مسلم.. ولكن على الطريقة الاسكتلندية!!

محمد الشبراوي حسن

أول رئيس وزراء مسلم في اسكتلندا، هكذا وبصيغ مختلفة تُبرِز صفةَ المسلم، كان هذا هو العنوان الأوسع انتشارا على مختلف الوسائل والمنصات الإعلامية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فور إعلان حمزة يوسف الفوز بزعامة الحزب القومي الاسكتلندي وبالتالي رئاسة الوزراء.

بدا أن الانتشار الواسع لخبر انتخاب حمزة يوسف رئيسا للحكومة الاسكتلندية تقف وراءه حملة إعلامية منظمة، يُراد منها استثمار صفة المسلم التي يحملها رئيس الوزراء الجديد، وتهدف إلى صناعة صورة ذهنية محددة وتأكيدها لدى الجمهور المستهدَف، وبالطبع في القلب منه المسلمون.

“حمزة هارون يوسف” يدخل التاريخ بوصفه أول مسلم يقود حكومة في المملكة المتحدة وفي أوربا الغربية، عنوان لا شك يكمن تحته الكثير من التفاصيل.

بداية، جاء تولي حمزة يوسف -الذي يشغل منصب وزير الصحة- رئاسة الحكومة، بعد إعلان الحزب القومي الاسكتلندي اختياره زعيما له، خلفا لنيكولا ستورجن، التي أعلنت استقالتها بصورة مفاجئة في فبراير/شباط الماضي، بعد ثماني سنوات في الحكم.

 

حظوظ “حمزة يوسف” في الفوز

كان حمزة يوسف، الذي ينحدر من أصول باكستانية، ضمن ثلاثة مرشحين من الحزب القومي الاسكتلندي الحاكم ينافسون على خلافة نيكولا ستورجن. وقد عُرف عن حمزة يوسف أنه الأكثر تمسكا وإخلاصا لنهج الحزب، ويسير على خطى سلفه في ما يتعلق بالقضايا التي تشغل الاسكتلنديين وأعضاء الحزب القومي.

أسباب عديدة ربما كانت وراء انتخاب حمزة زعيما للحزب القومي الاسكتلندي الذي حكم البلاد منذ 15 عاما.

كانت هناك تقديرات عديدة أشارت إلى ضعف حظوظ حمزة يوسف لتولي زعامة الحزب القومي الاسكتلندي، انطلاقا من انتقادات له عندما كان وزيرا للعدل، وبناء على أدائه خلال العامين اللذين تولى خلالهما وزارة الصحة.

ولكن تقديرات أخرى رأت أن حظوظ حمزة يوسف في الفوز برئاسة الحزب القومي لا تقل عن منافسيه، وذلك انطلاقا من تأييده ما يسمى قانون “التحول الجنسي” ودفاعه عن المثليين (الشذوذ الجنسي) رغم أنه مسلم!

ويضاف إلى ما سبق موقفة من قضية الانفصال عن بريطانيا، حيث أعلن حمزة يوسف أنه سيسعى لتنظيم استفتاء بشأن الانفصال، وأيضا لأنه يولي أهمية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والأحوال المعيشية للاسكتلنديين.

 

“زواج المثليين” بين حمزة وفوربس

لقد كان لافتا في عملية اختيار زعيم جديد للحزب القومي الاسكتلندي -الذي سيصبح بالتالي رئيسا للحكومة- هيمنة موضوع “زواج المثليين” والتحول الجنسي على المتنافسين لخلافة الزعيمة المستقيلة نيكولا ستورجن، التي كانت حكومتها قد أقرت قانونا يسمح بتغيير الجنس لمن هم في سن 16 عاما، دون موافقة الوالدين، أو موافقة طبية، وهو القانون الذي أُسقط بموجب حق النقض الذي تملكه الحكومة البريطانية.

قُدّر لي أن أستمع لمقابلة أُجريت مع حمزة يوسف على قناة “سكاي نيوز الإنجليزية”، وقد سألته المذيعة: “هل تعتقد أن ممارسة الجنس بين المثليين (الشواذ) خطيئة؟”، فكان الرد صادما لي كمسلم يستمع لشخص من المفترض أنه مسلم، ويعلم عظم حرمة الشذوذ، وهذا للمسلم من المعلوم من الدين بالضرورة!

