السكرتير السابق للبابا فرنسيس: إما الحوار أو الهمجية

ردنا – وسط صراعات هنا، ونزاعات هناك، باتت الحاجة تتزايد إلى السلام والبحث عن بادرة أمل تطفئ لهيب الحروب وتبرد جروحها عبر رسالة وئام ومودة تجمع ولا تفرق، فليس أقوى من رباط الإنسانية للاعتصام به، ووسط هذا الظمأ الذي يسود عالمنا هناك رسالة “أسبوع الوئام العالمي بين الأديان” الذي يبدأ في الأول من فبراير (شباط) كل عام، وأقرته الأمم المتحدة عام 2010، اعترافاً بالحاجة الملحة إلى الحوار بين مختلف الأديان، ولتعزيز التفاهم المتبادل والانسجام والتعاون بين الناس.

“إما ثقافة الحوار وإما همجية اللاحوار”، كانت هذه بعض الكلمات التي اقتبسها الأب يوأنس لحظي جيد السكرتير الشخصي السابق للبابا فرنسيس ورئيس مؤسسة الأخوة الإنسانية، في مقابلة صحفية، متحدثاً عن جهود البابا فرنسيس في التقارب مع العالم الإسلامي لمد جسور الحوار والسلام، والتي أثمرت وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها مع شيخ الأزهر أحمد الطيب في فبراير عام 2019، كإعلان عالمي للتعايش والسلام والأخوة الإنسانية، والتي على أساسها اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع يعلن يوم الرابع من فبراير “اليوم الدولي للأخوة الإنسانية”.

 

رسالة الأسيزي

لا يبدو أن البابا فرنسيس يحمل فقط اسم القديس فرنسيس الأسيزي، الذي سافر قبل أكثر من 800 عام للقاء الملك الكامل سلطان مصر عام 1219، بل رسالته أيضاً. فمنذ تولي البابا فرنسيس الكرسي الرسولي في عام 2013، أظهر اهتماماً خاصاً بالمنطقة العربية والحوار المسيحي – الإسلامي، وهو ما انعكس في زياراته التي استهلها بالأراضي المقدسة والأردن في مايو (أيار) 2014، ثم مصر في أبريل (نيسان) 2017، الزيارة التي حملت شعار “بابا السلام في مصر السلام”، وشملت الحوار مع الأزهر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

وفي عام 2019 زار البابا كلاً من المغرب والإمارات، حيث وقع وثيقة الأخوة الإنسانية في الأخيرة، كما حملت زيارته للعراق في عام 2021 رسائل عديدة، حيث شهدت الزيارة عقد أول قمة روحية مع مرجع شيعي بمستوى رفيع، وهو السيد علي السيستاني، وأخيراً زار البحرين في 2022 في إطار ملتقى البحرين للحوار “الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني”.

ويقول لحظي، الذي وصفه البابا بأنه الجندي المجهول وراء جهود الفاتيكان لتحقيق السلام وتعزيز الحوار مع العالم الإسلامي، إن “هذه الزيارات توضح الأهمية التي يمنحها البابا فرنسيس للمنطقة العربية في إطار إيمانه بضرورة التقارب والتعايش لمواجهة العنف والتباعد والإرهاب والكراهية، فالعلاج هو الحوار والأخوة والتقارب”.

وبسؤاله عن ثمار تلك الجهود والأهداف التي تحققت من الزيارات والحوار، أشار إلى نقاط عدة تتمثل في تقارب ينعكس في القبول والاحترام الذي يحظى به الفاتيكان في الشرق الأوسط والوطن العربي، قائلاً “هذا شيء جميعنا نلمسه، ولمسناه في مصر عام 2017” مشيراً إلى الحفاوة التي استقبل بها شيخ الأزهر البابا فرنسيس آنذاك.

ويضيف “العلاقة القريبة بين قداسة البابا وكل الشعوب والقيادات في هذه الأوطان، مثال علاقته مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والبابا تواضروس وفضيلة الإمام الأكبر، كلها نتيجة الزيارات المتبادلة والحوار بينهم”، مستدركاً “النتيجة الأهم والأكبر هي الاحترام والقبول المتبادل للاختلاف وللآخر، فلم يصبح الآخر عدواً، فالاختلاف في الدين ليس خلافاً، لكنه اختلاف”.

