بحلول 2030 ستكون سابع أكبر اقتصاد في العالم.. قصة صعود إندونيسيا نحو القمة الاقتصادية

ردنا – تُعتبر إندونيسيا أكبر بلد إسلامي من ناحية التعداد السكاني، والدولة المسلمة الأعلى دخلاً من ناحية الناتج القومي الإجمالي بـ1210 مليارات دولار، بينما تحتل المرتبة الـ16 عالمياً في حجم الاقتصاد بنسبة 1.25% من الاقتصاد العالمي، وهي مرشّحة وفق معهد ماكينزي لتكون صاحبة سابع أكبر اقتصاد في العالم، بدلاً من بريطانيا، بحلول العام 2030. في هذا المقال، سنسلّط الضوء على أبرز مميّزات ومقوّمات الاقتصاد الإندونيسي الصّاعد، إضافة إلى تجربة التحديات والإصلاحات التنموية التي خاضها البلد بهدف حجز مكانة له في مصاف الكبار.

 

إندونيسيا.. أرض جزر الهند

عُرفت عند العرب والمسلمين بعد الإسلام، وأطلقوا عليها تسمية “جزر المهراج” وجزر “الجاوي”، وعرفت في فترة الاحتلال الهولندي بـ”جزر الهند الشرقية”،  قبل أن تسمّى في منتصف القرن الـ19 باسمها المتعارف عليه حالياً “إندونيسيا”، المتكوّن من مقطعين “إندو” وتعني الهند و”نيسيا” التي تعني الجزر، لتصبح “جزر الهند”، حيث تمتد على طول أرخبيل كبير يتكوّن من 13677 جزيرة، منها 6044 مأهولة بالسّكان، منتشرة على طول المحيطين الهندي والهادئ بمساحة تبلغ نحو 2 مليون كلم مربع، وبتعداد سكاني يصل إلى 280 مليون إندونيسي، غالبيتهم من عرقية الملايو، جلّهم مسلمون بنسبة 86%، فيما يبلغ تعداد المسيحيّين نحو 10%، ويتركّز 60% من السكان على جزيرة جاوة، التي تبلغ مساحتها 131500 كلم مربع، وتوجد بها عاصمة البلاد “جاكرتا”، ولغة البلاد الرّسمية هي “باجاسا إندونيسيا”، وتحتوي على كثير من الكلمات العربية، وهي فرع من اللغة الملاوية، وسط 300 لهجة ولغة محلية.

 

البدايات الصّعبة..

في ستينيات القرن الماضي، عرف الاقتصاد الإندونيسي أزمات شتى من جراء انعدام الاستقرار السياسي، الذي تسبّبت فيه محاولات الانقلاب المتكرّرة طيلة خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث كانت البلاد تُسيّرُ من طرف حكومة عديمة الخبرة، ما تسبّب في تفشي الفقر والجوع وسط أميّة طاغية، في ظل تضخّم كبير تعطّلت بسببه مطابع النقود في البنك المركزي للبلاد.

وفي الـ30 من سبتمبر/أيلول 1965، قاد المقدم “أونتونغ”، وهو أحد حراس القصر الرئاسي، عملية انقلابية كبرى، قتل على أثرها ستة جنرالات، لكن الجنرال سوهارتو نجح في التصدي للعملية، لينصّبه الرئيس أحمد سوكارنو قائداً للجيش، ويقرّر التنحي عن السلطة بعد ذلك في مارس/آذار 1966، ويكلّف سوهارتو بقيادة إندونيسيا.

وتلا ذلك وضع صعب مرّت به البلاد، حيث اتُّهم الشيوعيّون بتنفيذ الانقلاب، لتقوم “وحدات من الجيش وجماعات إسلامية” خاصة بالقرى، بتنفيذ عمليات إبادة للشيوعيين نهاية 1965، إذ وصلت تقديرات ضحاياها إلى ما بين 300 ألف ومليون قتيل، وجرى توقيف نشاط الحزب الشيوعي في مارس/آذار 1966، فيما تمّ اعتقال مئات الآلاف من المتّهمين بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة على الرئيس أحمد سوكارنو.

