كيف أصبحت سيدة هندية مسلمة ربّت أطفالاً هندوساً مصدر إلهام لفيلم جديد؟

ردنا – لفت فيلم جديد تدور أحداثه حول سيدة مسلمة من ولاية كيرالا في جنوب الهند ربت ثلاثة أطفال هندوس الانتباه إلى القصة الفريدة لتلك الأسرة.

يقول جعفرخان، وهو أحد الأخوة الذين كانوا مصدر الإلهام للفيلم، إنه عندما شاهد فيلم Ennu Swantham Sreedharan (المخلص سريدهاران) للمرة الأولى، غررت الدموع في عينيه.

لكنّ أخاه سريدهاران الذي كان يجلس إلى جانبه في صالة عرض الفيلم هو من انتهى به الحال إلى أن “بكى بكاء خرج عن السيطرة”.

يستخدم كل من جعفرخان وسريدهاران اسما واحدا فقط، وكلاهما يبلغ من العمر 49 عاما، ولا توجد صلة بيولوجية بينهما – كما أن جعفرخان مسلم وسريدهاران هندوسي.

لكن إذا سألت جعفرخان ماذا يمثل سريدهاران له سيقول لك: “إنه أخي. لا، بل هو أكثر من ذلك بكثير. فهو دائما إلى جانبي. لا أعلم من هو…إنه رفيقي”.

السيدة التي جمعت بينهما هي والدة جعفرخان ثينادان سوبيدة، وقد توفيت في عام 2019. قصتها هي مثال مؤثر على انتصار المشاعر الإنسانية السامية على الاختلافات الدينية، وقد أحدثت صدى في وقت تنتشر فيه روايات الاستقطاب والتنافر الاجتماعي بشكل متكرر في الهند.

تولت سوبيدة رعاية سريدهاران وشقيقتيه اللتين تكبرانه في السن – راماني وليلا – في عام 1976 بعد أن توفيت أمهم وهي تلد طفلا رابعا لم تكتب له النجاة هو الآخر. والدة الأطفال الأربعة، تشاكي، كانت عاملة منزلية في بيت سوبيدة.

يقول الأخوان إن سوبيدة لم تتبن الأطفال رسميا لأن قوانين التبني كانت صارمة في ذلك الوقت. ويضيفان أنه لم يكن هناك أقارب على استعداد لتولي رعايتهما هما وشقيقتيهما، وأن والدهما سمح لسوبيدة بتربيتهم، قائلا إنه “غير قادر على الاعتناء بهم”.

كان لسوبيدة ابنان في ذلك الوقت هما جعفرخان وشقيقه الأكبر شاناواس، ثم أنجبت بنتا هي جوشينا بعد ذلك بأربعة أعوام. نشأ الأطفال معا في ألفة ووئام.

احتلت قصتهم عناوين الأخبار في عام 2019 بعد وفاة سوبيدة، حيث كتب سريدهاران الذي كان يعمل في دولة عمان في ذلك الوقت نعيا مؤثرا لأمه على فيسبوك، وطلب من أصدقائه أن يصلوا لها لكي يتم استقبالها “استقبالا حافلا في السماء”.

لفت منشوره انتباه الكثير من الناس الذين تعجبوا لاستخدام رجل هندوسي كلمة “umma” (أُما)، وهي الكلمة التي يستخدمها المسلمون في ولاية كيرالا للإشارة إلى أمهم.

يقول: “سألوني: ‘ من أنت، هل أنت هندوسي أم مسلم؟ ‘ وهذا شيء مفهوم لأن اسمي سريدهاران”.

كانت الأسئلة لا نهاية لها، كما كانت بغيضة في بعض الأحيان. لكن سريدهاران أجاب عليها كلها بصبر، حتى تحت وطأة حزنه على وفاة أمه.

كما أكد كذلك أن لا سوبيدة ولا زوجها عبد العزيز حاج طلبا من أبنائهما بالتبني تغيير دينهم واعتناق الإسلام.

يقول: “كانت [الأسئلة] مؤلمة لي. فلطالما علمني أبواي أن الطبقة الاجتماعية والدين ليس لهما أهمية”.

“ما نحتاج إليه هو الخير. إننا نحن البشر من نحدث تغييرات في نظام المعتقدات”.

