارِبُ الْخَمْرِ قَاتِلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ وَ مِثْلِي‏ لَا يُبَايِعُ‏ بِمِثْلِهِ”، فكانت بلاغة الكلمة وصلابة الموقف للسيدة زينب الكبرى وهي تحتقره في عقر داره رغم انها كانت دامية القلب، مجروحة الفؤاد، باكية الطرف من تلك الذكريات المؤلمة والكوارث القاتلة، وقدأحاط بها أعداؤها من كل جهة.

 

فكانت الزلزال المدوي بوجه الطاغية الفاسق يزيد وهي غير مكترثة بهيبة مُلكه ولا معتنية بأبّهة سلطانه، مستهزأة بجبروته ونشوة انتصاره الوهمي،  فخاطبته “أظننت يا يزيد حين أخذت علينا بأقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأساري أنّ بنا علي اللّه هوانا وبك عليه كرامة، وأن ذلك لعظم خطرك عنده؟.. شمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان فرحا حين رأيت الدنيا لك مستوثقة والأمور متسقة..”.

 

انقلب المجلس الذي أراد به يزيد أن يكون شماتة ببني هاشم وإنتقاماً لما فعله الامام علي بن ابي طالب أمير المؤنين بأشياخهم في بدر والخندق وخيبر و.. تمريغ أنوف صناديد العرب ودفعهم نحو قبول الاسلام مرغمين؛ معترفا بجريمة البشعة بكل وقاحة عبر أبيات شعرية أنشدها أمام الأسارى من نساء وأطفال، متشمخاً بقوله:

«لَعِبَتْ هاشِمُ بِالْمُلْکِ فَلاَ *** خَبَرٌ جاءَ وَ لاَ وَحْىٌ نَزَلْ

لَیْتَ أَشْیاخِی بِبَدْر شَهِدُوا *** جَزَعَ الْخَزْرَجُ مِنْ وَقْعِ الاَسَلْ

لاََهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً *** وَ لَقالُوا یا یَزِیدُ لاَ تَشَلْ

فَجَزَیْناهُ بِبَدْر مَثَلا *** وَ أَقَمْنا مِثْلَ بَدْر فَاعْتَدَلْ

لَسْتُ مِنْ خِنْدِف إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ *** مِنْ بَنِی أَحْمَدَ ما کانَ فَعَلْ»

 

هنا جهت السيدة زينب بنت الامام علي أمير المؤمنين ضربتها القاضي على رأس الدعي أبن الدعي يزيد مهددة إياه بقولها البليغ القاطع “فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد!! يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين”؛ فأعتلا الضجيج المجلس ما دفع بيزيد الى تركه ونقل الأسارى الى الخرابة خوفاً من الانقلاب عليه.

 

قال السيوطي: ولما قُتل الحسين وبنو أبيه بعث ابن زياد بروَوسهم الى يزيد، فسُـرَّ بقتلهم أوّلاً، ثم مقته المسلمون على ذلك، وأبغضه الناس، وحُقّ لهم أن يبغضوه (تاريخ الخلفاء: 208 ترجمة يزيد بن معاوية)؛ وماكل ذلك إلا بسبب معجزة كلام السيدة زينب التي جمعت في خطاباتها وإجاباتها بين بلاغة الكلام والموقف، وفصاحة الكلمة والكلام، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين (زينب الكبرى/لجعفر النقدي ص 86).

 

“لقد كان من أروع ما خططه الإمام الحسين(ع) في ثورته الكبري حمله عقيلة بني هاشم وسائر مخدرات الرسالة معه إلي العراق،فقد كان علي علم بما يجري عليهن من النكبات والخطوب، وما يقمن به من دور مشرف في إكمال نهضته وايضاح تضحيته وإشاعة مبادئه وأهدافه، وقد قمن حرائر النبوة بايقاظ المجتمع من سباته، وأسقطن هيبة الحكم الأموي، وفتحن باب الثورة عليه، فقد ألقين من الخطب الحماسية ما زعزع كيان الدولة الأموية” – من كتاب السيدة زينب، بطلة التاريخ ورائدة الجهاد في الإسلام/ 208/ باقر شريف القرشي.

 

ماحدث بعد فاجعة عاشوراء بكربلاء كان حركة عظيمة قلبت موازين السلطة الطاغية وسحبت بساط نشو الانتصار الباطل من تحت أقدام حكام الإجرم والظلم والإنحراف في الشام والكوفة، وجعلت من مأساة كربلاء منبراً ومناراً صادحاً في الآفاق لكل الأحرار في العالم من مسلمين وغير مسلمين، من أتباع الأديان السماوية أو غيرها، وقلب السحر على الساحر على خلاف تخطيط الجائرين.

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.