 

توجه جديد

أسّس سوهارتو حكومة النظام الجديد وفق توجّهات متقاربة مع السياسات الغربية، كما أنهى المواجهات مع ماليزيا، لتنخرط إندونيسيا بعد ذلك في مجالها الإقليمي كعضو مؤسّس بمنظمة اتحاد جنوب شرقي آسيا، التي تأسّست عام 1967، حيث ركّزت على الانخراط في النظام الاقتصادي الدولي من خلال الانضمام للهيئات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وركّزت إصلاحات سوهارتو على الجانب الاقتصادي، في إطار خططه الرامية إلى الاستفادة من المساعدات التقنية والمالية للغرب واليابان من أجل ترقية الاقتصاد الإندونيسي.

وتجلّت الخطوة الأبرز في مسعى التغيير والإصلاح بخفض آثار التضخم على الاقتصاد الإندونيسي، بعد وصوله إلى مرحلة عدم التحكم فيه، حيث أوكل سوهارتو مهمة خفض التضخم إلى مجموعة من الخبراء الأكاديميين الـ”تكنوقراط”، تلقّى غالبيتهم تكويناً اقتصادياً في جامعات أمريكية، كما كلّفهم بإعداد سياسات تساعد على تعافي الاقتصاد وتسهم في انتعاشه.

اعتمد سوهارتو سياسة السوق المفتوحة مع تعديل قوانين الاستثمار الداخلية والخارجية بين عامي 1967-1968، حيث شكّلت هذه القوانين الجديدة تحفيزاً قوياً للمستثمرين الأجانب، وجلبت المستثمرين من اليابان والدول الغربية، ما حقّق نتائج إيجابية في حركية وتطوّر اقتصاد البلد، الذي استطاع بفضل هذه السياسة بلوغ نسبة نمو تفوق 9%، ما مهّد لعصر اقتصاد إندونيسيا الذهبي.

 

الاتجاه نحو التصنيع

خلال عقد الثمانينيات غيّرت إندونيسيا قواعد اللعبة الاقتصادية، وبدأت في التحول من دولة فلاحية تعتمد على الزراعة والنفط إلى بلد مصنّع، وجرى تحويل البنية التحتية للبلاد إلى مجالات التصنيع، حيث أصبحت العديد من القُرى مدناً صناعية ضخمة، وفي الاتجاه ذاته تبنّى البلد مخطّطاً إصلاحياً مسّ مراجعة ووضع سياسة جديدة لحماية العملة بهدف تحسين القوة التنافسية للمنتجات الإندونيسية، بالمقابل تمّت مراجعة طريقة تسيير القطاع المالي لتكييفه بشكل يسمح بمساهمته في الإصلاحات والتغييرات الاقتصادية الجديدة، كما تمّ تنظيم وتهيئة القوانين لصالح تيسير القروض الخارجية في قطاع التصنيع، وبفضل هاته السياسات الإصلاحية استطاع الاقتصاد الإندونيسي تحقيق معدّل نمو مستمر في حدود 7% بداية من 1989 وإلى غاية 1997.

ورغم أن هذه السياسة أنعشت الاقتصاد، فإن تلك الإصلاحات لم تبطل التفاوت الاقتصادي والاجتماعي المتزايد، خاصة بين سكان “جاوا” الريفيين، إذ زادت الهوّة الاقتصادية مع نمو السكان، رغم النجاح النسبي لبرنامج تنظيم الأسرة، ونظراً إلى الإصلاحات والبيئة الاقتصادية الجديدة الجاذبة، أضحت إندونيسيا وجهة للاستثمارات القادمة من أوروبا والخليج العربي واليابان، وتجلت هذه الاستثمارات في قطاعات البنية التحتية، وقطاع التصنيع، وقطاع الزراعة والسياحة.

وقد أدركت إندونيسيا ضرورة الانخراط بشكل عملي في قطاع التصنيع وفق المنظور الحديث لتحقيق الثروة والتنمية؛ نظراً إلى عدة أسباب، فقد مثلت تقلبات أسعار النفط في السوق الدولية، إضافة إلى نمو التعداد السكاني للبلاد تحدياً كبيراً لمواكبة المتغيرات والحاجات الاجتماعية المُلحة من بطالة واستهلاك، حيث توجّهت البلاد نحو بناء قاعدة صناعية متنوّعة، تراوحت بين الصناعات الدنيا والثقيلة إضافة إلى الصناعات العسكرية، وجمعت بين التصنيع بهدف إحلال الواردات والتركيز على التنمية الزراعية والريفية، وأدّت استراتيجية النمو التبادلي المتبعة إلى زيادة الطلب على اليد العاملة، والحد من البطالة وزيادة الأجور.

