كيف يقضي شيعة مصر رمضانهم؟

ردنا – على الرغم من الأزمات الاقتصادية والتقلبات السياسية، تظل طقوس رمضان في مصر شبه ثابتة. قبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان تدق أبواب البيوت في المناطق الشعبية، تفتح الباب لتجد طفلاً لا يتجاوز الثانية عشرة يطالبك بالمساهمة الإجبارية (عرفياً) في تكلفة أحبال الزينة والإنارة والفانوس الكبير لتزيين الشارع أو الحارة استعداداً لمقدم الشهر الذي تمكن المصريون من نقل حالته الاحتفالية إلى العالم العربي كله. وفي الشوارع تقام شوادر الكنافة والقطائف، تلك الحلويات التي عرفها المصريون خلال فترة الحكم الفاطمي الشيعي الذي دانت مصر بمذهبه بضعة قرون قبل أن يفرض صلاح الدين الايوبي مذهبه السني عندما صعد إلى سدة الحكم.

لا يعرف كثير من المصريين تاريخ بلدهم الديني، ولا القرون العديدة التي استغرقها الإسلام السني الشائع الآن كي يصبح هو الدين المهيمن في حياتهم، لكن بينهم تعيش أسر قليلة لا تزال محتفظة بنسخة الإسلام التي شاعت في مصر نحو ثلاثة قرون، خلال عهود الإسلام الأولى، ولا يزالون يؤدون صلواتهم ويحتفلون بشهر الغفران وفق طقوسهم الخاصة التي وجدت طريقها لترسخ في الوجدان الجمعي لجيرانهم من المصريين السنّة.

 

الشيعة في مصر

تتحفظ الدولة المصرية عن الإفصاح عن التعداد الرسمي لمواطنيها الذين يدينون بالمذهب الشيعي لأسباب أمنية/ سياسية. فالدولة الممثلة في أجهزتها الأمنية تراقب عن كثب الطوائف والشرائح المختلفة من مواطنيها، وطالما تعرض المواطنون الشيعة للاعتقال أو التنكيل في عهود سابقة، قبل أن يقرر النظام الحالي التوقف عن مطاردة الجماعات الدينية المختلفة بمن فيهم الشيعة المصريون. وتضع تقديرات أممية الشيعة المصريين عند 1% من السكان، أي نحو 1.4 مليون مواطن، وتستقي الامم المتحدة بياناتها من المعلومات الحكومية الرسمية، فيما تقول قيادات شيعية مصرية أن العدد ضعفا ذلك التقدير.

ولا تختلف طقوس الشيعة في مصر في عصرنا الحالي عن الطقوس التي يُمارسها أهل السنّة من حيث الاحتفاء بالشهر الكريم في المأكل أو المشرب، إلا أن الاختلاف يظهر جلياً في نقطتين أساسيتين: صلاة “التراويح ووقت الإفطار”.

محمد علي، 38 عاماً، شيعي مصري، يوضح أن الاختلاف الرئيسي يكمن في رفضهم فكرة صلاة التراويح بشكل جماعي، فيؤديها كل منهم في منزله حسب قدرته، بينما تذهب المراجع الشيعية لتأخير تناول الإفطار حتى دخول الليل.

الجمع بين الصلوات يعتمده الشيعة في رمضان وغيره، يقول علي إنه يفطر على التمر ثم يجمع بين صلاتي المغرب والعشاء ويتناول طعامه بعد ذلك، ثم يبدأ صلاة التراويح في المنزل وخلال الركعة الأخيرة يدعي لأربعين شخصاً. موضحاً استعداداته في الليلة الأولى استقبالاً للشهر الكريم، فيغتسل ويدعو الله احتفالاً بقدوم رمضان ويقرأ “زيارة الإمام الحسين” ودعاء الجوشن، مستحضراً نية الصيام.

 

في الليلة التاسعة عشرة يردد الاستغفار مائة مرة، ويلعن قتلة علي بن أبي طالب (عليه السلام) مائة أخرى، بينما يكون الاحتفاء بليلة القدر بالاغتسال وصلاة ركعتين بحمد الله وتوحيده ثم الاستغفار والصلاة على النبي. يقول علي إن الشيعة كباقي المصريين لا يوجد لهم أطعمة خاصة برمضان فيتناولون ما يتناوله أبناء المجتمع المصري.

