كيف يعكس صون مقبرة يهودية في فاس الانسجام بين الأديان في المغرب؟

تعتني جوانا ديفيكو أوهانا، وهي من مواليد مدينة فاس المغربية، بالمقبرة اليهودية في المدينة والتي يبلغ عمرها 200 عام، وذلك بناء على طلب والدها إيلي ديفيكو، الذي وافته المنية قبل بضعة أشهر.

ردنا – “عديني بشيء واحد” قال الأب لابنته وهو على فراش الموت: “عديني بشيء واحد: إذا مت وكنتُ حينها في فرنسا، ستُحضِرينَني إلى فاس”.

السيد ديفيكو يرقد الآن بسلام في المقبرة اليهودية في فاس.

أثناء تغطيتنا الصحفية للمنتدى العالمي التاسع لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، التقينا بجوانا التي تحدثت عن إحياء المقبرة اليهودية في فاس، وأيضا عن الحياة السلمية بين مختلف الطوائف الدينية في هذه المدينة، التي تعود لأكثر من ألف عام.

مدينة فاس، المغرب

 

مدينة مليئة بالسحر والتاريخ

تأسست مدينة فاس في القرن التاسع، وكانت العاصمة القديمة للمغرب لمئات السنين.

تقع مدينة فاس شمال المغرب، على وادي فاس مباشرة فوق نهر سيبو.

هي من بين أقدم مدن الإمبراطورية المغربية الأربع (مكناس ومراكش والرباط). وقد تأسست الضفة الشرقية منها على ضفاف وادي فاس على يد إدريس الأول عام 789م. بعد عشرين عاما من وفاة إدريس الأول، أنشأ ابنه إدريس الثاني مدينة ثانية على الضفة الغربية للنهر عام 809، وقد شجع اليهود على الانتقال إلى فاس، حتى تستفيد المدينة من مهاراتهم.

تشتهر فاس بالدين والفن والعلوم والحرف اليدوية والأنشطة التجارية. وقد وصلت إلى ذروتها كمركز للتعلم والتجارة في عهد المرينيين في منتصف القرن الرابع عشر عندما ازدهرت المدينة بشكل لم يسبق له مثيل وتمتعت بعصرها الذهبي لأكثر من 300 عام.

عام 1649، أصبحت فاس مركزا للدولة العلوية في المغرب، وظلت كذلك حتى فترة الاستعمار الفرنسي الذي بدأ بفرض الحماية عام 1912. وخلال تلك الفترة التي انتهت عام 1956 مع الاستقلال، تم نقل العاصمة إلى مدينة الرباط.

تم إدراج مدينة فاس كموقع للتراث العالمي لليونسكو وكواحدة من أكبر المناطق الحضرية الخالية من السيارات في العالم، وهي بالتأكيد تستحق كل دقيقة لاستكشافها.

عبر تنوعها الثقافي غير المادي وأيضا الملموس، تشكل فاس بوتقة تتعايش فيها المجموعات الأمازيغية والعربية واليهودية وغيرها.

والحي اليهودي الذي يعرف بـ “الملاح” دليل على هذا التعايش …

المقبرة اليهودية في فاس

 

مقبرة فاس اليهودية وجوانا

خلال الفترة المرينية، تم نقل جميع السكان اليهود في ’فاس بالي‘ (فاس القديمة) إلى ’فاس جديد‘، أي القسم الجديد الذي يقع في الجزء الجنوبي من المدينة.

عُرف حي اليهود في البداية باسم “Mellah” ما يعني حرفيا “الملح” أو “المنطقة المالحة” إما بسبب مصدر مياه مالحة في المنطقة أو بسبب وجود مستودع ملح سابقا. تم اعتماد كلمة “ملاح” فيما بعد كاسم للحي اليهودي في فاس الذي كان أول “ملاح” في المغرب؛ وهي تسمية وظاهرة انتشرت في العديد من الأماكن الأخرى بما في ذلك الرباط ومراكش.

تقع المقبرة اليهودية في “ملاح فاس”، وتتميز بمقابرها شبه الأسطوانية، وتعكس تاريخ ازدهار يهود المغرب.

تعتني جوانا ديفيكو أوهانا، وهي من مواليد مدينة فاس، بشكل طوعي، بهذه المقبرة التي يبلغ عمرها 200 عام، وذلك بناء على طلب والدها الراحل إيلي ديفيكو الذي كان مسؤولاً عن صيانتها حتى وفاته قبل بضعة أشهر.

وعن فترة حياتها السابقة في فاس، تقول جوانا لفريق الاتصال التابع للأمم المتحدة إنها نشأت في فاس، حيث عاشت طوال طفولتها ومراهقتها قبل مغادرتها للدراسة في مكناس، من ثم في فرنسا.

“عشنا في وئام. لم يكن هناك توتر. لقد عرفنا جميعا أننا يهود أو مسلمون أو كاثوليك، ولم نواجه أي مشاكل في هذا الجانب،” تشرح لنا جوانا، وهي تتذكر فترة الشباب.

“الملاح” ومدينة فاس وكل ما يمثلانه كان بالضبط ما يعشقه والد جوانا. حتى في أوقات المرض الصعبة، لم تفارق فاس عقل وقلب السيد ديفيكو.

وعن ذلك تقول جوانا: “كان والدي يعشق المغرب ويعشق فاس”، لكن المرض أعياه لسنوات عديدة، واضطر إلى المغادرة إلى فرنسا لتلقي العلاج.

قال لجوانا قبل أن يموت: “عديني بشيء واحد – أنه إذا متُ في فرنسا، بأنك ستحضرينني إلى فاس”.

تأتي جوانا إلى المقبرة بانتظام لتكريم رغبة والدها في العناية بها.

“ها هو في فاس. هو قريب منا، وآمل أنه يرقد بسلام … ”

 

فاس ومنتدى التحالف العالمي التاسع

استضافت مدينة فاس، التي كانت على مدى قرون عاصمة المغرب، المنتدى العالمي التاسع لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة مؤخرا.

افتتح المنتدى السيد أندريه أزولاي، مستشار ملك المغرب محمد السادس، مشيرا إلى أن “هوية المغرب القائمة على الانفتاح والانسجام والتلاحم، والموحدة بانصهار مكوناتها العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”.

أوضح السيد أزولاي أن المملكة المغربية، أحد الأعضاء المؤسسين لتحالف الحضارات، شاركت في جميع نضالات المنظمة لأسباب عديدة لا تنفصل عن هويتها، ومن بينها التزامها بالدين كوسيلة لتحقيق السلام.

وأكد مستشار الملك في المنتدى أن “جلالة الملك محمد السادس يضمن حرية ممارسة العبادة في جميع أنحاء المملكة”.

ونقلاً عن العاهل المغربي، قال السيد أزولاي: “أعتقد أن الدين يجب أن يكون حصنًا ضد التطرف وليس ذريعة له. وقد دأبنا على الدفاع عن هذه القناعة في كل المحافل، من خلال الدبلوماسية الدينية للمملكة”.

عندما سُئلَت عن شعورها لدى علمها بأن فاس قد اختيرت لاستضافة منتدى تحالف الحضارات التاسع، قالت جوانا ديفيكو أوهانا إنها شعرت “بالفخر” لأن الاختيار وقع على فاس.

واختتمت قائلة: “بالنسبة للمغرب، يعكس هذا بالضبط حقيقة صورتنا وثقافتنا”.

 

المصدر: الموقع الرسمي لأخبار الأمم المتحدة

 

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.