مدينة “شينينغ” الصينية نموذجاً لتعايش الأديان.. كيف تعرّفَت على الإسلام؟

ردنا – مدينة (شينينغ – Xining) هي عاصمة مقاطعة (تشينغهاي – Qinghai)، وإحدى أشهر مدنها، وكانت تُعرف قديمًا باسم (تشينغ تانغ) وتمثل البوابة الشرقية لهضبة التبت، والمكان الوحيد الذي يمر عبر الهضبة القديمة.

تقع المدينة بين الجبال الشمالية، والجنوبية لوادي (خه خوانغ- Hehuang) على هضبة التبت، وهي جزء من جبال تشيليان، وتتميز المدينة بمناظرها الخلابة التي جعلتها إحدى أهم المزارات السياحية في الصين، كما أن بها العديد من الآثار التاريخية، من أهمها أطلال مدينة (تشينغ تانج) القديمة كشاهد على ازدهار طريق الحرير، كما أن بها العديد من الأديرة البوذية.

المدينة بوتقة تنصهر فيها الأعراق والأديان، حيث يسكنها مليونان وخمسون ألف نسمة ينتمون إلى خمس وثلاثين قومية، منها هان وهوي وتو والتبت ومنغوليا و سالار وغيرها. يبلغ عدد سكانها من أبناء الأقليات القومية 527 ألفا، يمثلون 25.7% من سكان شينينغ. الناس في هذه المدينة يدينون بعقائد مختلفة، ولهذا ليس غريبا أن ترى في المكان الواحد مسجدا ومعبدا بوذيا أو كونفوشيوسيا أو طاويا أو كنيسة. ويتعايش أبناء المدينة في ود ومحبة ووئام.

 

تاريخ الإسلام في مقاطعة (تشينغهاي)

يمتد تاريخ المقاطعة إلى ما قبل آلاف السنين، وعلى مدار تاريخها تعرضت للعديد من الهجرات، ووقعت تحت سيطرة العديد من الإمبراطوريات، مما جعلها تقع وسط العديد من الصرعات، مثل صراع حكام أسرة (تانغ) والسلالات الصينية اللاحقة ضد القبائل التيبتية. وفي ظل هذه التوترات حملت البعثات التجارية الإسلام إلى المقاطعة بمعزل عن كل هذه الصراعات. وكما سبقت الإشارة في الجزء الأول فقد كانت مقاطعة (قانسو) الأولى من حيث التأثر بالثقافة الإسلامية نتيجة وقوعها على طريق الحرير، ثم انتشر الإسلام تدريجيًّا وعلى مدار قرون عديدة، في بعض مناطق هضبة التبت، وفي مقدمتها مقاطعة (تشينغهاي) وذلك في عهد أسرة (تانغ).

ومع دخول الإسلام إلى إقليم (شينجيانغ) نتيجة تدفق الوفود الإسلامية التجارية من شبه الجزيرة العربية، وبلاد فارس، وبعض أجزاء آسيا الوسطى، عبر طريق الحرير خلال عهد أسرة (سونغ الشمالية) عام (960-1127م)، انتشر الدين الإسلامي سريعًا حتى بلغ مقاطعة (تشينغهاي) والتي أصبحت سوقًا للتجارة الصينية، والأجنبية، والإسلامية.

ويعيش المسلمون الصينيون من قوميات “هوي”، و”سالار”، و”دونغشيانغ”، و”باوان” في تلك المقاطعة جنبًا إلى جنب مع أصحاب الديانات الأخرى في سلام، وتناغم، واستقرار، وحالة من الاندماج مع العديد من أبناء القوميات الأخرى وعددها (56) قومية.

