المسلمون في الغرب.. بين مصيبة الدين وضياع الذرية!

محمد الشبراوي حسن

من وقت لآخر، تتصدر أخبار عن الإسلام والمسلمين في الغرب وسائل الإعلام ومنصات التواصل المختلفة، يداعب كثيرٌ منها مخيلة الحالمين بالهجرة من المسلمين وغيرهم، وقد وصل بهم الأمر إلى بذل محاولات مستميتة فقد خلالها بعضهم أرواحهم غرقًا في البحر، أو عطشًا وجوعًا في الصحاري والغابات، لأجل الهجرة إلى الغرب بحثًا عن حياة أفضل، وأملًا في جنة الغرب المزعومة من وجهة نظرهم!

وقد ساهمت وسائل الإعلام على اختلافها بقصد وبغير قصد في توليد الرغبة لدى كثيرين لاقتناص فرصة الهجرة إلى الغرب والاستقرار فيه، عبر التركيز على إيجابيات -في مجملها مادية- وتغافلت عن السلبيات القاتلة، التي تحلق الدين وتمسخ العقيدة، وتنقلب على الفطرة الإنسانية.

كما ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على ترويج تلك الصورة، من خلال بعض من ذهبوا إلى الغرب، الذين يضخمون الإيجابيات على حساب السلبيات القاتلة، التي تحرق الدين والدنيا معًا، إذ غالبا ما يسلط هؤلاء الضوء على الجانب المادي مقارنة مع أوضاعهم وأوضاع كثيرين في بلادهم.

 

حقيقة أوضاع المسلمين في الغرب

فمن السماح في بعض المناطق في أمريكا برفع الأذان خارج المسجد عبر مكبرات الصوت في شهر رمضان، إلى إشهار إسلام أوربيين، وتقارير تشير إلى انتشار الإسلام وزيادة أعداد المسلمين في الغرب، إلى فوز نواب مسلمين بمقاعد في برلمانات غربية، وتولي مسلم رئاسة وزراء اسكتلندا، فهذه عينة من الأخبار الإيجابية التي راجت عن المسلمين في الغرب، ولكنها تخفي وراءها حقائق مرة.

فهناك الكثير من الحقائق المغيبة عن أوضاع المسلمين في أوربا وأمريكا، وخاصة ما يتعلق بأمر الدين والعقيدة، سواء بالنسبة للجيل الأول من المهاجرين المسلمين “جيل الآباء”، أو الجيل الثاني والثالث من الأبناء والأحفاد.

ويمكن القول: إن أوضاع المسلمين في الغرب تدور بين المصيبة في الدين بمسخ العقيدة وفقدان الهوية، والارتداد تماما عن الإسلام، إلا من رحم الله.

فمع ما يعيشه الغرب من عنصرية واضحة اتجاه المسلمين، زادت وتيرتها مع صعود الأحزاب اليمينية، فضلًا عن الإباحية، والحرية المنفلتة عن الفطرة، ومخاصمة الدين، وتقنين الشذوذ وتجريم وعقاب من يناهضه، فقد أصبح الغرب محرقة للمسلمين وذرياتهم، بل ولكل متمسك بالقيم السوية والفطرة السليمة.

 

هل يأمن المسلم على دينه وذريته في الغرب؟

على مدار سنوات تشكلت في ذهنية كثيرين، صورة إيجابية خلافا للواقع الفعلي حول الهجرة والعيش والاستقرار في الغرب، جعلت من أوربا وأمريكا وكندا فردوسا منشودا في نظر بعض أبناء الدول الإسلامية وغيرهم.

ومع غياب الصورة الحقيقية عن الحياة في الغرب، التي تكشف خطرا داهما على دين المسلم وعقيدته، يحاول كثيرون الهجرة إلى الغرب، خاصة مع تراجع الأوضاع الاقتصادية، ووجود الاضطرابات السياسية في بلدانهم، مدفوعين بتأثرهم بما راج عن الغرب والحياة فيه.

وقد استقطب الغرب منذ منتصف القرن العشرين كثيرين كانوا وقودا بشريا لإعمار البلاد الغربية، واستفادت منهم أمريكا وأوربا في شتى المجالات، وفي المقابل فقد غالبيتهم العظمى هويتهم، ومن بعدهم ذرياتهم.

