يتميزون بالتقاليد والإلتزامات الصارمة.. ماذا تعرف عن طائفة الأميش المسيحية؟

ما ستقرأه في هذه المادة ليس ضربا من الخيال، بل هو عودة في الزمن إلى الوراء، إلى ما قبل الحضارة الحديثة، لا هاتف، ولا كهرباء، بل عربات تجرها الخيول، يركبها رجال يحفون شواربهم، ويطلقون لحاهم، ويلبسون ثيابا متواضعة من صنعهم، ويأكلون من خيرات أراضيهم.

وإذا قدر لك وزرت أماكن حياتهم، ستجد العديد من السياح المنبهرين بهم، وبإصرارهم على العيش في الماضي، مع ذلك، فهم ودودون مع الغرباء، ولن يمانعوا أن تلتقط لهم صورا أثناء مرورهم بعرباتهم التي تجرها الخيول.

طائفة مسيحية تعتبر نفسها من الطوائف المجددة نشأت في العصور الوسطى بسويسرا على يد جاكوب أمان، أصابتها الانشقاقات أيضا وبقي الأولون باسم “أميش النظام القديم” على ما كانوا عليه منذ تلك الأيام، لا كهرباء، ولا سيارات، ولا هاتف، يتزوجون من بعضهم البعض، وينجبون الكثير من الأطفال.

هناك حوالي 40 مجموعة فرعية مختلفة من طائفة أميش النظام القديم. ولكن تلتزم جميع المجموعات الفرعية بقواعد المسيحية الثمانية عشر المذكورة في اعتراف إيمان دوردريخت المحرّر في سنة 1632. ونظرًا لأن التجمعات المحلية البالغ عددها 1925 تقريبًا تخضع لإشراف السلطات اللاهوتية، فإن المجموعات الفرعية والكثير من المجموعات الأخرى تختلف في كيفية تطبيقها لمبادئ المسيحية في الحياة اليومية – خاصة فيما يتعلق باللباس والتكنولوجيا وكيفية التفاعل مع العالم الخارجي.

ورغم الاختلافات بين المجموعات الفرعية العديدة، فإن الغالبية العظمى من مجتمعات أميش النظام القديم تنهي التعليم الرسمي في الصف الثامن، وتتجمع في منازل للخدمات الدينية، وترتدي ملابس محتشمة مميزة، وترفض مشاهدة التلفزيون والاتصال بالإنترنت والتمتع بالكهرباء.

وتتركز طائفة الأميش في الولايات المتحدة الأمريكية، وبأعداد أقل في كندا.

ولكونها حركة غير تبشيرية، لا يمارس الأميش الدعوة إلى طائفتهم، بقدر ما يهتمون بالاعتناء بأنفسهم وعائلاتهم ومجتمعهم.

تقول الأرقام إن 30% فقط من الذين يقررون الانضمام للأميش من خارج مجتمعهم، يبقون، فيما يغادر 70% بعد فترة من الزمن بسبب أسلوب الحياة الصارم.

يعتبر الابتعاد عن الحداثة والتكنولوجيا هي أبرز ما يصعّب على المعتنقين الجدد للطائفة الاستمرار.

يطلق الأميش على كل من هو خارج الطائفة اسم “إنجليزي” بغض النظر عن أصوله، ويطلقون على المتحدثين بالإسبانية “إسباني”.

 

دين أم أسلوب حياة؟

الإيمان المسيحي هو جوهر حياة الأميش التي نراها، وليست الحياة البسيطة هي الغاية، يقول أحد الأساقفة الأميش المشهورين، ريتشارد ستيفيك، في معرض تعليقه على المنجذبين إلى الطائفة والذين لا يلبثوا أن يتركوها إنهم غالبا انجذبوا إلى أمور خاطئة مثل أن يقع أحدهم في حب فرد في الطائفة، أو أنه باحث عن أسلوب حياة جديد يعتمد على البساطة.

ويتابع ستيفيك بأن هؤلاء فشلوا في إدراك أن الإيمان المسيحي هو جوهر الطائفة، وينسحب عليه أسلوب الحياة البسيط الذي نراه، لكن بساطته لا تعني أنه سهل، على ما يبدو من كلام ستيفيك.

