الطوفان بين الأسطورة والدين

سلام حربه

يؤكد البعض من علماء الميثولوجيا ان الطوفان قد وقع في الماضي ولذا فانهم يقسمون تاريخ البشرية الى ما قبل الطوفان وما بعده مستندين في ذلك الى طبقات الطين الكثيفة التي اكتشفوها في موقع الطوفان خاصة في جنوب العراق وعزوا وجودها الى المياه الذي غطت المنطقة قبل آلاف السنين.

من هؤلاء المنقبين الذين روجوا لهذه الفكرة هو العالم الانكليزي ليونارد وولي، المكتشف لزقورة اور وبيت النبي ابراهيم (ع) والمقبرة الملكية والمكتبة الملكية التي وجد فيها عشرين الف لوح سومري، لقد اكتشف وولي طبقات هائلة من الطين في اثناء تنقيبه في مدينة اور وتل العبيد الذي يبعد 6.5 كم عن اور مما يؤكد بما لا يقبل الشك عنده حدوث الطوفان وأن هناك تاريخين للبشرية قبل الطوفان وبعده وان عمر الانسان قبل الطوفان قد يصل الى الف عام في حين بعده لا يتجاوز المئة عام. كما اثبت ان هناك صحيفة الملك السومرية وهي صحيفة قديمة منقوش عليها اخبار الارض على مدى 400 الف سنة وان هناك ثمانية ملوك سومريين حكموا سومر ما يقرب من ربع مليون سنة، كل ملك حكم ثلاثين الف سنة، لقد دون كل هذه المعلومات والكشوفات في كتابه ( الطريق الى الاثار )، ولكن بعض العلماء والباحثين فندوا هذه الاراء واعتبروا ما جاء به ليونارد وولي عن الطوفان والصحيفة السومرية محض خيال وتصورات لا مكان لهما في الواقع. لقد أرخ السومريون هذا الطوفان في الواحهم الطينية وبينوا كيف حصل وما هي اسبابه ومن الذي أمر به ولأنها قصة من قصص الالهة القديمة فقد كانت ضمن أساطير بلاد سومر وسميت بسفر الطوفان ، هذا السفر امتدت مضامينه الى كل الحضارات في بقاع الارض لكن بصياغات واسباب واسماء مختلفة كما وجد داخل نصوص الديانات السماوية وغير السماوية وهذا ان دل على شيء فانما يدل على عبقرية السومريين ورجاحة عقولهم وواسع خيالهم الذين مازالوا يلهمون البشرية بالمعارف والعلوم من خلال تنقيبات آثارهم التي لم تنقطع فبهم ابتدأ التاريخ والكلمة والتدوين والحضارة .. ما جاء باسطورة الطوفان السومرية..

( في ذلك الحين بكت ننتو كامرأة في المخاض/ وانانا المقدسة ناحت على شعبها/ انكي فكر مليا وقلب الامر على وجهه/ آنو وانليل وانكي وننخرساج/ الهة الارض والهة السماء دعوا باسم آنو وانليل / في تلك الايام زيوسودرا كان ملكا وقيما على المعبد / عندما وقف زيوسودرا قرب الجدار سمع صوتا / قف قرب الجدار على يساري واسمع / سأقول كلاما فاتبع كلامي/ اعط اذنا صاغية لوصاياي/ إنا مرسلون طوفانا من المطر فيقضي على بني الانسان / ذلك حكم وقضاء من مجمع الالهة / أمر آنو وانليل / فنضع حدا لملكوت البشر / هبت العاصفة كلها دفعة واحدة/ ومعها انداحت سيول الطوفان فوق وجه الارض / ولسبعة أيام وسبع ليال/ غمرت سيول الامطار وجه الارض / ودفعت العواصف المركب العملاق فوق المياه العظيمة / ثم ظهر اوتو ( اله الشمس ) ناشرا ضوءه في السماء على الارض / فتح زيوسودرا كوة في المركب الكبير / تاركا اشعة البطل اوتو تدخل منه / زيوسودرا الملك خرّ ساجدا امام اوتو/ ونحر ثورا وقدم ذبيحة من غنم..)