 

تطوير الصادرات

بالمقابل، في فترة التسعينيات ولتجنّب التكاليف المرتبطة بأوجه الحماية، أسّست إندونيسيا وبعض بلدان شرق آسيا مناطق تجهيز للصادرات ومخازن إيداع وأنظمة استرداد الرسوم الجمركية، وجميعها تتطلّب جهازاً إدارياً عالي الكفاءة، وفق مداخلة لمجموعة من الأكاديميين في موضوع “تجارب تنموية في النمو والتنويع الاقتصادي: إندونيسيا نموذجاً”.

وذكرت المداخلة ذاتها أنه بعد شعور هذه البلدان بأنها تفتقر إلى هذه القدرة، لجأت إلى طرق غير تقليدية، فلفترة معيّنة قامت إندونيسيا بخصخصة حتى الإدارة الجمركية، وبعدما اجتازت الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997، أصبحت في موقع بارز من حيث الإدارة الفعّالة للصادرات من السلع.

 

نموّ متنامٍ

برزت إندونيسيا في هذه الفترة، من خلال القدرة على تحقيق نمو تميز بكثافة فرص العمل، وقد ازدادت الأجور لعقدين من الزمن من قبل الأزمة بمعدل سنوي بلغ 5%، وبين عامي 1990 و1996 ارتفع التشغيل في القطاعات غير الزراعية النظامية وحدها من 1.28% إلى 9.37% من مجموع القوى العاملة، وانخفضت حصة القوى العاملة في الزراعة من 55.1% إلى 5.43%. وفي مرحلة ما بعد الأزمة تبدّدت بعض مكاسب التنمية، وبقيت الزيادة التناسبية في الفقر عند المستوى الأدنى بين العمال الزراعيين، وفق ما ذكرته ورقة “تجارب تنموية في النمو والتنويع الاقتصادي: إندونيسيا نموذجاً”.

وفي الاتجاه ذاته، أصبح قطاع الصناعة مرحلياً أكبر قطاع في اقتصاد إندونيسيا بتشكيله لـ”46.4%” من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، يليه قطاع الخدمات بـ”37.1%” والزراعة “16.5%”، وجرّاء ذلك ارتفعت صادرات البلاد، لتصنّف إندونيسيا عام 2010 في المرتبة الـ26 من بين أكبر المصدّرين في العالم بـ179 مليار دولار أمريكي، يضاف إلى ذلك أن لديها سوقاً محلية استهلاكية ضخمة.

وقد حقّقت إندونيسيا خلال عهد الرئيس سوهارتو، رغم ما شابه من انحرافات، إصلاحات اقتصادية متعدّدة الجوانب جعلتها من أوائل الدول الآسيوية في حجم نمو الاقتصادي، غير أن انتشار الفساد الذي تورّط فيه سوهارتو نفسه، إضافة إلى ضعف سلطة القانون وهشاشة البنية القضائية والتنظيمية في نظامه، أدّى إلى بروز أزمة ديون خانقة أدّت إلى تأخير البلد عن تحقيق الأهداف المنشودة، ودخلت إندونيسيا في ما يصطلح عليه بـ”انحراف مسار التنمية”.

 

إصلاحات على الطّريق

بعد نهاية عهد الرئيس محمد سوهارتو، تولّى الحكم بعده الرئيس بحر الدين يوسف حبيبي، الذي أطلق إصلاحات جوهرية مست عديداً من القطاعات، مما أدى إلى إنعاش الاقتصاد الذي تعرّض لانتكاسة الأزمة المالية عام 1997، ويعرف عن “حبيبي” أنه مؤسّس مشاريع الصناعات الاستراتيجية، ورائد التحول الديمقراطي في إندونيسيا، حيث قام بتحرير السياسة والإعلام، وألغى القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير، مطلقاً الحريات الصحفية ورافعاً كل آليات الرقابة التي كانت مفروضة على العمل الإعلامي، من خلال وزارة الإعلام طوال عقود مضت، وفق موقع الجزيرة.

كما سُنَّ في عهده قانون الأحزاب وقانون الانتخابات، الذي مهّد الطريق لإنهاء الوجود العسكري في البرلمان، وفتح المجال لتعددية حزبية غابت عن البلاد منذ الخمسينيات، كما أسّس للحكم المحلي والذاتي في الأقاليم من خلال تقنين ذلك، وهو ما ساهم في تعزيز النمو الاقتصادي المحلي، وتطوير المناطق المختلفة للبلاد؛ نظراً إلى تفشي روح المبادرة والتركيز الذاتي، بشكل فعّال.

