منذ أن كانت بلاد الشام “آرام”.. تاريخ من التسميات أغلبها دينية

محمد يسري

ارتبطت بلاد الشام بالعديد من الأسماء التي أطلقها أهلها عليها في بعض الأحيان، أو أطلقها الآخرون في أحيان أخرى، فعُرفت قديما ببلاد آرام وأرض كنعان، وأطلق عليها العرب اسم بلاد الشام، ثم كانت سوريا، وبعض الدول الغربية أطلقت عليها اسم “أرض الليفانت”.

 

فما سبب وأصل كل هذه التسميات؟

 

بلاد آرام

يُعد اسم بلاد آرام من أقدم التسميات التي أُطلقت على بلاد الشام (التسمية المعروفة الآن) منذ آلاف السنين. وترجع أقدم إشارة تاريخية لهذا الاسم، إلى النقش المنسوب لنارام سين ملك أكد، في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد.

يذكر العهد القديم أن آرام هو أحد أبناء سام بن نوح. جاء في الإصحاح العاشر من سفر التكوين “بَنُو سَامٍ: عِيلاَمُ وَأَشُّورُ وَأَرْفَكْشَادُ وَلُودُ وَأَرَامُ. وَبَنُو أَرَامَ: عُوصُ وَحُولُ وَجَاثَرُ وَمَاشُ…”.

يُعتقد أن آرام كان الجد الأعلى لمجموعة من الشعوب القديمة المتشابهة في اللغة والعرق والطباع. ويرجح المؤرخون أن الآراميين لعبوا دوراً مهماً في تشكيل ملامح الشرق الأدنى القديم، وذلك من خلال هجراتهم البشرية الكثيفة في المنطقة.

وبحسب مصادر تاريخية، انطلق الآراميون من الصحراء السورية حوالي 2300 ق.م إلى أعالي ما بين النهرين، واستقروا في البداية في حران، وأسسوا عدة ممالك مستقلة غير موحدة بين القرنيين 11-10 ق.م، التي دخلت في صراع مرير مع الآشوريين وغيرهم من الشعوب المجاورة كالحيثيين في شمال وداخل سوريا والكنعانيين على الساحل السوري، وأيضاً في وقت متأخر مع العبرانيين، إلا أن الآشوريين هم من تمكن في النهاية من القضاء على معظم النفوذ السياسي للآراميين سنة 710 ق.م.

ورغم الانتصار العسكري للآشوريين على الآراميين إلا أن النفوذ الثقافي والحضاري للآراميين ظل قوياً هناك، خصوصاً في الممالك التي بقيت حية بيد الآراميين ولعبت دوراً كبيراً قبيل سقوطها في القرن الثاني والثالث بعد الميلاد مثل مملكة الرها (تركيا الآن)، ومملكة تدمر (سوريا)، ومملكة الحظر (العراق)، ومملكة الأنباط (الأردن).

تمركز الآراميون في بلاد الشام، ثم صار من المعتاد أن يُنظر لمصطلح بلاد الآراميين على إشارته لبلاد الشام تحديداً، علماً بأنهم سكنوا أيضاً في مناطق الشرق الأدنى القديم.

 

أرض كنعان

يُعد اسم أرض كنعان واحداً من الأسماء التوراتية التي قصدت الإشارة إلى منطقة جغرافية واسعة تشمل اليوم فلسطين ولبنان والأجزاء الغربية من الأردن وسوريا.

يتحدث العهد القديم عن كنعان بصفته ابناً لحام بن نوح، ووردت قصة كنعان في الإصحاح التاسع من سفر التكوين: “وَابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلاَّحًا وَغَرَسَ كَرْمًا. وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ.  فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ، وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجًا. فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ الرِّدَاءَ وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا إِلَى الْوَرَاءِ، وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى الْوَرَاءِ. فَلَمْ يُبْصِرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نُوحٌ مِنْ خَمْرِهِ، عَلِمَ مَا فَعَلَ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ، فَقَالَ: (مَلْعُونٌ كَنْعَانُ! عَبْدَ الْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ). وَقَالَ: (مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدًا لَهُمْ. لِيَفْتَحِ اللهُ لِيَافَثَ فَيَسْكُنَ فِي مَسَاكِنِ سَامٍ، وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْدًا لَهُمْ)”.