 

رفض التراويح

اتفق الباحث والكاتب محمود جابر مع محمد على الاختلافات التي رصدها بين السنة والشيعة في رمضان، فيقول إنه لا يوجد خلاف كبير إلا في الأحكام المتعلقة بتأخير الإفطار، “الآخرون يرون أن تعجيل الإفطار من السنّة، بينما يرى موالي آل البيت أنه من السنّة تأخير الإفطار للتأكد من مغيب الشمس، فالفطر ليس بالتعجيل، كذلك لا يعتقدون في فكرة القيام المُنتظم والمقصود بها صلاة التراويح”، موضحاً أنها لم ترد في السنّة ولم يأمر بها النبي، ولم تنتظم في حياته، غير أن هناك أحد الخلفاء أوصى بصلاة القيام في جماعة بإمامته.

يقول الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، إن النبي سّن قيام رمضان فقال “شَهْرٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكم صِيامَهُ، وسَنَنْتُ أنا قِيامَهُ”. ثم جاء عمر بن الخطاب، أحد الخلفاء الراشدين فلفّق صورة لم تكن موجودة، وهي صلاة التراويح، على أن تُصلى ركعتين استناداً لحديث النبي القائل: “وصلاة الليل مثنى مثنى” وأقرهم 20 ركعة حسب طاقتهم آنذاك، مضيفاً أن الإكثار من العبادة ليس ببدعة وهناك أحاديث كثيرة تدل على ذلك، موضحاً أن عمر ابن الخطاب جمع كل هذا فصارت سنّة وحين مر بالمُصلين قال “نعم البدعة هي”.

يوضح جابر أسباب رفض الشيعة صلاة التراويح بشكل منتظم في جماعة، فيقول: “لا توجد بدعة في الصلاة، فهي تشريع إلهي، ولا يجوز أن أصلي العصر خمس ركعات لأن قدرتي تتحمل ذلك، مضيفاً أن التشريع الإلهي يُمنع فيه تدخل البشر، وأن الأصل في القيام عند الشيعة أنها صلاة مفتوحة لمن استطاع إليها سبيلاً”.

زيارة الأضرحة، وخاصة ضريح الإمام الحسين (عليه السلام)، من الأنشطة الخاصة بالشيعة في رمضان، حسب علي يقول إنها ليست من واجبات الصيام لكن القريب من الحسين أو أحد الأئمة يزورها خاصة في الأيام الأُحادية من الربع الأخير لشهر رمضان، ويكون إحياء هذه الليالي بالإكثار من القيام وقراءة القرآن تقرباً لله.

 

الفانوس والكنافة

يضيف جابر أن الشيعة “ليسوا كائنات فضائية”، فهم يعيشون وفق تقاليد مجتمعاتهم في المأكل والمشرب وغيرهما، موضحاً أن المسألة المُختلف عليها من الصلاة على التربة وعدم جواز الصلاة على المأكول أو الملبوس أو ما دخل النار أثبتت صحتها علمياً. ففي علوم الطاقة يستلزم تفريغ الشحنات السلبية من الجسم بالمشي على أجسام طبيعية غير مُصنّعة وهو ما يساعد على التركيز وبالتالي يزيد الشعور بالروحانيات بشكل حقيقي أثناء الصلاة.

 

ويرى أن الشيعة المصريين يبحثون عن البهجة ويجعلون المواسم الدينية بهيجة من منطلق تعظيم شعائر الله، موضحاً أن الشيعة الإسماعيلية في مصر هم من أسسوا طقوس رمضان من الفانوس والكنافة والقطائف والمسحراتي التي يعيشها العالم الإسلامي كله الآن. ومن يفتقدها يفتقد الأجواء المُبهجة لرمضان، مضيفاً أن العالم كله يحاول تقليد الطقس الذي ابتدعه الشيعة الإسماعيلية في الدولة الفاطمية ما عدا دول شبه الجزيرة العربية التي تفتقد هذه الأجواء فتعيش رمضان جافاً.

الجمع بين الشحنة الروحانية والفرحة بالأجواء من مزايا طقوس رمضان العائدة للشيعة في الأصل، حسب محمود الذي يعلّق “ده ميد إن الدولة الفاطمية”، مضيفاً أن الطقوس المصرية تختلف فقط بين الريف والمدينة. ففي الريف يجتمع الناس بعد التراويح لقراءة القرآن والذكر والأناشيد كمهرجان روحاني، وفي المدينة تظهر الخيم الرمضانية، حتى زيارة الأضرحة ارتبطت بطقوس تبعدها عن الجفاف بين اللعب والطعام والذكر، قائلاً أن “تصفية الذهن وخلط التراث الحضاري للمجتمع بالتراث الديني يخرج منتجاً لا ينفر الناس من الدين، ويختلف ذلك عن المنتج الصحراوي الوهابي”.

 

المصدر: raseef22
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.