وبحكم خلفيته الأكاديمية عندما كان وزيراً للبحوث والتقنية، ورئيساً لهيئة البحوث والتطبيقات العلمية، أرسل “حبيبي” آلاف الطلاب إلى الولايات المتحدة واليابان وغيرهما من الدول المتقدمة، حيث كانوا العقول الأساسية لإطلاق الصناعات الاستراتيجية التي انطلقت في غضون فترة حكمه، فخلال تسلّمه وزارة البحوث والتقنية أسّس شركة “إنكا” لصناعة القطارات، وشركة “بال” لصناعة السفن، وشركة “إنتي” لأجهزة الاتصالات، وشركة “بينداد” لصناعة السلاح والمعدات والعربات العسكرية، وما زالت كلّها قائمة ومنتجة، كما برزت من بينها شركة صناعة الطائرات في مدينة “باندونغ” التي حقّقت عدداً من الإنجازات التصنيعية، وذلك بتصنيع عدد من الطائرات ودخولها صناعة أجزاء طائرات لشركات عملاقة، وفق موقع الجزيرة.

وقد اتّخذت الحكومة التي كانت في عهد الرئيس “حبيبي” في أعقاب الأزمة المالية والاقتصادية التي حلّت بالبلاد، منتصف 1997، إجراءات كانت تهدف إلى حماية ورعاية جزء كبير من القطاع الخاص، من خلال شراء أصول القروض المصرفية المتعثرة وأصول الشركات وإعادة هيكلة الديون، وفق صحيفة “سبق” السعودية.

 

الحرب على الفساد

قال الكاتب “جوناه بلانك” في مقال نشرته مجلة “ذي أتلانتيك الأمريكية”، إنّه من المرجح أنّ قرار إنشاء هيئة مستقلة للتحقيق مع السياسيين المتورطين في جرائم فساد ومقاضاتهم بإندونيسيا، قد أتى أكله بالفعل، وفق ما ذكره.

وأشار بلانك إلى أنّ الفساد كان متفشياً على مدى عقود، وأنه وفقاً للتصنيف الأولي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 1995 بشأن مظاهر الفساد في الدول، فقد كانت إندونيسيا الدولةَ الأكثر فساداً. أما في العام الماضي، فقد احتلت المرتبة الـ89 من أصل 180 دولة، وهي المرة الأولى التي تظهر فيها في النصف الأقل فساداً من القائمة.

وقد ترك الرئيس سوهارتو عندما ترك السلطة في عام 1998، إرثاً من الفساد المتفشي في جميع مستويات المجتمع، حيث تقدّر بعض التقارير الإعلامية أنه اختلس نحو 40 مليار دولار خلال العقود الثلاثة التي أمضاها في الحكم، والتي كسب خلالها لقب أكثر زعماء العالم فساداً، حيث انتشرت ممارساته في كافة الأوساط الحكومية، بدءاً بالوزراء الذين وزّعوا أموال المشاريع على مكاتبهم المرصّعة بالذهب، مروراً برجال شرطة المرور الذين جنوا الإتاوات والرشاوى على زوايا الشوارع المتربة.

ونجحت إندونيسيا في التخفيف من حدة الفساد بفضل تأسيسها عام 2002، “لجنة استئصال الفساد”، والمعروفة باسمها المُختصر المحلي “كي بي كي”، حيث عملت هذه الهيئة الجديدة بالتوازي مع الشرطة ومكتب المدعي العام، وتحصّلت بموجب القانون على صلاحية التحقيق مع أي موظف حكومي ومحاكمته على أي مخالفة تتعلق بالفساد، كما مُنحت حق التنصت على المشبوهين دون إذن قضائي، ونجحت الهيئة لحد الآن في التخفيف من حدة الفساد بالبلاد، لكنه لا يزال مستشرياً وفق تقارير المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن.

وتكشف ملفات هيئة مكافحة الفساد من خلال تقاريرها بين عامي 2005 و2013،  الدور الكبير الذي لعبه سوهارتو وحزب “غولكار” -المحسوب عليه- في تفشي واستمرار ممارسات الفساد، حيث صُنف الحزب وإطاراته بالأكثر فساداً، بعد أن وجّهت الهيئة أربعين تهمة فساد إلى أعضاء بارزين في الحزب.