 

المحرمات في عقيدة الأميش

يعيش الأميش في مجتمعاتهم بقواعد صارمة جدا، على سبيل المثال يعارضون الأزرار والسحابات في الملابس، وغالبا ما يرتدون الألوان الداكنة والأسود.

لا يستخدم الأميش الهواتف، أو السيارات، أو الكهرباء، ويفضلون الاعتماد على أنفسهم في تدريس الأطفال، ويكتفون بالدراسة للصف الثامن فقط.

وعلى ناحية المظهر الشخصي، يعفي الرجال لحاهم، ولا يسمح للنساء بقص شعرهن، وترتدي النساء ملابس طويلة ومحتشمة.

كما لا يلتقط الأميش الصور الشخصية، ولا يعلقونها في منازلهم، لأنها قد تكون مدخلا للكبرياء والغرور وهو الأمر الذي تحظره الكنيسة.

لا يسجل أفراد الأميش أنفسهم في الضمان الاجتماعي ولا يتعاملون بالتأمين الصحي، ولا يستخدمون وسائل تحديد النسل، وغالبًا ما يرفضون اللقاحات والمطاعيم، كما ترفض النساء غالبا التوجه إلى الطبيبة لمتابعة أمور الحمل.

حتى على صعيد الممارسات الدينية، يخشى الأميش “الدين المنظم” أو المؤطر، فيعارضون بناء الكنائس الجامعة، ويمارسون الصلوات في بيوت بعضهم البعض على شكل اجتماعات مرة كل يومين.

 

طوائف دينية قريبة من الأميش

 

المينوناتية

مع أن العديد من الأشخاص يخلطون بين المينونايت التقليديين والأميش، إلا أنهما طائفتان مختلفتان.

وتعود جذور كل من طائفة الأميش والمينوناتية إلى حركة تجديد العماد في أوروبا التي بدأت في سنة 1525 بعد فترة وجيزة من الإصلاح البروتستانتي. تشترك المينوناتية مع الأميش في التراث الديني ذاته، لكنها انقسمت لاحقًا إلى فرعين في سنة 1693. هاجر أعضاء كلتا المجموعتين إلى أمريكا الشمالية في القرن الثامن عشر واستقروا في كثير من الأحيان بالقرب من بعضهم في مجتمعات منفصلة.

في القرن الحادي والعشرين، بلغ عدد أتباع الطائفة المينوناتية في أمريكا الشمالية حوالي 800 ألف شخص من بين عشرات المجموعات الفرعية. ينقسم المينوناتية تقريبًا إلى نوعين: المينونايت التقليديين الذين يرتدون ملابس محتشمة وأولئك الذين اندمجوا إلى حد ما في الثقافة السائدة – أي الذين اختاروا مواصلة التعليم العالي والعيش في المناطق الحضرية واستخدام أحدث التقنيات وارتداء ملابس عصرية.

وينقسم المينونايت التقليديون إلى نوعين: أولئك الذين يستخدمون الخيول والعربات التي تجرها الدواب في التنقل وأولئك الذين يقودون السيارات. وغالبًا ما يتم الخلط بين المينونايت الذين يمتطون الأحصنة والعربات التي تجرها الدواب مع الأميش لأنهم يتحدثون أيضًا لغة بنسلفانيا الألمانية. وعلى خلاف الأميش، لا يطلق رجال المينونايت لحاهم. وعادةً ما تكون الأقمشة التي ترتديها نساء المينونايت التقليديات مزينة برموز وأشكال على عكس الأقمشة البسيطة لنساء الأميش.

يعيش المينونايت التقليديون من جميع الفروع في الغالب في المناطق الريفية، ويقيمون قداس الكنيسة في دور الاجتماعات، ويرتدون ملابس محتشمة، ونادرًا ما يدخلون الكلية، ويستخدمون الكهرباء لكنهم غالبًا ما يفرضون قيودًا على  استخدام التلفزيون والإنترنت.

 

أميش بيتشي وأميش مينونايت

لا ينتمي أميش بيتشي وأميش مينونايت لطائفة الأميش. ولهاتين المجموعتين العديد من الأتباع الذين لهم أسلاف من الأميش الذين تركوا هذه الطائفة في القرن العشرين لتشكيل هذه المجموعات “التقدمية”.

