“الكرافة”.. تقليد إيزدي عابر للأديان

ردنا – تعتبر “الكرافة” من التقاليد الاجتماعية القديمة والفريدة من نوعها لدى أتباع الديانة الإيزدية، والتي ساهمت في نشر التعايش السلمي بينهم وبين باقي الأديان في العراق منذ مئات السنين عبر “أخوة الدم” التي تقضي تقديم الحماية والدعم بين مختلف المكونات.

ويتوزع أتباع الديانة الإيزدية على مناطق متعددة في شمال العراق، أبرزها منطقة جبل سنجار والقرى والبلدات التي تحيط بها، حيث كان يقدر عددهم قبل احتلال داعش للمنطقة، في أغسطس 2014، بأكثر من 270 ألفا. ويتوزع العدد المتبقي، والذي يتجاوز 250 ألفا، بين منطقة شيخان حيث يوجد معبد “لالش” المقدس لدى أتباع الديانة، ومجمعات شاريا وقرى أخرى في محافظة دهوك.

وتتميز الإيزدية بأنها غير تبشيرية لا يسمح بانضمام أفراد جدد إليها، إلا من ولد لأب وأم إيزديين، ولها نظام طبقي ديني ثلاثي لا يسمح فيه بالزواج فيما بين طبقاته.

يقول الباحث الإيزدي شكر خضر مراد، إن “الكرافة تمثل عادة اجتماعية غير دينية لدى الإيزديين. وترجع المصادر اسم الكريف إلى اللغات القديمة وتعني الأب الثاني أو أخوة الدم ولا يقل الكريف أهمية عن أي فرد من أفراد العائلة”.

وتهدف الكرافة إلى “ترسيخ العلاقات الأخوية بين الطبقات الاجتماعية الإيزدية، ومع المكونات الدينية في المناطق التي يسكنها الإيزديون من مختلف الديانات. يلتزم على أساسها الطرفان بحماية بعضهما البعض و الوقوف مع بعضهما في السراء والضراء”.

 

من هو الكريف؟

تتم الكرافة بأن يختار شخص أيزيدي رجلا من ديانته أو أية ديانة أخرى، ليشاركه في عملية ختان ابنه. يحمل الرجل الطفل الإيزدي في بين يديه، وبمجرد أن تنزل نقطة دم على ثوب الرجل، يصبح “كريفا” أو “أخ دم” لأب الطفل.

تتضمن الطقوس الختان “ارتداء الطفل والكريف أثواباً بيضاء اللون فيما يرتدي والد الطفل ثياباً غالية الثمن كتعبير عن الامتنان”. ويكون واجب الكريف خلال الاحتفال “وضع الطفل المختون في حضنه لحظة ختانه فتنزل قطرة أو أكثر من الدم على ثوب الشخص الأبيض ليتم بعدها دعوة والدي الطفل للدخول إلى المضافة التي يُمنع تواجدهم فيها خلال عملية الختن”.

وبعد دخول والدي الطفل إلى الغرفة المخصصة، “تأخذ الأم ثوب الرجل الأبيض الذي نزلت عليه قطرات الدم لتغسله وتسلمه له وبالمقابل يمنحها الكريف مبلغاً من المال هدية لها”.

وما إن يتم الانتهاء من هذه الإجراءات “حتى تبدأ الاحتفالات بعزف الموسيقى ورقص الدبكات التراثية وقد تستمر الاحتفالات لدى البعض لثلاثة أيام، ويتم خلال تلك الأيام رفع علم من ثلاث أو أربع قطع قماش مختلفة الألوان فوق الدار” يقول شكر خضر.

ويضيف أن طقوس الكرافة لا تنتهي “إلا بعد أسبوع من الختان، حيث تتبادل العائلتان الزيارة مصطحبين معهم الهدايا تعبيراً عن الامتنان والتقدير لبعضهما البعض”.

وبحسب الباحث الإيزدي العراقي، فإن أبناء الديانة الإيزدية ينقسمون إلى ثلاث طبقات دينية هي الشيخ والبير والمريد. ويُحرم الزواج بين طبقاتها، ويُسمح باختيار الكريف بين طبقة وأخرى ويُفَضل أن لا يكون الكريف من الطبقة الدينية ذاتها. وهذا يعود إلى أن “الكريف يصبح أخاً للعائلة الإيزدية ويُحرم عليه وعلى عائلته الزواج منها لسبعة أجيال كاملة لأنهم أخوة في الدم”.

 

نظام اجتماعي متين

تفرض فكرة الكرافة بحسب الباحث الاجتماعي محمد الحيالي على الكريف “أن يعامل كريفه من الديانة الأخرى معاملة الأخ الحقيقي وأحيانا تكون العلاقة أقوى احتراماً لهذه العادات والتقاليد المتوارثة”.

أما أهم ما يميزها فهي أنها “علاقة اختيارية وليست مفروضة على أي أحد مثل الأخوة بالولادة حيث يكون الإنسان حريصا جداً خلال اختيار الكريف الذي يمتلك مواصفات خاصة تؤهله ليكون جديراً بالثقة الكبيرة التي يتم منحها له”.

هذا النظام “تمكن لعقود طويلة من المحافظة على التماسك والاحترام داخل المجتمع. لذلك كان واحدة من أكثر الاشياء المؤلمة للأيزيدين أن بعض الكرفان ساهموا في اضطهاد أو انتهاكات ضد عائلة الكريف الإيزدي لأنه كان يعرف ممتلكاته وعائلته حق المعرفة”.

وفي المقابل، وجدنا “قصصا للكثير من الكرفان اللذين كانوا على قدر المسؤولية وقاموا بحماية كرفانهم من الإيزديين بعد ادعائهم أنهم من أقاربهم، وأحيانا وصل الأمر إلى ادعاء أمور وهمية مثل إقامة عرس لتهريب كرفانهم في ظل بطش هائل من داعش لكل من يتعاون أو يخبئ الإيزديين”.

 

المصدر: مواقع إلكترونية
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.