 

عاصمة جديدة.. و40 مليار دولار لتحديث جاكرتا

تبني إندونيسيا عاصمة جديدة للبلاد، تهدف إلى إعطاء دفع جديد لقطاع البناء والأعمال، وتعزيز مستوى النمو العالي الذي تحقّقه البلاد سنوياً، مع القضاء على أزمة الازدحام الخانق في جاكارتا والتي تفوق الخيال، وجودة الهواء الأسوأ في العالم، وفق ما نقله موقع صحيفة الشرق الأوسط، كما أنّ العاصمة الإندونيسية التي يبلغ تعداد سكانها 10 ملايين نسمة تغرق بشكل مستمر، كما أنها تحوز عدداً قليلاً من الحدائق، والمشي في أرصفتها المهترئة أضحى كذلك خطراً على الراجلين.

وفي هذا المنحى أعلن الرئيس الإندونيسي الحالي “جوكو ويدودو” في أغسطس/آب 2019، عن خطة لإصلاح العاصمة تبدأ من الصفر، حيث اقترح تجريد جاكرتا من صفتها كعاصمة للبلاد، وقرّر بناء عاصمة جديدة، وبموجب خطته، فإن الشخصيات السياسية والعاملين بالحكومة سيغادرون المدينة الغارقة في مياه جزيرة جاوة، وسينتقلون إلى جزيرة “بورنيو” الأقل ازدحاماً، حيث حددت التكلفة الأولية لبناء العاصمة الجديدة بـ33 مليار دولار.

وتشتهر جزيرة “بورنيو” بتاريخ من البحث عن الكفاءات، وامتلائها بقردة “أورانجوتان” المهددة بالانقراض، وبغاباتها الكثيفة المليئة بالنخيل الذي تستخرج منه الزيوت، وسيتم بناء العاصمة الجديدة في مقاطعة “كاليمانتان” الشرقية بالقرب من مدن “باليكبابان” و”ساماريندا” الساحلية، حيث تملك الحكومة نحو 178.062 كيلومتراً مربعاً، وفق ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

وسيتوسّط العاصمة التي حدّد مكانها الرئيس الإندونيسي الحالي، الأرخبيل المكون من 17 ألف جزيرة، ويمتد على نحو 5000 كيلومتر من أطرافه الغربية إلى الشرقية، وتتقاسم كل من ماليزيا، وبروناي مع إندونيسيا سيادة هذه الجزيرة.

واستعملت في بناء العاصمة الجديدة تقنيات حديثة تجعل منها آمنة من خطر التسونامي والزلازل والفيضانات، كما أنها ستخفف الضغط على جاكارتا، الواقعة في جزيرة جاوة التي يقطنها 60% من سكان البلاد (نحو 170 مليون نسمة)، حيث سيكون تدشين هذه المدينة الكبرى على بعد أكثر من ألف كيلومتر من جاكارتا، توزيعاً عادلاً للتنمية والثروات، كما تشير خطة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، إلى أنه لن يتم استخدام الوقود الأحفوري بالمدينة الجديدة، حيث ستعتمد بالأساس على “الاقتصاد الأخضر”، ومن المقرر البدء في الانتقال إلى العاصمة الجديدة في 2024، وهو العام الذي ستنتهي فيه عهدة ويدودو الثانية والأخيرة.

وفي الاتجاه ذاته، يجري التوجه لإنقاذ العاصمة الحالية من الغرق، حيث تتوقع منظمة البيئة الإندونيسية وفق تصريح لناطقها، أنّ جاكرتا تغرق سنوياً بمعدل 15%، وأنه بحلول عام 2050، يتوقّع أن يغرق 95% من شمالها، وفي هذا الصدد تعهّد وزير التخطيط الإندونيسي بإنفاق أربعين مليار دولار خلال العقد المقبل لإنقاذ جاكارتا التي تغرق ببطء، وفق ما نقلته عنه “رويترز”.

 

رؤية إندونيسيا 2045

وضعت إندونيسيا رؤية للإصلاح الاقتصادي والمجتمعي وفق أهداف تسعى لتحقيقها احتفاءً بمئوية استقلالها عن الاستعمار الهولندي، حيث تلتزم الحكومة بتحويل إندونيسيا إلى دولة متقدمة بحلول عام 2045 من خلال تحسين نوعية التنمية البشرية والنمو الاقتصادي المستدام، والتنمية العادلة والحكم الرشيد.