يواصل بعض الأميش السابقين الانضمام إلى هذه المجموعات من بين آخرين. ورغم تسميتها إلا أن هذه الكنائس لا تنتمي للأميش لأنها لا تستخدم الأحصنة والعربات التي تجرها الدواب ولا تتحدث لغة بنسلفانيا الألمانية. كما يرتدي أفراد بعض هذه الكنائس لباسًا معاصرًا، ويستكملون تعليمهم العالي ويسمحون باستخدام التقنيات المحظورة من قبل مجتمعات أميش النظام القديم.

 

الطوائف الأخرى التي تشبه الأميش

 

الإخوة المعمدانيون الألمان القدامى وإخوة النظام القديم

يتم الخلط بسهولة بين ثلاث مجموعات أخرى من غير الأميش مع الأميش لأنهم يرتدون ملابس محتشمة مميزة: وهم الإخوة المعمدانيون الألمان القدامى، وإخوة النظام القديم، والهوتريتس. تنحدر أصول مجموعتي الإخوان إلى حركة الإخوة شوارزيناو في ألمانيا لسنة 1708 – وهي عبارة عن مزيج من التقويّة المتطرفة وتجديدية العماد.

وغالبًا ما يُساء تعريف أتباع هاتين المجموعتين على أنهم من الأميش لأن ملابسهم تشبه إلى حد كبير ملابس الأميش ناهيك عن أنهم يطلقون لحاهم أيضًا، لكن كلتا المجموعتين تقود السيارات وتستخدم الكهرباء وتسمح بمزاولة التعليم العالي واستخدام الإنترنت.

 

الهوتريتس

إنها مجموعة من حركة تجديدية العماد في أوروبا يعود أصلها لسنة 1528. والسمة المميزة لها منذ ذلك الحين حتى الآن هي اعتماد نظام المشاعية الاقتصادية ومعارضة الملكية الخاصة بالرجوع إلى ممارسات الكنيسة المسيحية الأولى في الكتاب المقدس.

ويعيش حوالي 50 ألفا من الهوتريتس في 500 بلدية ريفية في داكوتا ومقاطعات البراري الكندية. ويمارسون الشعائر الدينية التقليدية ويرتدون ملابس مميزة ويتحدثون اللهجة النمساوية. وعلى عكس الأميش، فإنهم يستخدمون التكنولوجيا الزراعية الأكثر تقدمًا والسيارات التي تكون ملكية جماعية للمجتمعات المحلية.

 

مجموعات أخرى

ترتبط أربع مجموعات أخرى أحيانًا بالأميش: الكويكرز ومستعمرات أمانة والمورافيون وشايكرز. لا تملك أي من هذه المجموعات الأربع أي روابط دينية أو ثقافية مباشرة مع الأميش. كما أن العديد من هذه المجموعات، على الأقل في الماضي، كانت تتبنى بعض المعتقدات والممارسات – السلمية وارتداء ملابس محتشمة واتباع أسلوب حياة بسيط والانفصال عن المجتمع الأكبر – التي تشبه إلى حد ما  ممارسات الأميش وهذا سبب الخلط بينها.

 

أسماء مميزة

لأن الأميش مجتمعات صغيرة نسبيا، وشبه مغلقة، فإن الأسماء المتداولة في داخل المجتمع متكررة ومتقاربة، ويسمي الناس هناك أبناءهم على أسماء الأعمام والخالات والأجداد.

كثير من الأسماء تأتي من الكتاب المقدس، وأشهر أسماء الإناث هناك هي ماري، وآني، وبريسيلا، وسارة، ومريم، ومارثا، وإليزابيث، وماليندا.

ولتكرار الأسماء خصوصا بين أبناء العمومة، يقوم الأميش بإضافة اسم الأب أولا لتصبح “آنا” على سبيل المثال “Dan’s Anna”، وإذا كانت متزوجة فيوضع اسم زوجها أولا.

ومن أشهر أسماء الفتيان الأميش الشائعة هي آرون، صموئيل، فيرنون، عاموس، يعقوب، ديفيد، أبراهام، إسحاق، جوناس، عمانوئيل.

