الهند.. لماذا أصبح الزواج المختلط بين الأديان محفوفاً بالخطر؟

 

شهدت الأعوام الأخيرة قيام جماعات هندوسية يمينية بمنع الزواج بين الهندوس والمسلمين في الهند؛ استنادا إلى قوانين قديمة “تناهض التحول الديني”. ويشكل هذا الأمر خطرا على الأزواج وقد يعرضهم لأعمال عنف أو تلقيهم تهديدات بالقتل.

ردنا – أصبح الزواج المختلط بين الأديان في الهند قضية تتسم بالحساسية وسط تزايد حدة الجدل حيالها في السنوات الأخيرة، إذ عرقلت السلطات وجماعات هندوسية يمينية إتمام حفلات الزفاف بين رجال مسلمين ونساءٍ هندوس في بعض الولايات بموجب ما يسمى بقوانين “مناهضة التحول الديني”.

فقبل عامين، منعت الشرطة حالة زواج مختلط بين الأديان بولاية أوتار براديش شمالي الهند على الرغم من موافقة العائلتين على الزواج، إذ حضر أفرادها الحفل قبل قيام الشرطة بالتدخل لوقف إتمام الزواج بعد تقديم شكوى من زعيم يميني هندوسي بالولاية.

يشار إلى أن الزواج في الهند ما زال في كثير من الأحيان يكون مرتّبا أو مدبّرا من قبل العائلات، فيما ينظر إلى الزواج المختلط بين الأديان بازدراء ويعتبر من المحرمات في العديد من المدن الهندية، إذ قد شهدت البلاد في الآونة الأخيرة حوادث متطرفة شملت تعرض بعض العائلات للعنف أو حتى مقتل الزوجين بسبب الوقوع في الحب والزواج من دين آخر.

 

قوانين “مناهضة التحول الديني”

وكانت ثماني ولايات هندية من بينها ست ولايات خاضعة لحكم حزب “بهاراتيا جاناتا” القومي الهندوسي الحاكم، قد أقرت قوانين مناهضة التحول الديني والتي من شأنها حظر تغيير الدين لغرض الزواج.

وشكلت حكومة ولاية ماهاراشترا في غرب الهند الشهر الماضي لجنة مؤلفة من 13 عضوا للتحقيق في حالات الزواج المختلط بين الأديان في الولاية وأيضا احتفظت اللجنة بسجلات الزواج وعائلاتهم.

ودشنت جماعة هندوسية يمينية متطرفة يُطلق عليها اسم “فيشوا هندو باريشاد” أو “المجلس الهندوسي العالمي”، حملة “توعية” الشهر الماضي في أنحاء البلاد حيث زعمت أن الهندوسيات يقعن فيما قالت إنه “فخ جهاد الحب”، بما في ذلك تحول غير قانوني للدين الإسلامي.

وينظر إلى مصطلح “جهاد الحب” باعتباره معاديا للإسلام ، يستخدمه اليمين الهندوسي المتشدد للزعم بأن الرجال المسلمين يقومون بإغراء النساء الهندوسيات بالزواج بهدف دفعهن إلى التحول إلى الإسلام.

وتقول الجماعات الهندوسية المتشددة إن “جهاد الحب” يُعد مؤامرة منظمة، لكن دون تقديم أي دليل يُثبت ذلك.

وزعم الناطق باسم منظمة “فيشوا هندو باريشاد” أن هذه الظاهرة باتت “شكلا شنيعا من أشكال التحول الديني”.

وأضاف فينود بانسال أن “هناك حاجة ماسة لسن قانون مركزي صارم لفحص حالات “جهاد الحب ” وحالات التحول الديني غير القانوني”.

 

كيف أصبح الزواج المختلط مشكلة؟

بدوره، قال آصف إقبال، الذي ساعد في تأسيس منظمة غير حكومية تساعد الأزواج من أديان مختلفة في الهند، إن العديد من الأزواج باتوا في حالة خوف من أن يصبح زواجهم جريمة جنائية، وسط مساعي في الوقت الحالي لإجراء تعديلات قانونية.

وأضاف إقبال: “خفضت الأوضاع القانونية والاجتماعية الحالية من معدل حالات الزواج المختلط بين الأديان. الزواج العابر للأديان مازال يمثل تحديا في الهند، لكن حالات التمييز وصدور تهديدات بالعنف تجعل تقديم أشكال الدعم لهؤلاء الأزواج أمرا بالغ الصعوبة في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى”.

