بدأ قبل 6773 عاماً.. ماذا تعرف عن عيد “أكيتو” ورأس السنة الآشورية؟

ردنا – في الأول من أبريل من كل عام، يحيي الأشوريون والسريان والكلدانيون في العراق وسوريا، احتفالات عيد “أكيتو” الذي مازال حاضراً في حياتهم وطقوسهم رغم مرور آلاف السنين على ذكراه.

وكما هي الحال مع أعياد الربيع الأخرى، مثل النوروز لدى الإيرانيين والأكراد، وشم النسيم لدى المصريين، يحفظ الأشوريون والكلدان والسريان تقاليد الحضارات البابلية والسومرية والأكدية والكلدانية القديمة، بالرغم من أنهم لا يدينون بأديان الحضارات القديمة التي سادت في بلادهم قبل آلاف السنين.

فصحيح أنّ هؤلاء باتوا يعتنقون الديانة المسيحية، وينتمون إلى كنائس مسيحية متعددة ككنيسة السريان الأرثوذكس والكاثوليك والكنيسة الكلدانية وكنيسة المشرق، إلا أنّهم احتفظوا بتقاليد الأجداد القدماء، ولم يبددوها.

و”أكيتو”، هو أحد أقدم الأعياد الدينية التي عرفتها الحضارات الإنسانية في بلاد الرافدين، رغم الاختلاف في تحديد معناه وبدايات ظهوره.

مسيرة إحتفال الآشوريين في العراق بعيد أكيتو

وبحسب المصادر التاريخية، فإن بدايات ذلك العيد تقع بين الألفين الرابع والخامس قبل الميلاد، فيما يشير عدد من المؤرخين إلى أن السومريين والساميين احتفلوا به منذ عصر أريدو أي 5300 ق. م، وبالذات في جنوب بلاد ما بين النهرين وباسم “زاكموك Zag mug”. وكان يُحتفل به مرتين في العام الواحد، في الربيع والخريف.

أما الساميون الذين سكنوا العراق القديم قبل وأثناء وبعد السومريين فقد اختاروا له تسمية “أكيتو” وتعني “الحياة”.

 

“أكيتو”.. متى يُحتفل به؟

يحتفل السومريون بعيد أكيتو في 21 مارس/آذار من كل عام، ليكون بداية التقويم السنوي لديهم، وفرحا بالاخضرار والإنبات الناجمين عن روح “دموزي”، والفرح بقدوم الربيع والقيامة الجديدة للحياة بالإنبات والإخصاب بعد الشتاء.

لكنّ الأكديين والبابليين والآشوريين يحتفلون بهذا العيد في بداية شهر أبريل/نيسان، حيث بداية التقويم السنوي عند الساميين عموما، وكان يستمر 12 يوماً، هي الفارق بين السنة القمرية والشمسية، حيث يُردم فارق الهوة بين التاريخين ويُعاد التوازن للكون.

وتُظهر الرُّقُم الفخارية المكتشفة في العراق، أن العيد كان موجوداً في العراق قبل الكتابة المسمارية، وأن الاحتفالات في زمن سلالة “أور” بهذا العيد كانت تحدث مرتين في السنة؛ الأولى في الشهر السادس، والثانية في شهر حصاد الشعير الذي يصادف الشهر الثاني عشر (مارس/آذار – أبريل/نيسان)، ونادراً في الشهر الأول في السنة.

الاحتفال بعيد أكيتو في سوريا

أما البابليون فقد دمجوا العيدين وصاروا يحتفلون بعيد أكيتو في فصل الربيع فقط، حتى أمست الاحتفالات بهذا العيد والطقوس المرافقة لها أصلاً لكل الأعياد الربيعية المشتقة منه كالنيروز، وأعياد الإيزيديين في نيسان، والأعياد اليهودية والأوغاريتية.

 

الجذور التأريخية

وحول الجذور التأريخية لـ “أكيتو” والمراحل التي أكسبته العديد من الممارسات والطقوس، يقول بشير سعدي المطلع على الحضارية الآشورية،  إنّ عيد أكيتو عيد رأس السنة البابلية الآشوريّة، هو العيد القومي للشعب الكلداني السرياني الآشوري، كانت البداية قبل 6773 عاما في مدينة أور، ومن ثم في بابل وآشور وسائر ما بين النهرين، مضيفاً: “اكتشف الأجداد الكتابة وأولى الأبجديات ومنظومة تقويم الزمن، حيث بناء أقدم المدنيات والحضارات، والخوض في غمار مغامرة العقل الأولى في البحث عن سر الحياة والكون، وسؤال ثنائية الموت والخلود”.