 

العربات في مواجهة السيارات

ليست العربات التي تجرها الخيول آمنة 100% خصوصا أنها تشارك الطريق مع السيارات والدراجات النارية، والعربات الأخرى أيضا.

أبلغت ولاية أوهايو وبنسلفانيا، أن معدل حوادث عربات الخيول تبلغ تقريبا 60 حادثا في السنة، وهو رقم ليس كبيرا، لكن الأمر لا يخلو من الإصابات والوفيات أحيانا.

ووفقًا لإحصاءات ولاية بنسلفانيا التي تعود إلى أكثر من عقدين من الزمان، بلغت حوادث السيارات التي تنطوي على عربات الأميش ذروتها في عام 2006 بواقع 78 حادثا.

 

كما أن تكلفة الحادث باهظة جدا إذ أن عربات الأميش ليست رخيصة، ويبلغ سعر الجديدة منها فوق 10 آلاف دولار، والمستعملة بنصف السعر.

بين الأعوام 2007 و2008 تم توجيه مخالفات للعديد من الأميش في ولاية كنتاكي، بسبب عدم التزامهم بوضع مثلث عاكس برتقالي اللون على العربات، لكن ذلك لم يردعهم لأنهم يرون أن اللون يتنافى مع معتقداتهم الدينية التي تأمر بالتواضع.

وألغت الولاية القانون الذي يطالب بمثلث عاكس برتقالي واعتمدت بدلا من ذلك شريطا عاكسا رمادي اللون.

 

نظام اقتصادي بسيط

يعمل معظم الأميش في الزراعة في سن مبكرة، ويعيشون أسلوب حياة المزارع، يساعد الجميع في الأعمال المنزلية والمزرعة، ولديهم عدد من المواشي، ومساحات كبيرة جدا من المزارع التي يعملون فيها دون أي تكنولوجيا حديثة تذكر.

أما غير العاملين في الزراعة فيعملون داخل مجتمعاتهم في الأشغال التقليدية، كالصيانة، وإصلاح الأدوات المنزلية، وتجارة الخيول والعربات.

ويتجه بعض الشباب في الطائفة إلى العمل لدى الآخرين “الإنجليز” ويدخرون رواتبهم لشراء مزرعتهم الخاصة لاحقا.

ويعتمد الأميش على الغرباء من أجل الحصول على الخدمات الطبية والقانونية والمالية، إذ أن التعليم عندهم يتوقف في سن الثامنة، ولا تجد بينهم الأطباء والمحامين على سبيل المثال.

تعمل النساء في المنزل غالبا وتقوم على رعاية العائلة والأطفال، وصناعة الملابس، والطهي.

يعتبر مجتمع الأميش مجتمعا اقتصاديا، وهم الأعلى توفيرا في الدخل، حيث يدخرون قرابة 20% من دخلهم، فيما يدخر الأمريكي العادي على سبيل المثال 6% فقط.

 

الأميش والمشاركة السياسية

لا يميل الأميش إلى الانخراط في السياسة، مع أنهم لا يمنعون أفراد مجتمعهم من التصويت في الانتخابات، لكن أعداد الفاعلين سياسيا لا يتجاوز 10% منهم.

ولا ينخرط الأميش في السياسة لعدة أسباب أولها أنهم يرون أن الالتزام بقانون “المملكة الروحية” هو الأهم، مع احترام “الحكومات الدنيوية”.

لا يخدم أفراد الأميش في الجيش، لإيمانهم بـ”التسليم”، أو “عدم المقاومة”، ليس في الحرب فقط، بل في جميع مجالات الحياة، القانونية، والسياسية، وسلطات إنفاذ القانون.

مع ذلك، فإن الساسة الأمريكيين يحاولون جذبهم نحو التصويت لهم، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالقضايا المحلية التي تهمهم، وكانت زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، إلى مجتمع الأميش في عام 2004 محاولة للحصول على دعمهم.

وبعد زيارة بوش سجل 43% من مقاطعة هولمز الأمريكية أسماءهم للتصويت، على الرغم من أن 13% توجهوا للصناديق لاحقا وصوتوا لصالحه.

والأميش أكثر تعاطفا مع الحزب الجمهوري نظرا لمواقفه من الدين والقيم التقليدية.

 

المصدر: عربي21
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.