هذه هي الفلسفة التي عاشت بها سوبيدة وربت عليها أبناءها.

تقول لِيلا، التي تبلغ الآن 51 عاما من العمر، إن والدتها كانت تأخذها إلى المعبد الهندوسي “كلما أردت”. ولم تكن وسائل النقل متقدمة في ذلك الوقت، لذا كانوا يذهبون معا كمجموعة خلال المهرجانات الدينية.

يقول سريدهاران: “كانت أمي تقول دائما إنه لا يهم إذا كنت تمارس الهندوسية أو الإسلام أو المسيحية. فكل دين من هذه الأديان يأمرنا بالشيء ذاته، وهو أن نحب الجميع ونحترمهم”.

ولدى إخوته أيضا الكثير من القصص والحكايات عن طفولتهم.

يتذكر شاناواس اليوم الذي عادت فيه والدته وهي تحمل سريدهاران الذي كان في عامه الثاني في ذلك الوقت.

يضيف: “كانت لِيلا وراماني تمشيان خلفها. قالت أمي إنهم سيعيشون معنا الآن لأنهم ليس لديهم أحد يستطيع أن يتولى رعايتهم”.

بعد ذلك، أصبحوا جميعا أسرة واحدة.

يتذكر شاناواس عندما كان الأطفال ينامون إلى جانب بعضهم بعضا على الأرض، ويتحدث عن السرور الذي شعروا به عندما ولدت جوشينا بعد ذلك بأربع سنوات.

وتوطدت مع مرور الوقت الصلة بين سريدهاران وجعفرخان، وأصبحا “كتوأمين” يفعلان كل شيء معا.

يقول شاناواس وجعفرخان إنه نادرا ما كان الإخوة يتشاجرون، رغم أن “سريدهاران كان بوضوح الابن المفضل لدى أمهم”، وعادة ما كان يتلقى معاملة خاصة.

يقول جعفرخان ضاحكا: “بعكسي أنا، كان سري[سريدهاران] يساعد في الكثير من المهام المنزلية، وكان صادقا جدا. لربما كان هذا هو السبب في أن أمي كانت تحبه أكثر”.

يقول الإخوة إنهم تعلموا أيضا دروسا مهمة في الحياة من أبويهم. على سبيل المثال، يتذكر شاناواس كيف كانت أمه تبذل كل ما في وسعها لمساعدة الناس بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو دينهم.

يضيف: “كان باستطاعة أي شخص أن يأتي إلى أمي ويطلب مساعدة مالية لأسباب تتعلق بالتعليم أو الزواج أو الصحة، وكانت دائما ترتب لهم تلك المساعدة بطريقة أو بأخرى – عادة عن طريق أخذ قروض غير رسمية كانت تسددها من خلال بيع قطعة أرض من ميراثها”.

هذه القصص تشكل العمود الفقري لفيلم Ennu Swantham Sreedharan الذي أخرجه صِدّيق بارافور.

كان بارافور من بين كثيرين من الأشخاص الذين ألهمهم منشور سريدهاران عن سوبيدة.

يقول: “في هذه القصة الكثير من الإنسانية والخير اللذين يحتاج المجتمع أن يعرفهما”، مضيفا أنه حاول تصوير جمال العلاقات الإنسانية في الفيلم.

كان هناك عرض خاص للفيلم في إحدى دور السينما بولاية كيرالا في التاسع من يناير/كانون الثاني الماضي. ويحاول بارافور حاليا جمع الاعتمادات المالية اللازمة لبدء العرض التجاري للفيلم.

يقول الإخوة، الذين يعيشون حاليا في مدن مختلفة إن الفيلم هو أفضل طريقة لتكريم أمهم.

تقول لِيلا: “ليس لدي سوى ذكريات طيبة لأمي. يؤلمني أن أدرك أن تلك الذكريات كانت محدودة الأجل، لكنني سعيدة لأن الفيلم سوف يخلد تلك الذكريات”.

يقول شاناواس: “فقط عندما توفيت أمي أدركنا أن الناس يرون اختلافا بيننا”.

“لكننا لا زلنا كما نحن إلى هذه اللحظة”.

 

المصدر: BBC
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.