الإشهاد في الطلاق.. بين إصرار السيسي ورفض الأزهر

ردنا – يدور النقاش مرة أخرى حول مسألة الطلاق الشفوي بالتزامن مع الإعلان عن صدور مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد بمصر.

بدأت حالة الجدل المُثار حول هذا الموضوع في يناير سنة 2017، حينما دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقتها إلى إصدار قانون ينظّم حالات الطلاق الشفوي، بعد ارتفاع معدلات الانفصال خلال الفترة الأخيرة، والتي بلغت وفقاً لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء آنذاك 900 ألف حالة سنوياً، 40% منهم ينفصلون بعد مرور 5 سنوات من الزواج.

وقال السيسي “أن إصدار قانون ينظم حالات الطلاق الشفوي من شأنه أن يعطي الفرصة للأزواج إلى مراجعة قرار الانفصال”.

وأضاف “يجب أن يتوقف، وينتهي لأضراره الكثيرة وصعوبة ضبط وكبح ما يجري على الألسنة من كلمات قد تدمر الأسرة في لحظات غضب”.

كما لفت إلى أن “توثيق الطلاق” كأسس ليُعترف به ضرورة للحفاظ على اللبنة الأولى في المجتمع وهي الأسرة.

والشهر الماضي، قال عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب المصري إيهاب رمزي، إن الهدف من قانون الأحوال الشخصية الجديد تحقيق التوازن في العلاقة بين الرجل والمرأة، والحد من حالات الطلاق عبر توثيقه، وعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، مؤكدًا أهمية القانون في خفض معدلات الطلاق المتزايدة بشكل لافت في السنوات الماضية.

ويستهدف المشروع المقترح صياغة قانون يحل محل القوانين المتعددة التي صدرت منذ عام 1920 وحتى الآن، والتي تبلغ 6 قوانين. وقدمت اللجنة صياغة تفصيلية لـ188 مادة، من بينها توثيق الطلاق بأوراق رسمية، كما هو معمول به تمامًا في حالة الزواج.

 

الزواج والطلاق في مصر بالأرقام

في أغسطس 2022، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر النشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق لعام 2021، وورد فيها:

  • بلغ عدد عقود الزواج 880041 عقدا عام 2021 مقابل 876015 عقدا عام 2020 بنسبة زيادة قدرها 0.5%.
  • في 2021 بلغ عدد حالات الطلاق 254777 حالة، مقابل 222036 حالة عام 2020، وذلك بزيادة قدرها 14.7%.
  • هناك حالة طلاق تقع كل دقيقتين في مصر، ومن 25 إلى 28 حالة طلاق تقع كل ساعة، ويصل عدد الحالات يوميا إلى 630 حالة بمعدل 18500 حالة شهريا.
  • 12% من حالات الطلاق وقعت خلال العام الأول من الزواج، مقابل 9% في العام التالي، و6.5% خلال العام الثالث.

 

موقف الأزهر

لكن مؤسسة الأزهر ترفض تقييد الطلاق الشفوي وتعتبره “حقاً شرعياً للرجل لا يجوز تعطيله بأي حال من الأحوال”.

وقال شيخ الأزهر أحمد الطيب، عبر سلسلة تغريدات ومقاطع فيديو نشرت مؤخراً تحت عنوان “فوضى الطلاق”، إن جمهور أئمة مذاهب أهل السنة قاطبةً ذهبوا إلى عدم اعتبار الإشهاد في وقوع الطلاق، وأن الأمر بالإشهاد على الطلاق المستوفي لكل الشروط ليس على سبيل الوجوب واللزوم، ولكن على سبيل الاستحباب والندب، وأن مَن يُطلِّق زوجته طلاقًا بدون إشهاد، فطلاقه واقع.

وأضاف شيخ الأزهر أن القول بعدم وقوع الطلاق الشفهي المستوفي لشروطه مخالف لما استقرَّ عليه جمهور فقهاء أهل السنة، بل جمهور المسلمين، مشيراً إلى أن هذا هو الرأي الذي اعتمدته هيئة كبار العلماء بالأزهر بإجماع أعضائها حينما ناقشت الأمر مناقشة تفصيلية على مدى 6 أشهر.

وتابع الطيب، أنه إذا أراد المجتمع مناقشة مسألة الطلاق الشفهي بغية الوصول إلى رأي جديد شرعًا فإنه “لا مفر من عقد مؤتمر عالمي جامع يضم علماء ممثلين لدول العالم الإسلامي، ينتهون إلى رأي يصبح هو الرأي المعتمد بالإجماع أو الأغلبية، إذ من المعلوم أن ما ثبت بالإجماع لا يتغير إلا بإجماع مماثل”.