الأب يوأنس يقف خلف البابا فرنسيس والشيخ أحمد الطيب خلال توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية

 

البيت الإبراهيمي للتعايش وليس الانصهار

وتابع لحظي أن وثيقة الأخوة الإنسانية التي تم توقيعها في أبوظبي عام 2019، هي “الثمرة الأهم، وتعد من أهم الوثائق التي تم توقيعها بين العالمين المسيحي والإسلامي تقريباً في التاريخ كله، وهي الوحيدة اللي تم توقيعها من قبل البابا نفسه والإمام الأكبر، مما يوضح أهميتها وأهمية محتواها”.

ويضيف أن “اللجنة العليا للأخوة الإنسانية تضم شخصيات عالمية رفيعة معروفة بالحوار والتقارب بين الديانات والثقافات، وهي أيضاً واحدة من ثمار توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، كما أن تأسيس الأمم المتحدة اليوم العالمي للأخوة الإنسانية في الرابع من فبراير الموافق ليوم توقيع الوثيقة أمر مهم في حد ذاته”.

عندما تم الإعلان عن “البيت الإبراهيمي” تزامناً مع الاحتفال بيوم الأخوة الإنسانية، العام الماضي، قوبل مشروع المبادرة بالهجوم باعتباره يهدد الهوية الدينية ويعمل على دمج جميع الديانات في ما سمي “الديانة الإبراهيمية”، واعتبره آخرون محاولة لتسويق إسرائيل في المنطقة، وهي المزاعم التي نفاها قبل ذلك المستشار محمد عبدالسلام أمين عام لجنة الأخوة الإنسانية والمستشار السابق لشيخ الأزهر.

وفي رده على سؤال في شأن هذه الاتهامات التي تتعلق بالمخاوف من الترويج لما يسمى “الديانة الإبراهيمية”، قال لحظي إن “البيت الإبراهيمي يقوم على احترام اختلاف كل دين، لذا لم يبنوا معبداً واحداً يصلي فيه الجميع، بل خصصوا مسجداً قائماً بذاته وكنيسة قائمة بذاتها وكنيساً يهودياً قائماً بذاته، أي بناء منفصل لكل أتباع دين للصلاة، بحسب دينيهم وعقائدهم وطقوسهم”. وأضاف أن ما يدور من مزاعم هو محاولة لانتقاد مشروع رائع وجيد يعكس قلب وثيقة الأخوة الإنسانية للتعايش بين الأديان، وليس انصهارها، مشدداً بالقول “توحيد الأديان أمر غير مطروح بالأساس”. وتابع “من التفاهة الاعتقاد أن فضيلة الإمام وقداسة البابا ورؤساء الدول اجتمعوا لتأسيس دين، هذا كلام لا يستحق التعليق عليه”.

 

ثقافة الحوار أو همجية اللاحوار

تبدو العلاقة على المستوى الدبلوماسي والرسمي جيدة للغاية، وتشهد تفاهماً وتقارباً متزايداً، لكن تظل القاعدة هي الأساس، فبسؤال الأب يوأنس لحظي عن تأثير هذه الجهود في العلاقة بين المواطنين، فلا يخفى أن المسيحيين في الشرق الأوسط وفي بعض الدول التي زارها البابا، عانوا خلال السنوات الماضية هجمات عنيفة على أساس الدين، مما تسبب في تراجع الوجود المسيحي في المنطقة، وبخاصة في العراق وسوريا، حيث واجه المسيحيون والأقليات الدينية الأخرى موجات من العنف وعمليات قتل وخطف على يد التنظيمات المتطرفة، ناهيك بعنف القوات التركية ضد الأقليات في الشمال السوري.

في رده على هذا السؤال استعان لحظي بكلمات البابا فرنسيس خلال زيارته لمصر قائلاً “إما ثقافة الحوار وإما همجية اللاحوار. إما أن نبني المستقبل معاً، وإلا فلن يكون هناك مستقبل”. وأضاف أنه “أمام دعوات عشناها في السنوات الأخيرة تحرض على الصدام وصراع الأديان، تأتي جهود البابا وزيارته للشرق الأوسط والمنطقة العربية كتأكيد على أهمية بناء المستقبل معاً وحاجة الجميع إلى الأخوة والحوار والتعايش”.

 

المصدر: الإنديبندنت

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.