لقد اقتبست الحضارات الاخرى هذه الاسطورة ومنها الحضارة البابلية فكانت الاسطورة البابلية عن الطوفان لا تختلف سوى باسمي الاله والحكيم اللذان هما كلكامش واتونابشتم ..

( قال كلكامش لاوتونابشتم / انظر اليك يا اوتونابشتم فارى شكلك الرقيق لا يختلف عن شكلي/ قوض بيتك وابن سفينة/ اهجر ممتلكاتك وانج بنفسك/ اترك متاعك وانقذ حياتك/ واحمل فيها بذرة كل ذي حياة..)

اما في الحضارة الفارسية وفي الديانة الزرادشتية التي تسبق الديانة اليهودية بالف عام فقد تم اقتباس سفر الطوفان من السومريين وقد تم ذكر ذلك في كتاب الديانة الزرادشتية المقدس (الأفيستا ) في احدى الهايتات الاثنى والسبعين ..( ييّما الراعي والملك الحامي للايرانيين في زمن ( العصر الذهبي ) ويطلق عليه اسم جمشيد أنقذ الايرانيين في الطوفان العالمي وباركه الرب اهورا مزدا ..)

اما في الديانات الابراهيمية فقد تم ذكر الطوفان في الكتب المقدسة ولكن المنقذ لم يكن زيوسودرا السومري ولا اتونابشتم البابلي بل النبي نوح فقد تضمن النص الديني اليهودي ..( وقال الرب يهوه لنوح. ادخل السفينة انت وجميع اهلك فأني رأيت أياك بارا امامي في هذا الجيل ..) العهد القديم..سفر التكوين..الاصحاح السابع 1 ..

اما في القرآن الكريم فقد ذكرت حادثة الطوفان كما جاء في الآية الكريمة في سورة هود (حتى اذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه الا قليل. قال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ان ربي لغفور رحيم. وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح إبنه وكان في معزل يابني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. قال سآوي الى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله الا من رَحِم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين..) صدق الله العظيم..

تتفق جميع الاساطير والاديان في ذكرها لحادثة الطوفان الذي غطى الارض وقضى على الحياة فيها من بشر وحيوانات الا من ركب السفينة، مع الملوك زيوسودرا السومري واتونابشتم البابلي وييّما الايراني وغيرهم في اساطير الهند والاغريق والبلدان الاخرى او النبي نوح في الديانتين السماويتين اليهودية والاسلام، من الاتقياء والصالحين لان البشر في الارض اصبحوا فاسدين واشرارا وكثرت الجرائم والسرقة وطغوا في الارض لا يخدمون الالهة ولا يقدمون لها القرابين فقرر مجلس الالهة في الاسطورة السومرية الأصل وكبير الالهة انليل ان يغرق الارض للتخلص من البشر الا من الابرار الذين مع الملك الصالح زيوسودرا واهله وحيواناته في السفينة التي أمره الاله ببنائها وكذا الحال مع اتونابشتم البابلي وباقي الملوك او نوح في اليهودية والاسلام لينقذ معه من آمن بالله ويهلك حتى ابنه العاصي لارادة الله.

من يتأمل هذا السفر العظيم سيجد ان الالهة قد حذرت البشر من الغي والفساد والايغال في الفواحش لان هذه الخصال جزء من تركيبة البشر ولذا فان الالهة في الاساطير القديمة او الله في الاديان السماوية توعدوا البشر بالعقاب سواء من خلال الطوفان او النار والجحيم الابدي ان لم يثبوا الى رشدهم ويمضوا في الصراط المستقيم الذي يوصلهم الى الجنان التي وُعِدوا بها.

الانسان الحديث سادر في غيه وقد اعمته الشهوة والمصالح والغرائز الدنيوية ونسى نفسه وماتت روحه، لم يعد يأبه بأي شي وهذا ما نراه اليوم من جرائم ومفاسد وحروب وقتل جماعي وتخريب للبلدان وانتهاك كرامة الاخرين واذلالهم هم وبلدانهم والكثير من هذه الجرائم ترتكب باسم الدين، قد يطفح الكيل وقد يُعاد التاريخ ثانية ويحصل طوفان اقسى نتيجة جرائم البشر البشعة وقد تغطي المياه الارض او تُفنى بالزلازل وينتهي التاريخ ربما عند سومر كما ابتدأ..

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.