هل استطاع الغرب حرفَ الإسلام نحو التشوّه الحداثيّ؟

 

حمزة بلقروية / أصدرت مؤسسة راند، التي تعتبر من أهم مراكز الدراسات الإستراتيجية الأمريكية، وأحد أهم الأذرع البحثيّة للإدارة الأمريكية تقريرًا بعنوان “الإسلام الديمقراطي المدني” قبل حوالي تسع سنوات، يهدف الطرق المناسبة لتغيير الدين الإسلامي وفق قوانين النظام العالمي، ويطلب تشجيع الحكومات والشعوب المسلمة على الإقدام لتنفيذ ذلك الأمر.

اقترح التقرير الإستراتيجيات المناسبة لبلوغ هذا الهدف، حيث تقول الباحثة النمساوية صاحبة التقرير شيريل بينارد: “من الواضح أن الولايات المتحدة والعالم الصناعي الحديث، بل المجتمع الدولي برمته، يفضلون جميعًا عالمًا إسلاميًّا متناغمًا مع النظام العالمي، فمن الحكمة تشجيع العناصر الإسلامية المتوائمة مع السلام العالمي والمجتمع الدولي، والتي تحبذ الديمقراطية والحداثة”.

إن المقصود هنا هو إعادة بناء عالم إسلامي خاضع للقوانين الدولية التي يضعها الغرب وأمريكا دون نقدها أو رفضها من قبل الشعوب الإسلامية وحكوماتها، ودون الحاجة للعودة إلى المرجعية الإسلامية وشريعتها حتّى ولو كانت هذه القوانين مخالفة للفطرة الإنسانية، فالهدف هو فصل العالم الإسلامي عن عقيدته الإسلامية وعن شريعته والتطبيع مع القوانين التي تضعها الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

لنا أن نتساءل اليوم بعد مرور حوالي تسع سنوات عن إصدار هذا التقرير، ما هي الإستراتيجية المتبعة لبلوغ أهداف التقرير، وغرس الحداثة في روح العالم الإسلامي، وما مدى تأثيرها في واقع مجتمعاتنا اليوم؟

 

الإستراتيجيّة الأمريكيّة

إن أساس الإستراتيجية الأمريكية في تغيير الإسلام وتمييعه قائمة بدرجة أولى على دعم الحداثيين في مختلف مجالات الحياة والترويج للحداثة، وتأكيدًا على ذلك تقول الباحثة شيريل بينارد: “والرؤية الحداثية متوافقة مع رؤيتنا. ومن بين كل الأطياف، فإن هذه الفئة شديدة الاتساق مع قيم وروح المجتمع الديمقراطي الحديث، وهذا يشمل بالضرورة تجاوز الاعتقاد الديني الأصلي أو تعديله أو تجاهل بعض عناصره على نحو انتقائي. والعهد القديم لا يختلف عن القرآن في دعم ألوان من القيم والمعايير وترسيخ عدد من القوانين الشاذة إلى درجة لا يمكن تصورها بغض النظر عن تطبيقها في مجتمع اليوم الحديث”. والسؤال المطروح هنا ما هي أسس الرؤية الحداثية؟

الحداثيون يعتبرون الإسلام حركة تاريخية وشريعته غير ثابتة بل هي لا تصلح إلا في الفترة الزمنية التي ظهر فيها ويمكن تغييرها وفق متطلبات العصر مع الحفاظ على القيم الأخلاقية والإنسانية التي لا تتعارض مع قيم الديمقراطية والحداثة العالمية، وللفرد حرية التديّن وفق الطريقة التي تناسبه وتبقى دائمًا مصلحة المجتمع أهم من تعاليم القرآن وأحكامه، فالحكم والقوانين المنظمة للحياة في مختلف المجالات لا علاقة لها بالإسلام بل هي فقط من صنع العقل الإنساني وفق ما يرى فيه مصلحة له ولمجتمعه.

لا تقتصر الاستراتيجية على دعم الحداثيين وحدهم بل إن أمكن دعم غلاة التصوّف غير المنضبط بتعاليم السنة النبوية الذي يوصى بالانعزال من الحياة والتعبّد السلبي الذي لا ينشر إلا البلاهة والخرافات والضعف والجمود! فمن الوصايا في هذا التقرير نجد: “تعزيز مكانة التصوف بتشجيع الدول التي توجد بها تقاليد صوفية قوية على زيادة الاهتمام بهذا الجانب من تاريخها وبثه في مقرراتها المدرسية”.

ومن أهم بنود هذه الإستراتيجية هي دعم الرؤية الحداثية للإسلام والترويج لها ونشرها تحت غطاء الإسلام الحداثي وهذا ما يحدث في مجتمعاتنا اليوم بظهور نخب مثقفة في المنابر الإعلامية تفسر الإسلام وفق أهوائها وتبطل أحكامه وتحل ما حرم الله في كتابه، ومن البنود أيضًا صناعة قدوات وزعمات وعلماء حداثيين وتصديرهم للعامة، ومحاول غرس أفكارهم داخل المجتمع، وإظهارهم على أنهم يملكون الحل لمختلف المشاكل، وبهم يتقدم المجتمع، وجعلهم رموزًا قوميين، بهدف التأثير في العامة ودفعهم للاقتداء بهم في كل شيء، فيسلمون لقولهم وأمرهم.

من أهم البنود التركيز على مبدأ الاختلاف والتفرقة بين مختلف الطوائف والمذاهب الإسلامية وتأجيج الصراعات بينهم مع استغلال أخطاء زعمائهم وزلاتهم الأخلاقية، ونشرها بين العامة، مع إبراز فشل الجماعات الإسلامية في الحكم وعجزهم عن النهوض بالبلاد، وتقديم المشروع الحداثي على أنه البديل والحل للتغيير والنهوض، وكثيرًا ما نرى اليوم بعد الثورات وصول الأحزاب الإسلامية للحكم وإخفاقها لأسباب داخلية أو خارجية، ومن ثم الترويج أنّ سبب ذلك هو توظيف الإسلام في السياسة وعدم صلاحيته لذلك ومن ثم الدعوة للفكر الديمقراطي الحداثي وإيهام الناس بذلك، ومن البنود أيضًا التشكيك في الثوابت الإسلامية كالسنة النبوية وبث الشبهات حولها، حتى يشعر الفردِ بضعف وشكّ في دينه فيترك تعاليمه ولا يُصدّقها، وكثيرًا ما نرى في الآونة الأخيرة حملات تشكيك تهز المجتمع وتتركه تائها.

من البنود المهمة فكرة ترسيخ مفهوم تحديث أو تجديد الإسلام على النحو الحداثي في مناهج التعليم وغرسه في الناشئة وأنه هو طريق السلام العالمي والتقدّم والتطوّر والتّرويج لذلك في المنابر الإعلاميّة وربط مشاكل المجتمع بالشّريعة والدّين، ونحن اليوم نعاني كثيرًا من مشكلة هجر أبنائنا لتعاليم الإسلام والتمرد عليه. فهذه البنود هي الواردة إجمالًا في التقرير، ولمن أراد التوسع فيها فيمكنه العودة للتقرير ومراجعته.

 

لقراءة المقال كاملاً، انقر هنا

 

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.