 

الصورة التقليدية للطلاق في الفقه السنّي

شجّع الإسلام على الحفاظ على الزواج كرباط مقدس بين الزوجين قدر المُستطاع. يقول الحديث: “أبغض الحلال إلى الله الطلاق”.

رغم ذلك، منح الفقه الإسلامي التقليدي الرجل حق طلاق زوجته وقت ما أراد، ولم يلزمه بتبيان الأسباب التي دعته لذلك الفعل. وصار من المُتعارف عليه عند جماهير الفقهاء أن نطق الرجل لكلمة الطلاق يؤدي إلى وقوع الطلاق بشكل فعلي بغض النظر عن الظروف التي قيلت فيها تلك الكلمة، وذلك اعتماداً على ما ورد في سنن الترمذي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) “ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة”.

وقد اتفق الكثير من العلماء السنة عبر القرون وإلى اليوم على وقوع الطلاق الشفوي. في هذا السياق، جاء بيان هيئة كبار العلماء في الأزهر بمصر سنة 2017، حيث يقول: “وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبي وحتى يومنا هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق”.

 

اجتهادات فقهية معارضة

أجمع فقهاء الشيعة على ضرورة وجود شاهدين عدلين وقت الطلاق استناداً لما ورد في الآية الثانية من سورة الطلاق “فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ”.

يقول شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتابه “الخلاف” موضحاً ذلك الرأي: “…كل طلاق لم يحضره شاهدان مسلمان عدلان -وإن تكاملت سائر الشروط- فإنه لا يقع”.

في الحقيقة، لم يقتصر الإلزام بالشهادة في الطلاق على الشيعة وحدهم. فعلى الرغم من إصرار الفقه السنّي التقليدي على وقوع الطلاق الشفوي، إلا أن بعض فقهاء السنّة كان لهم رأي آخر في هذه المسألة.

يذكر الفقيه المصري السيد سابق في كتابه “فقه السنة” أن عددا من الصحابة، مثل عمران بن حصين، والتابعين، مثل عطاء بن أبي رباح وابن جريج وابن سيرين، ذهبوا إلى وجوب الإشهاد واشتراطه لصحة الطلاق.

في السياق نفسه، تذكر الكتب الفقهية أن الإلزام بالإشهاد عند الطلاق كان أحد الأقوال المعروفة في المذهب الشافعي. وورد في كتاب “المُحلى” أيضا أن ابن حزم (المذهب الظاهري) اختار هذا الرأي، إذ قال: “…قرن عز وجل بين المراجعة والطلاق والإشهاد، فلا يجوز إفراد ذلك عن بعض، وكان من طلق ولم يشهد ذوي العدل، أو راجع ولم يشهد ذوي العدل متعدياً لحدود الله تعالى”.

وحظي القول بضرورة توثيق الطلاق بدعم الكثير من الفقهاء المعتبرين في العصر الحديث كذلك. على سبيل المثال، يقول محمد أبو زهرة في كتابه الأحوال الشخصية: “لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا ذلك الرأي، فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين، يمكنهما مراجعة الزوجين فيضيِّقان الدائرة، ولكيلا يكون الزوج فريسة لهواه، ولكي يمكن إثباته في المستقبل فلا تجري فيه المشاحة، وينكره المطلِّق إن لم يكن له دين. والمرأة على علم به، ولا تستطيع إثباته، فتكون في حرج ديني شديد”.

الرأي نفسه ذهب إليه الشيخ التونسي محمد الطاهر بن عاشور في كتاب “التحرير والتنوير”. يقول عند تفسيره للآية الثانية من سورة الطلاق: “ظاهر صيغة الأمر: الدلالة على الوجوب، فيتركب من هذين أن يكون الإشهاد على المراجعة وعلى بت الطلاق واجباً على الأزواج، لأن الإشهاد يرفع أشكالاً من النوازل”.

وأيضاً، أيد المُحدث السلفي محمد ناصر الدين الألباني هذا الرأي في أشرطته المسماة بـ”سلسلة الهدى والنور”. يقول الألباني: “العقل والنظر السليم يؤيد أن يشترط فيه -أي الطلاق- الإشهاد، ومعنى ذلك أن إنساناً ما قرر وعزم على الطلاق، ولكن هذا الطلاق وضع له الشارع الحكيم شروطاً، وهذه الشروط هي في الواقع كالعرقلة لمنع وقوع هذا الطلاق، لأن الطلاق يترتب من وراءه هدم الأسرة، فقال أن السُّنّـة الإشهاد، فكأن الشارع الحكيم يقول للمطلق: لو عزمت على الطلاق وأردت تنفيذه فائت بشاهدين”.

 

المصدر: ردنا + مواقع إلكترونية
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.