بحسب المعتقدات اليهودية التقليدية فإن أرض كنعان كانت أرض الميعاد التي وعد الله بها إبراهيم وبني إسرائيل. ولم يدخل النبي موسى أرض كنعان بعد الخروج من مصر بسبب عقاب يهوه -إله بني إسرائيل- لشعبه بالتيه عقب عبادتهم للعجل الذهبي.

ودخلت قبائل بني إسرائيل لأرض كنعان لأول مرة على يد يشوع بن نون عندما قام بغزو مدينة أريحا. وبعدها تمكن الإسرائيليون من تقوية نفوذهم في تلك الأرض شيئاً فشيئاً. وصاروا يعيشون بجانب الكنعانيين والفلسطينيين والآراميين وغير ذلك من الشعوب التي سكنت تلك الأراضي.

 

ريتنو

أُطلقَ هذا الاسم على بلاد الشام، خصوصاً المنطقة الواقعة ما بين صحراء النقب إلى نهر العاصي، من قِبل المصريين في زمن المملكة المصريّة الوسطى.

وورد هذا الاسم في بعض النقوش الأثرية التي تتحدث عن خضوع تلك البلاد لحكام مصر في ذلك العصر. على سبيل المثال عُثر على نصب تذكاري يعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد نقش عليه الملك المصري سيتي الأول أخبار انتصاره على العراقيين والسوريين.

جاء في هذا النقش تسمية تلك المنطقة باسم ريتنو: “هو -أي سيتي الأول- الذي ينفذ إلى جحافل الآشوريين ويجبرهم على الرضوخ، الذي يحطم أمراء ريتنو وتطال يده كل الخارجين عليه…”.

 

فينيقيا

من المشهور أن اسم فينقيا هو الاسم اليوناني الذي أُطلق على تلك المنطقة بسبب الصبغة القرمزية أو الأرجوانية التي برع السوريون القدماء في صناعتها. واشتهرت بسببها منتجاتهم في جميع مناطق الشرق الأدنى القديم.

رغم ذلك، تحيط الكثير من الشكوك حول أصل تلك التسمية. على سبيل المثال يذكر المؤرخ الأميركي ويل ديورانت في كتابه قصة الحضارة “…إن اسمهم -يقصد الفينيقيين- نفسه لمن المشاكل العسيرة الحل. فقد يكون معنى لفظ الفوانكس الذي اشتق منه اليونان هذا الاسم هو الصبغة الحمراء التي كان يبيعها تجار صور، وقد يكون معناه النخلة التي تترعرع على الشواطئ الفينيقية…”.

في السياق نفسه يؤكد المطران يوسف الدبس في كتابه “موجز تاريخ سورية” على صعوبة الوصول للمعنى الدقيق لكلمة فينقيا، فيقول: “اسمها كثرت الأقوال فيه، وأقربها إلى الصواب قولان: الأول أنه أُخذ عن كلمة فون أو بون التي تعبر بها الآثار المصرية عن بلاد العرب الشرقية وشاطئ خليج العجم، من حيث أتى الكنعانيون إلى سوريا، واستعمله العرب منسوباً نسبة أعجمية فكان فونيقي أو بونيقي، والثاني أن اسم فونيقي يوناني تأويله النخل سُميت به لكثرة هذا الشجر فيها قديماً، ويؤيده رسم صورة النخل على بعض مسكوكاتها القديمة”.

 

سوريا

تُعرف سوريا (الدولة) اليوم بهذا الاسم بشكل رسمي. وتختلف الأقوال في تفسير معنى الاسم إلى حد بعيد. جاء في المعجم الجغرافي للقطر العربي السوري “لم يُعرف أصل تسمية سوريا على وجه التأكيد… ويكاد يكون من المؤكد أن سوريا عُرفت بهذا الاسم زمن السلوقيين واستمرت على ذلك…”.

يقول المطران يوسف الدبس في كتابه “موجز تاريخ سورية”: “إن هيرودوت-الذي ولد سنة 484 ق.م- هو على ما نعلم أول من سمى هذه البلاد سورية وتبعه في ذلك اليونان والرومان…”.