وصيغت هذه الرؤية من قبل وزارة التخطيط التنموي الوطني بإندونيسيا، وأطلقها الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو في 9 مايو/أيار 2019، حيث تفاءل بأن تصبح بلاده رابع أو خامس أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2045.

وجاءت الفكرة بعد أن كتب ويدودو رؤيته بعنوان “الحلم الإندونيسي 2015-2085″، سبعة أحلام من الأهداف السامية للمستقبل الإندونيسي، وهي:

 

  • الموارد البشرية الإندونيسية تحقّق التفوق، وتحقّق استخباراتها تقدّماً على الدول الأخرى في العالم.
  • يصبح الشّعب الإندونيسي داعماً للقيم الأخلاقية، في إطار مساندة التعددية الثقافية والدينية.
  • تكون إندونيسيا هي مركز التعليم والتكنولوجيا والحضارة العالمية.
  • المجتمع والأجهزة الحكومية تكون خالية من الفساد.
  • تطوير البنية التحتية العادلة في جميع أنحاء إندونيسيا.
  • تكون إندونيسيا بلداً مستقلاً وحراً وواحداً من أكثر بلدان آسيا والمحيط الهادئ نفوذاً.
  • تصبح إندونيسيا مثالاً للنمو الاقتصادي العالمي.

 

وبناءً على توجّهات الرئيس الإندونيسي، انتهت وزارة التخطيط الوطني للتنمية في إندونيسيا من صياغة الرؤية عام 2017، ليطلق ويدودو رؤيته رسمياً في 9 مايو/أيار 2019، حيث حدّدت الحكومة هدفاً تبلغه إندونيسيا في عام 2045 تصبح بموجبه خامس أكبر اقتصاد في العالم، بإجمالي ناتج محلي يبلغ 7300 مليار دولار، ودخل فردي يصل إلى 25000 دولار أمريكي، وفق 5 سياسات كان سينفّذها الرئيس ويدودو خلال فترة ولايته الثانية بين عامي 2019-2024، تتمثّل في:

 

  • مواصلة تطوير البنية التحتية.
  • تنمية الموارد البشرية.
  • دعوة وجلب الاستثمارات إلى أقصى حد.
  • إنهاء البيروقراطية.
  • التأكد من أن الإنفاق في ميزانيات الدولة يركز على الأهداف ويحسن استهدافها.

 

تسهيلات الاستثمار

وفق منظور رؤية 2045، حقّق أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا تقدّماً ملحوظاً، بمقدار 45 مركزاً في تصنيف البنك الدولي لتسهيل الأعمال التجارية منذ تولي ويدودو منصبه في 2014، الذي بدوره يرغبُ في تحسين مركز البلاد ليتقدّم إلى مراكز متقدمة في الأعوام القادمة.

وسبق أن اتّخذ ويدودو خطوات لمساعدة سلع البلاد ودفع الاستثمار في الصناعات والخدمات ذات القيمة المضافة، لخلق مزيد من فرص العمل.

 

مفارقة النماذج

يقول الكاتب “ليون برخو”، مدير مركز دراسات ممارسات الإعلام وتأثيرها على المجتمع بجامعة يونشوبنك في السويد: “ليس هناك أي إشارة في كل ما أقرأه عن المسلمين، إلى أنّ هناك بلداً عربياً سيكون له شأن في الاقتصاد والتكنولوجيا والعلم في المستقبل المنظور، لا بل إن ما أطلع عليه يشير إلى تراجع وتقهقر في شتى مناحي الحياة”.

لكن إندونيسيا بسكانها الـ240 مليوناً تملك اليوم اقتصاداً أكثر ديناميكية وحداثة وتطوراً من أي بلد عربي آخر، والتقارير الغربية تشير إلى أنّ اقتصاد هذا البلد الإسلامي حقّق نمواً مذهلاً في السنوات العشر الماضية وصل إلى 6%، وهو اليوم أكثر استقراراً اقتصادياً من الصين وروسيا والهند والبرازيل.