 

الإسلام في مدينة (شينينغ)

دخل الإسلام مدينة (شينينغ) قديمًا مع الهجرات، وطرق التجارة، لكن خلال عهد أسرة (تانغ- Tang) عام ( (724-80شهدت المقاطعة توسعًا كبيرًا للوجود الإسلامي نتيجة تدفق الكثير من الفرس والعرب على المقاطعة، وهم يمثلون النواة الأولى لأسلاف قومية (هوي) في المدينة. ولم يكن الإسلام في مدينة (شينينغ) بعيدًا عن المدن الصينية الأخرى التي سبقتها للإسلام، فلقد زارها الكثير من علماء، ودعاة مسلمي الصين من المناطق، والمدن الصينية المجاورة، وأهم هؤلاء الدعاة (ما لاي تشي-Ma Laichi) الذي لعب دورًا عظيمًا في نشر الإسلام بالمدن الواقعة على هضبة التبت المختلفة، وخاصة في وادي (خه خوانغ- Hehuang) نقطة انطلاق دعوة هذا الداعية الجليل للإسلام في المنطقة. ويتعايش في مدينة شينينغ العديد من أصحاب الديانات، أهمها البوذية، والإسلام، والطاوية، والمسيحية.

 

مسجد (دونغوان) الكبير:

لا تزال المساجد في بلاد الإسلام مظهرًا مهمًّا من مظاهر الإسلام، ورمزًا لأهم شعيرة من شعائر الدين، فكان أول شيء يفعله المسلمون عند نزولهم في أي بلد هو بناء المساجد. وتزدحم مدينة شينينغ بالمساجد، والمزارات الدينية، ومن أهم تلك المساجد مسجد دونغوان الكبير، فكثيرًا ما يقول المسلمون الصينيون: إنك إذا لم تذهب إلى مسجد (دونغوان الكبير) في (شينينغ) فلا فائدة في رحلتك، وقد ذهب تعبك من سفرك هذا سدى؛ وهذا ليس كذبًا على الإطلاق؛ نظرًا لجمال هذا المسجد الرائع، ورونق بنائه، وجلال علمائه، ونسيم روحانياته.

وقد تم بناء هذا المسجد في عهد أسرة سونغ (1034م) عندما بدأ المسلمون الأوائل أجداد قومية هوي الموجودة حاليًا في الصين الاستقرار في المدينة، حيث إنهم عندما ازداد عددهم، قرروا بناء ذلك المسجد، وعلى الرغم من أن مسجد دونغقوان الكبير الذي نراه الآن قد تم إعادة بنائه عدة مرات بعد عهد أسرة (سونغ الشمالية) فإنه يعتبر شاهدًا تاريخيًّا على كثير من الأحداث في الصين، فعمره يقارب 1000 عام، فهو شاهدٌ على تاريخ وجود المسلمين الصينيين في المدينة. ويتميز الطراز المعماري للمسجد بأنه مزيج من أنماط الهندسة المعمارية الخاصة بقوميات “الهان”، و”التبت”، إضافة إلى العمارة الإسلامية، والتي يمكن وصفها بأنها مزيج من العمارتين الصينية، والعربية، فهي تجمع بين القديم والحديث، وكعادة المساجد ذات الطراز الصيني يحتوي فناء المسجد على أشجار معمرة. ويعد المسجد هو الأكبر في مقاطعة (تشينغهاي) ويتسع لأكثر من (5000) مصلٍّ، لكن عادة يكون المصلين أكثر في أوقات الأعياد الإسلامية، ففي تلك الأوقات يزدحم المسجد بالمصلين، وتصبح الشوارع المحيطة مليئة بالمصلين، كما أن مسجد (دونغقوان) هو واحد من أكبر أربعة مساجد في شمال غرب الصين.

ويمتلئ تاريخ المسجد بمشاعر الود، والاندماج؛ ففور الانتهاء من بناء القاعة الرئيسة للمسجد أهدى الرهبان البوذيون لدير (لابرنج- Labrang) مزهريات ذهبية على طراز البوذية التيبتية، وهذه ظاهرة فريدة في المساجد الصينية.

 

 

المصدر: ردنا + مواقع إلكترونية
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.