تذهب بعض الآراء إلى أن كلمة سوريا/ سورية هي كلمة ذات أصول سنسكريتية قديمة وتعني الشمس. ويرى آخرون أن تلك الكلمة اُشتقت من مدينة “صور” الواقعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

وكانت صور مدينة مشهورة عند اليونانيين بسبب أهميتها التاريخية الكبيرة، فقام اليونانيون بإبدال حرف الصاد بالسين لأن الصاد غير موجود في اللغة اليونانية. بالتالي عُرفت تلك المنطقة باسم سور وتطورت فيما بعد لتصبح سوريا.

وترجّح مصادر أخرى، أن اسم سوريا اشتق من اسم أشور. بحسب ذلك الرأي فإن اليونانيين سموا تلك المنطقة الجغرافية باسم الأشوريين الذين فرضوا سيطرتهم عليها لفترة طويلة نسبياً. ومن هنا عُرفت تلك الأرض باسم أشور أولاً، ثم تحولت فيما بعد لتصبح أسور، ثم سوريا.

توجد بعض الأدلة التاريخية على أن اسم سوريا كان معروفاً عند العرب في القرن السابع الميلادي. يذكر ياقوت الحموي في كتابه “معجم البلدان”، أن الإمبراطور البيزنطي هرقل لمّا هُزم على يد العرب المسلمين في بدايات القرن السابع الميلادي، غادر سوريا وقال متحسراً: “سلام عليك يا سورية، سلام موَدع لا يرجو أن يرجع إليك أبداً”.

من الملاحظات المهمة التي ينبغي الالتفات إليها أن اسم سوريا ارتبط بمجموعة أخرى من الأسماء التي عبرت عن هوية الشعوب القاطنة في تلك المناطق في بعض الفترات التاريخية. على سبيل المثال سمى المسيحيون الذين يعيشون في تلك المنطقة أنفسهم باسم السريان في القرون الأولى من الميلاد تمييزاً لهم عن الآراميين الذين بقوا محافظين على دياناتهم الوثنية.

بذلك أضحى اسم السريان معبراً عن المسيحيين وحدهم. ومع انتشار المسيحية في سوريا وبلاد الشام حل اسم السريان محل اسم الآراميين. حتى أُطلق اسم السريانية على اللغة الآرامية القديمة التي لا تزال تُستعمل حتى اليوم في بعض القرى السورية.

 

بلاد الشام

اشتهر مصطلح بلاد الشام بين العرب للإشارة إلى المنطقة الجغرافية الواسعة التي تضم كلا من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين. يذكر ياقوت الحموي تفسيرات مختلفة لمعنى ذلك الاسم فيقول: “…سميت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض فشبّهت بالشامات، وقال أهل الأثر: سميت بذلك لأن قوماً من كنعان بن حام خرجوا عند التفريق فتشاءموا إليها أي أخذوا ذات الشمال فسميت بالشام لذلك، وقال آخرون من أهل الأثر منهم الشرقي: سميت الشام بسام بن نوح، عليه السلام، وذلك أنّه أوّل من نزلها فجعلت السين شينا لتغيّر اللفظ العجمي… وقيل: سميت بذلك لأنّها شامة القبلة، قلت: وهذا قول فاسد لأن القبلة لا شامة لها ولا يمين لأنّها مقصد من كل وجه يمنة لقوم وشامة لآخرين…”.

 

الليفانت

يُعد هذا الاسم اسماً حديثاً إلى حد بعيد. ويعني “حيث ترتفع الشمس” أو “الأرض التي ترتفع عن البحر”.

تذكر الدكتورة ليلى الصباغ في كتابها “الجاليات الأوروبية في بلاد الشام في العهد العثماني في القرنين السادس عشر والسابع عشر”، أن الإيطاليين كانوا أول من سمى المنطقة الجغرافية التي تقع شرق البحر المتوسط -سوريا ولبنان وفلسطين والأردن- بهذا الاسم في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين.

واستُعمل هذا المصطلح في فترة الحروب الصليبية التي استهدفت بلاد الشام. وشاع استخدامه أثناء العمليات التجارية التي كانت تتم بين المسلمين والأوروبيين فيما بعد. وسرعان ما انتقل اسم الليفانت من اللغة الإيطالية إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والتركية.

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.