سلوان أيوب، أحد المهتمين بالحضارة الآشورية، يقول أن “أكيتو يمثل رمزاً دينياً مقدساً وهو عيد رأس السنة البابلية الآشورية وتستمرّ الاحتفالات به لمدة 12 يوماً، يشهد فيها ممارسات وطقوسا تتمثّل فيها أسطورة الخلق وأسطورة “إينوما إيليش”، لتعود خلالها الحياة للإله مردوخ على يد ابنه الإله نابو، لتبعث الحياة في الطبيعة في دورة حياة جديدة”.

وكلمة أكيتو كانت تسمى أو تُلفظ عند بعض الساميين “حِجتو” وذلك في اللغة الأكادية والعربية لاحقاً، أما في اللغة السريانية الآرامية فلا تزال كلمة “حج” تعني الاحتفال إلى اليوم.

إحتفال الآشوريين بعيد أكيتو في حفلة زفاف جماعية

وفي اللغة البابلية القديمة كانوا يسمون هذا العيد “ريش شاتم”. وتعني كلمة ريش: رأس، و شاتم تعني: سنة . وفي لغة “السورث” المحكية حتى اليوم في العراق من قِبَل الكلدان لا يزال يلفظونها : “ريش شاتة” أي رأس السنة.

واستناداً لبحوث تاريخية، فإن ذلك العيد كان معروفاً منذ الأزمنة العتيقة لبلاد ما بين النهرين في مدن مثل أريدو، وأور، ولجش، وكيش، وأوروك، وهو واحد من عيدين رئيسيين: زاكموك وأكيتو.

وزاكموك هو عيد الاحتفال بحصاد الشعير، وأيضا عيد الاعتدال الخريفي المتزامن مع موسم قطف التمور. وكان يحتفل به في الخامس عشر من شهر أيلول من كل عام، ويرمز لقدسية نخلة بلاد الرافدين ولتجدد وخصب الأرض المتمثلة بشعائر الجنس في “الزواج المقدس” ورمزه الإله السومري “دموزي” وزوجته “أنانا” واللذين تم اقتباسهما في شخصية الإله “تموز” وزوجته “عشتار” عند البابليين. ولاحقا، تمت الاستعاضة عنهما بشخصية الإله “مردوخ” وزوجته “صربانيتوم” أثناء الإحتفال بعيد الأكيتو في بابل.

وحسب ما ذكره الباحث في هذا المجال طلعت ميشو، فإن  أكيتو في جذوره القديمة الأولى كان عيداً شعبياً لجز صوف الماشية والأغنام، وكان يُحتَفَل به بين شهري آذار ونيسان، ويُمثل رأس السنة الجديدة (الاعتدال الربيعي)، ثم أصبح من المتعارف عليه الاحتفالي بهِ في اليوم الأول من شهر نيسان في كل عام في إقليميَ الوسط والجنوب من بلاد النهرين.

 

جانب من احتفال الآشوريين بعيد أكيتو

ويقول الإعلامي والمهتم في تاريخ الحضارة الأشورية بسام ككا، أن الاحتفال بعيد أكيتو كان يتم لدى السومريين في شهري نيسان وتشرين وكان يسمى “أكيتي”، ومن ثم في عصور لاحقة أطلق عليه “أكيتو” وعند الأكيديين يعرف ب”أخيتو”.

وتتمثل طقوس الاحتفال بعيد “أكيتو” لدى بابل القديمة بانطلاق موكب الملك وخلفه رعية من عامة الشعب على وقع تراتيل دينية تمجد الإله مردوخ.

ويكرر المحتفلون بالعيد في عصرنا الحاضر ما كان يفعله القدماء، من رقص وفرح، وارتداء أزياء شعبية مزركشة تحتوي على تطريز، وريش، ويؤدون مشاهد درامية فلكلورية تشبه أسطورة انبعاث الحياة من الأرض بعد الشتاء.

 

المصدر: ردنا + مواقع إلكترونية
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.