وتتربّع إندونيسيا على عرش أفضل اقتصاد لدولة مسلمة في العالم، في المرتبة الـ16 عالمياً بناتج قومي إجمالي بلغ 1210 مليارات دولار، تليها تركيا في المرتبة الـ18 بـ810 مليارات دولار، والسعودية في المرتبة الـ19 بـ790 مليار دولار، لتأتي نيجيريا في المرتبة الـ27 بـ496.12 مليار دولار، وإيران في المرتبة الـ28 بـ495.69 مليار دولار، ثم الإمارات في المرتبة الـ30 بـ449.13 مليار، وتأتي ماليزيا في المرتبة الـ35 بـ401.99 مليار دولار.

 

الاقتصاد الإبداعي في إندونيسيا

تتوجّه إندونيسيا لبناء اقتصادها بمنظور جديد، ففي الوقت الذي ترغب فيه في خفض اعتمادها على الموارد الطبيعية، يتوجّه الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو نحو بناء اقتصاد إبداعي يتركّز على صناعة الأفلام والموضة والحرف اليدوية.

ووفق ما أفاد به تاراوان مناف، رئيس وكالة الاقتصاد الإبداعي الإندونيسي، فإنه من المتوقع أن يتجاوز نمو هذه الصناعات الإبداعية وتيرة نمو إجمالي الناتج المحلي للبلاد بنحو 5%، حيث أشار إلى أنّ هذه القطاعات تمثل نحو 7.4% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد أو نحو 1000 تريليون روبية (أي 73 مليار دولار) العام الماضي، ويسعى ويدودو لزيادتها بنسبة 9% بحلول عام 2020.

وقالت وكالة بلومبرغ للأنباء الاقتصادية، إنّ ثروات إندونيسيا الاقتصادية ظلت مرتبطة لفترة طويلة بصناعة الموارد، كما أنّ ويدودو أنشأ في عام 2015 وكالة الاقتصاد الإبداعي لتعزيز الاستثمار الأجنبي في القطاعات المشرقة، مثل الترفيه والأزياء والنسيج والأغذية المعلبة، حيث ساعد سماح الحكومة بالاستثمارات الأجنبية في الأفلام وتوزيع الأفلام والعروض في جذب المستثمرين الأجانب، وضمن ذلك شركتا “فوكس القرن الـ21” ولوت سينما الكورية الجنوبية لصناعة الترفيه.

وقال مناف رئيس وكالة الاقتصاد الإبداعي الإندونيسي، في تصريح لإحدى الصحف الإندونيسية: “إنّ التركيز على الاقتصاد الإبداعي يدر نتائج جيدة حقاً، فقد ساعد في زيادة عدد الشاشات ورفع مشاهدات الأفلام الإندونيسية وأفلام هوليوود على حد سواء”.

وأضاف المتحدّث ذاته، أنه خلال ثلاثة أعوام من افتتاح الإنتاج والعرض والتوزيع السينمائي أمام المستثمرين الأجانب، قفز عدد شاشات السينما في إندونيسيا بنسبة 50% ليبلغ 1500 شاشة، بينما ارتفعت مبيعات التذاكر إلى 42.7 مليون العام الماضي، بعد أن كانت 16 مليوناً في 2015.

 

من الفقر إلى رابع قوّة اقتصادية في آسيا

تحوّل الاقتصاد الإندونيسي من اقتصاد زراعي خلال ستينيات القرن العشرين إلى اقتصاد صناعي خدماتي في بداية التسعينيات، ومنذ بداية هذا القرن أصبحت بلاد جزر الهند رابع أكبر اقتصاد في آسيا بعد الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وقد رشّح معهد ماكينزي العالمي إندونيسيا لتكون صاحبة سابع أكبر اقتصاد في العالم بدلاً من بريطانيا بحلول العام 2030، مشترطاً لتحقيق ذلك، رفع جاكرتا معدل النمو الاقتصادي مستفيدة من الطبقة المستهلكة التي تنمو بوتيرة متسارعة، وأوضح المعهد أنّ ارتفاع نسبة الشباب بين سكان إندونيسيا، واستمرار التوسع الحضري ونمو مستويات دخل الطبقة المتوسطة يجعلان آفاق النمو مواتية.

وبحلول 2030، تشير التقديرات إلى أن إندونيسيا ستضيف 90 مليون مستهلك جديد إلى اقتصادها، وسيبلغ حجم قطاع الخدمات 1.1 تريليون دولار، لكن المعهد قال إنّ تحقيق هذا النمو يتطلّب من إندونيسيا التخلص من إجراءات الحماية والإجراءات التنظيمية المفرطة، وتطوير البنية التحتية للنقل.

 

المصدر: arabicpost
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.