ولذلك فالسؤال الأهم الذي يجب أن يطرحه كل من يفكر في الهجرة إلى الغرب، هو: هل يأمن المسلم على دينه وذريته في البلدان الغربية؟

هذا سؤال لا بد من أن يستحضره كل من يفكر في الهجرة والاستقرار والعيش مع أسرته في أوربا وأمريكا، أو في أي بلد آخر غير مسلم، لما لذلك من آثار وتبعات تتجاوز حدود الشخص ذاته إلى أبنائه وسائر ذريته من بعده.

وللإجابة عن هذا السؤال، فإن الشواهد التي لا حصر لها تقدم للسائل إضاءات كاشفة حول مآل دين وعقيدة وهوية المهاجرين إلى أوربا وأمريكا وكندا وغيرها من بلدان الغرب، والآثار والتبعات التي تتجاوز حدود الشخص ذاته إلى أبنائه وسائر ذريته من بعده.

 

مصيبة الدين.. حمزة يوسف وآخرون نموذجًا

في مارس/ آذار 2023 تطاير خبر تولي حمزة يوسف، المسلم ذي الأصل الباكستاني، رئاسة وزراء اسكتلندا، وحظي الخبر بدعم إعلامي غير مسبوق. لكن حمزة يوسف الذي احتفت وسائل الإعلام بكونه مسلمًا، ويمثل الجيل الأول من أبناء مهاجرين مسلمين إلى اسكتلندا، يدعم المثلية (الشذوذ الجنسي) والعلاقات المحرمة خارج إطار الزواج، ويؤكد أنه لن يسمح للمعتقدات بأن تكون أساسا للتشريع، وتلك مصيبة في الدين عظيمة، يُعد حمزة يوسف نموذجا واضحا لها، وينضم إليه فيها آخرون من برلمانيين وبرلمانيات في أمريكا وأوربا، ذوي أصول إسلامية، ويحملون صفة مسلم، لكنهم فقدوا هويتهم، فآمنوا بعدم صلاحية عقيدة الآباء للبيئة الغربية، وأصبحوا أبناء ثقافة بيئتهم الغربية، ولا يربطهم بعقيدتهم سوى الاسم الذي يحملونه، وذابوا في الغرب ذوبان الملح في الماء!

 

كارثة تهدد سلالة المسلمين في الغرب

في عام 2021 نُشرت دراسة عن واقع التدين بين أبناء الجيل الثاني ومن بعدهم من أبناء المسلمين في الغرب، وأشارت الدراسة إلى انتشار الإلحاد بين الشباب من الجيل الثاني فمن بعدهم. وقد ذكرت الدراسة أن حوالي ثلث الشباب من أبناء المسلمين في الغرب لا يؤمنون بوجود إله أصلًا. ورغم هذه الدراسة فإن واقع الحال ربما يتجاوز بمراحل التقديرات الواردة عن واقع التدين بين الأجيال المسلمة في الغرب.

تشير بعض الإحصائيات حول من هاجروا من المسلمين إلى الغرب وبلاد غير مسلمة، إلى أن نحو 96% ممن هاجروا منذ مئة عام لم تعد ذريتهم مسلمة، وأن 75% ممن هاجروا منذ ثمانين عاما، لم يعد أحفادهم مسلمين، ومن هاجروا منذ ستين عاما أصبح 40% من ذريتهم غير مسلمين، أما من هاجروا منذ أربعين سنة فقد أصبح 25% من ذريتهم غير مسلمين.

في صفحته على الفيس بوك، كتب سامر رمضان، وهو لبناني، يحمل الجنسية الأمريكية، ويقيم في أمريكا منذ أكثر من أربعين سنة، كتب يقول: إن ستة عشر حفيدا لجده من أصل ثمانية وأربعين أصبحوا غير مسلمين. كما أن هناك ثمانية وتسعين من أحفاد عائلة رمضان في الإكوادور أصبحوا مسيحيين.

 

خاتمة

إن الكثير من التجارب الموثقة للمسلمين في الغرب تؤشر إلى أنه من الصعوبة بمكان أن يحافظ المسلم على عقيدته وذريته. لقد ظن كثيرٌ من المسلمين في الغرب أنهم قادرون على تربية أبنائهم وفقًا لتعاليم الإسلام، إلا أن البيئة العامة، والشارع والمدرسة، أذهبت أدراج الرياح تلك المحاولات، وأصبح الجيل المولود في الغرب بعيدا كل البعد عن دينه وعقيدته. ولئن نجا الآباء من المهاجرين المسلمين إلى الغرب من مصيبة في الدين، فإنه من الصعب أن ينجو الأبناء، بل هم أقرب إلى أن تُمسح عقيدتهم.

{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}.

 

المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.