إيكونوميست: الحياة تحت حكم طالبان “ليست بذلك السوء”

ردنا – على مدى عقدين من الزمن، أزهقت الولايات المتحدة وحلفاؤها آلاف الأرواح، وأنفقوا نحو تريليوني دولار في أفغانستان لمنع حركة طالبان من الحكم، ومع ذلك فإن مصير هذا البلد يبدو أنه مختلف إلى حد كبير عما كان يخشى منه.

وقد كشف تقرير بمجلة ذي إيكونوميست (The Economist) البريطانية تحت عنوان (الحياة تحت حكم طالبان 2.0) بأن جهود طالبان لحكم أفغانستان لم تكن دون جهود الحكومات التي سبقتها الآونة الأخيرة، بل إنها تجاوزت في بعض النواحي التوقعات المنخفضة المسلم بها، خاصة في نهجهم في التعامل مع الإرهاب، حيث أصبح تنظيم القاعدة في أدنى مستويات نشاطه عالميا، حتى إن زلماي خليل زاد (المبعوث الأميركي السابق لأفغانستان) أشار مؤخرا إلى أن خطر الإرهاب لم يتزايد في أفغانستان.

ومع أن المجلة رأت أن عودة مسلحي طالبان للحكم كانت كارثية من نواح كثيرة على سكان البلد البالغ عددهم 40 مليون نسمة، فقد اعترفت بأن حكومة طالبان أثبتت أنها في جانب الإصلاح أكثر التزاما من سابقاتها.

غير أن حكم طالبان الجديد -حسب المقال- كان كارثة حقيقية على النساء، حيث غدت أفغانستان الدولة الوحيدة التي يُحظر فيها أن تدرس الأنثى فوق مستوى الثانوية أو أن تعمل في معظم المهن، حتى أصبح 2.5 مليون (80% من النساء والفتيات في سن الدراسة) غير متعلمات.

 

تطبيق القانون

ومع أن معظم البلاد غرق في الجوع بسبب ارتفاع أسعار الغذاء العالمية المتقلبة والأزمة الاقتصادية الناجمة عن سحب الدعم الغربي، فإن طالبان أوقفت نزيف الدولار من البلاد بفرض قيود صارمة على رأس المال، وقمع التهريب، ليستقر الأفغاني (العملة المحلية) مقابل الدولار عند مستوى غير بعيد مما كان عليه في اليوم السابق لسقوط كابل.

وبالفعل قامت طالبان -حسب تقرير إيكونوميست- بتحسين تطبيق القانون الاقتصادي في جميع المجالات، مما زاد كثيرا في الإيرادات الجمركية رغم انخفاض التجارة الدولية، حتى بلغ إجمالي الإيرادات للسنة، المنتهية في مارس/آذار 2023، نحو 2.3 مليار دولار، وذلك لأن التهديد بتطبيق الحدود، مثل قطع يد السارق، ثبط بقوة من قبول مسؤولي الجمارك للرشاوى، كما يقول أحد مستشاري الملا برادر نائب رئيس الوزراء المسؤول عن الإستراتيجية الاقتصادية.

وأوضح المقال أن الاعتراف بمثل هذا التقدم ليس تكريما لأساليب طالبان التي وصفاها بالقاسية، ولكنه إدانة للحكومات الفاسدة المدعومة من حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي حلت الحركة مكانها، وقد بدت للجميع العديد من المؤشرات على تحسين تطبيق القانون التي تظهر في كابل.

فقد قامت طالبان بتمرير مشروع إنجاز أعمال الطرق التي عرقلت لسنوات من قبل واضعي اليد غير القانونيين، وتم حشر الباعة الجائلين في مناطق محددة، كما نقل مدمنو المخدرات من الشوارع إلى مراكز إعادة التأهيل، وأغلقت المطاعم القذرة، ولقح 30 ألف كلب شوارع ضد داء الكلب.

ورغم أن أفغانستان خسرت 75% من ميزانيتها التي كان يتبرع بها الأجانب، فقد جمعت طالبان عائدات كافية لدفع رواتب 800 ألف موظف حكومي، بعد أن انخفضت نسبة الشركات التي تقدم رشوة لمسؤولي الجمارك من 62% إلى 8% وفقا لمسح أجراه البنك الدولي مؤخرا، وذلك رغم أن نسبة 41% من الإنفاق تذهب إلى الدفاع والأمن.

 

مراجعات مهمة

وأشار التقرير إلى أن طالبان تقوم بمراجعات مهمة، إذ يعتقد رئيس شركة إعلامية مقرها كابل -وليس من المعجبين بحكم طالبان- أن “أفغانستان تدار اليوم بشكل أفضل من باكستان” وأن محطات التلفزيون الأفغانية تتمتع بحرية نقل الأخبار أكثر من تلك الموجودة بالهند. كما أن مجموعة من علماء الآثار الأجانب والمحليين والقيمين، على التراث الأفغاني الغني في كابل، يشيدون بطالبان لدعمها لهم في ترميم مواقع ما قبل الإسلام.

ويقول ضياء الحق مرخيل، حاكم إقليم ننغرهار قبل سيطرة طالبان، إنهم يديرون الأمور “بشكل صحيح” موضحا أن الأفغان خارج البلاد “لا يوافقون على ذلك ولكنهم ليسوا هنا، وهم لا يعرفون الحقيقة، أنا هنا وأعرف الحقيقة”.

 

المعاناة مستمرة

ورغم هذه التحسينات، يرى التقرير أن المعاناة ما تزال منتشرة، إذ تقدر الأمم المتحدة أن 700 ألف شخص فقدوا وظائفهم، وأن العائلات من الطبقة الوسطى التي تعمل بالقطاعات الأكثر اعتمادا على الدعم الأجنبي تضررت بشكل خاص، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية وخدمات الأعمال والضيافة ووسائل الإعلام.

كما أن الريف -الذي يقطنه 75% من الأفغان- عصفت به سنوات من الجفاف مما جعل الظروف أكثر صعوبة، ويقول المزارع محمد طاهر “لم نعد مضطرين للمخاطرة بحياتنا من أجل إيصال محاصيلنا إلى الأسواق، لكن ما نبيعه تناقص وبالتالي تناقص ما نأكله”.

وخلص تقرير إيكونوميست إلى أن هناك حاجزين كبيرين يقفان في طريق حصول طالبان على القبول الدولي. أولهما: جهودها غير الكافية في مكافحة “الإرهاب” وثانيهما: “القيود” المفروضة على النساء والفتيات، خاصة قرار منعهن من ارتياد المدارس الثانوية والجامعات، ومن العمل بالمنظمات غير الحكومية والوكالات الأممية.

 

المصدر: The Economist
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.