لقد أجاب حمزة يوسف بحزم وبتعبيرات صارمة، ودون أدني خجل، قائلا: لا، ثم قال: “دعينا نكون واضحين حيال هذا الأمر، لقد سُئلت هذا السؤال خمسا وعشرين مرة، وأجبت عليه بالطريقة ذاتها خمسا وعشرين مرة، ليس بمقدوري تغيير ما يوجد في بعض الأديان، ولا يمكنني تغيير ما هو موجود في النصوص المقدسة، لكن المنهج الذي سأتبعه هو أنني لن أسمح للمعتقدات الشخصية أن تكون أساسا للتشريع”!

يقودني ما سبق إلى موقف ” كيت فوربس” التي كانت تتنافس مع حمزة يوسف على زعامة الحزب القومي الاسكتلندي، وكانت الأوفر حظا قبل إعلان موقفها صراحة من مسألة زواج المثليين (الشذوذ الجنسي)، حيث أعلنت أنها ضد زواج الأشخاص من الجنس نفسه، كما أنها ترفض قانون التحول الجنسي، والإنجاب خارج إطار الزواج، وذلك انطلاقا من عقيدتها وإيمانها المسيحي، حسب قولها.

 

مسلم على الطريقة الغربية

نموذج جديد “للسياسي المسلم” على الطريقة الغربية أو قل “الاسكتلندية”، ولما يُفضل أن يكون عليه المسلم في الغرب، يتم تصديره وترويجه عبر الإعلام. فرئيس وزراء اسكتلندا مسلم من أصول باكستانية، يصلي كما أظهرت الصور التي نُشرت، ويصوم رمضان حسب تصريحاته الشخصية، ولكن هذا لا يمنعه من تأييد “الزواج المثلي” إذ لا يراه خطيئة، ولا يمكن لإيمانه أن يكون أساسا للتشريع، حسب تعبيره، ولذلك أعلنت هيئات الدفاع عن الشواذ دعمها له.

لقد كان هناك حرص على تصدير صور رئيس الحكومة الإسكتلندية الجديد “حمزة يوسف” وهو يصلي، وحظي خبر فوزه بدعم إعلامي ربما لم يحظ به فوز رئيس الحكومة البريطانية التي تتبعها اسكتلندا “ريشي سوناك الهندوسي من أصول هندية”، فهل ذلك مرجعه إلى موقف حمزة يوسف من موضوع المثلية الجنسية، المخالف لعقيدته كمسلم، خاصة وأن هناك من يعملون لفرضها في الغرب ونشرها في العالم، ويُستهدف بها المسلمون، خاصة أنهم الأكثر ثباتا وصلابة في مواجهة ذلك الانقلاب عن الفطرة السوية؟!

 

ريشي سوناك وحمزة يوسف

مفارقة عجيبة، ربما تقود إلى مقارنة بين “ريشي سوناك الهندوسي من أصول هندية، وحمزة يوسف المسلم من أصول باكستانية”، وكلاهما من أبناء الجيل الثاني لمهاجرين، ووُلدا وعاشا في البيئة المجتمعية الغربية نفسها، وارتباطهما بأصولهما يُعَد شكليا، ولا تأثير له، فالأول بريطاني حتى النخاع، والثاني اسكتلندي حتى النخاع. فرئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك -واسع الثراء والمتزوج من ابنة ملياردير هندي- يقود حكومة ترفض المثلية الجنسية، وحمزة يوسف -المتزوج من نادية النخلة الاسكتلندية من أصول فلسطينية- يقود الحكومة الاسكتلندية، ويدعم المثلية الجنسية، يا لها من مفارقة!

قد لا يكون هناك مشكلة في أن يصل شخص مسلم أو من عقيدة أخرى إلى منصب سياسي رفيع في دولة غربية، ما دام جزءا من السياق العام للحياة الغربية، ولم يخرج عن ثقافة المجتمع، ويلتزم بمبادئ الحزب الذي ينتمي إليه، حتى لو تعارضت مع توجهات ومعتقد أصوله التي ينحدر منها، وما دام يتوافر له الدعم المالي الذي يتجاوز بالطبع حدود دعم الأحزاب.

 

ختاماً

كثيرون في أوربا وأمريكا من أصول إسلامية، العقيدة لا تمثل عائقا لهم -خاصة الجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين- فهم لا يعيشون صراع هوية كما قد يظن البعض، وذلك لأن هويتهم تشكلت تبعا للبيئة التي وُلدوا وعاشوا فيها، فصاروا غربيين أكثر من الغرب، وحمزة يوسف رئيس وزراء اسكتلندا نموذج مُعبّر عن ذلك.

مسلم على الطريقة الاسكتلندية، ربما كانت هذه هي الرسالة الأهم والمقصودة من الحملة الإعلامية للاحتفاء بتولي حمزة يوسف زعامة الحزب القومي ورئاسة الحكومة الاسكتلندية.

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.