وأضاف أن منظمته ساعدت خلال العقد الماضي أكثر من خمسة آلاف حالة زواج مختلط بين الأديان والطبقات، لكنه ورغم ذلك أشار إلى أن هناك انخفاضا حادا في عدد الأزواج الذين يلجأون لطلب المساعدة.

وفي ذلك، أضاف “يضطر الأزواج إلى مغادرة الولاية التي يعيشون فيها لإتمام الزواج في ولاية أخرى لا تجرم الزواج الديني المختلط. وفي كثير من الأحيان، فإن عناصر الشرطة ورجال القضاء في العديد من الولايات ليسوا على استعداد لمساعدة الأزواج بل وفي بعض الأحيان لا يوفرون لهم الحماية المطلوبة”.

 

رجال دين مسلمون ومسيحيون وهندوس شاركوا في حفل زفاف جماعي عام 2020.

 

العيش في كنف الخوف

يشار إلى أن الهند تشهد في السنوات الأخيرة تصاعدا في التوترات الطائفية، خاصة بين المسلمين والهندوس، فيما ينجم عن الزواج المختلط بين المسلمين والهندوس أو بين طوائف هندية مختلفة تعرض الأزواج لأعمال تنمر ومضايقات فضلا عن معارضة الأقارب لإتمام الزواج، فيما قد يصل الأمر إلى تلقيهم تهديدات بالقتل.

ومنذ فوز حزب بهاراتيا جاناتا بالأغلبية في البرلمان عام 2014، اتسمت التوترات بين الهندوس والمسلمين بحالة استقطاب مرتفعة، فيما يقول النشطاء إن تمرير قوانين مناهضة للتحول الديني يشير إلى زيادة القومية الهندوسية.

وقالت مالافيكا راجكوتيا، محامية متخصصة في قضايا الأسرة، إن مثل هذه التشريعات تعتبر “أسلوبا لتخويف الأقليات وحاليا يجرى استخدام قانون الزواج الخاص للأشخاص من مختلف الأديان لمضايقة الشباب والشابات”.

ومن الجدير بالذكر أنه تم سن هذا القانون في الهند للتحقق من حالات الزواج المختلط بين الأديان والطوائف وتسجيلها بما يسمح للأشخاص البالغين إتمام الزواج بعقد مدني، لكن يتعين على الأزواج الانتظار لأكثر من شهر لتسجيل وتوثيق الزواج، وهي الفترة التي يستغلها بعض أفراد العائلات والسلطات لمضايقة واستهداف الأزواج.

وفي محاولة لمحاربة موجة الكراهية والتعصب ضد الزواج المختلط بين الأديان، أطلقت سمر هالرنكار وزوجها بريا راماني “مشروع الحب الهندي” على تطبيق انستغرام عام 2020 لرفض الاستقطاب الديني والاحتفاء بالزواج العابر للأديان.

وقالت: “في بلد يجرم بشكل متزايد الحب بين الأديان، أصبح هذا المشروع ساحة للاعتزاز بالاختلافات داخل المجتمع الهندي والاحتفاء بها.”

 

ماذا يقول الدستور في الهند؟

بدورها، قالت إنديرا جايسينغ، وهي محامية في المحكمة العليا وانخرطت في قضايا الزواج بين الأديان، إن الهند في السنوات القليلة الماضية قامت بسن قوانين تستهدف هذا النوع من الزواج على وجه التحديد.

وأضافت جايسينغ أن “قيام فرد باعتناق ديانة أخرى للزواج من شخص من ديانة مختلفة بموجب قانون الأحوال الشخصية لهذا الدين .. يأتي في إطار الحرية المكفولة بموجب الدستور”.

وأشارت إلى أن هذه القوانين يمكن الطعن عليها لأنها تمثل انتهاكات لحق حرية الدين، الذي ينص عليه الدستور الهندي، مضيفة: “القوانين التي تمنع الزواج من خلال بوابة رفض التحول الديني تتعارض مع القيمة التأسيسية للعلمانية في الهند”.

يشار إلى أن دستور البلاد ينص على “الحق في اعتناق وممارسة ونشر الدين بحرية”، فيما تعني عبارة “نشر الدين” حق مواطني البلاد بالتحول إلى دين آخر.

وقد بدأت المحكمة العليا الأسبوع الماضي النظر في دعاوى للطعن على قوانين مناهضة التحول الديني، التي تم تمريرها في عدة ولايات وهي القوانين التي ترمي إلى حظر التحول إلى دين آخر بهدف الزواج عن طريق ضرورة قيام أي شخص يرغب في التحول إلى دين آخرى بإبلاغ السلطات بالأمر.

 

المصدر: DW

 

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.