العلويون في تركيا ومحاولة الخروج من التهميش

ردنا – تحتدم المنافسة في تركيا على الفوز بمقعد رئاسة الجمهورية بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وكمال كليجدار أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري.

أثار أوغلو الجدل في أبريل الماضي عندما قال في تسجيل فيديو بُث على تويتر: “أعتقد أن الوقت حان لأناقش معكم موضوعاً خاصاً وحساساً جداً…. أنا علوي أنا مسلم مخلص”.

واعتُبر هذا الإعلان كسراً لأحد التابوهات التقليدية في تركيا. عانى العلويون الأتراك لفترات طويلة من تهميشهم، وعاشوا في عزلة سياسية إجبارية بسبب عدم اعتراف الدولة بهم.

فما هي أسباب الصراع القديم لهذه الطائفة مع السلطات التركية؟ وكيف يحاول العلويون الخروج من حالة التهميش السياسي والاجتماعي التي طالما تعرضوا لها؟

 

صراع مستمر مع السلطة

بدأ اضطهاد العلويين في الأراضي التركية في النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي. وصل السلطان سليم الأول لعرش الدولة العثمانية. ودخل في حرب شرسة ضد الشاه الصفوي إسماعيل الأول. في تلك الفترة، تم اتهام العلويين بدعم الجانب الصفوي. وقام العثمانيون بقتل الآلاف من العلويين في منطقة الأناضول وشمال سوريا.

يذكر محمد أمين غالب الطويل في كتابه أن العثمانيين استندوا لبعض الفتاوى التي أباحت قتل العلويين وأهدرت دمائهم. من أشهر تلك الفتاوى فتوى الشيخ نوح الحنفي، والتي جاء فيها: “اعلم أسعدك الله أن هؤلاء الكفرة والبغاة الفجرة جمعوا بين أصناف الكفر والبغي والعناد، وأنواع الفسق والزندقة والإلحاد، ومن توقف في كفرهم وإلحادهم ووجوب قتالهم وجواز قتلهم فهو كافر مثلهم… فيجب قتل هؤلاء الأشرار الكفار تابوا أو لم يتوبوا، ويجوز استرقاق نسائهم… ويجوز استرقاق ذراريهم…”. يذكر الطويل أن السلطان سليم قتل في تلك الفترة ما يقرب من 40 ألف علوي في حلب والأناضول وماردين وديار بكر.

استمر اضطهاد العلويين في الدولة العثمانية بعد انتهاء الحرب ضد الصفويين. وقد تسبب الارتباط بين الطريقة البكتاشية المعظمة لدى العلويين وفرق الجيش الإنكشاري في جر الويلات على العلويين الأتراك في القرن التاسع عشر الميلادي. وذلك بعدما قام السلطان محمود الثاني بحل الجيش الإنكشاري، وإغلاق جميع التكايا التابعة للطريقة البكتاشية داخل أنحاء الدولة.

يذكر رشيد الخيون في كتابه “النصيرية العلوية بسوريا” أن العلويين الأتراك استبشروا خيراً بسقوط الدولة العثمانية في 1924م. “وكان موقفهم إيجابياً من الحركة الكمالية إبان الحرب العالمية الأولى، بزعامة مصطفى كمال بأتاتورك. قادهم إلى ذلك موقف الدولة العثمانية السابق ضدهم، وأملا في أن يمثل إعلان الجمهورية نهاية لاضطهادهم، حتى نظروا إلى أتاتورك كمخلص، ففي مناسباتهم الدينية يضعون صورته إلى جانب صورة ترمز إلى الإمام علي بن أبي طالب”.

لكن على الرغم من ذلك، عانى العلويون أيضاً خلال الفترة الأخيرة من حكم أتاتورك. ففي أواخر ثلاثينات القرن العشرين، وقعت مذبحة ديرسيم، والتي تُنسب إلى محافظة ديرسيم الواقعة شرقي تركيا. وهي المنطقة التي ينحدر منها زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو.

كانت الدولة التركية في تلك الفترة تعمل على إذابة جميع الأقليات الإثنية والدينية بهدف الحفاظ على قوة الدولة الوطنية. اتخذ مصطفى كمال أتاتورك بعض القرارات في سبيل تحقيق هذا الهدف. من ضمن تلك القرارات، كان تهجير الآلاف من العلويين والأكراد المقيمين في محافظة ديرسيم ونقلهم إلى مناطق أخرى ذات أغلبية تركمانية سنية.

واعترض أبناء ديرسيم على تلك القرارات، وحمل المعارضون السلاح ضد قوات الجيش النظامي بعد أن تم إعدام بعض قادتهم. قُتل الآلاف من العلويين في الفترة الواقعة بين سنتي 1937م و1939م. واُتهمت الدولة التركية وقتها بارتكاب إبادة جماعية.

 

بين الاعتراف والتهميش

لا تتوافر تقديرات دقيقة لأعداد العلويين في تركيا حالياً. يذكر رشيد الخيون في كتابه أن عددهم يزيد عن خمسة عشر مليوناً، وأن نسبتهم تصل من 20 إلى 25% من مجموع السكان؛ وهو ما يجعلهم أكبر أقلية دينية في تركيا.

في الحقيقة، لا ينحصر العلويون في عرقية واحدة. بل يتوزعون بين الأتراك والأكراد والعرب. ويتركز وجودهم في إسطنبول والنواحي الجنوبية الشرقية مثل تونجلي، وملاطية، وسيواس، وكهرمان مرعش، وأرزنجان، وإيلازيغ، وهاتاي، وأضنة، ومرسين.

بدأ العلويون مجددا في رفع أصواتهم للمطالبة بحقوقهم في الدولة التركية العلمانية في سنة 1989م. يذكر الخيون أن مجموعة من مثقفي العلويين في تركيا أصدروا بياناً في مارس من تلك السنة، وأعلنوا فيه عن مجموعة من المطالب؛ ومنها ضرورة تطبيق مفهوم الدولة العلمانية بشكل كامل بما يمنع وجود أي تمييز يقوم على أساس عرقي أو ديني، وضرورة إلغاء التعليم الديني التقليدي الذي يُقدم في مراحل المدارس النظامية.

وطالب المثقفون العلويون في هذا البيان بضرورة توقف أجهزة الدولة التركية عن محاولات دمج الأقلية العلوية بشكل تعسفي، والاعتراف ببيوت الجُمع العلوية باعتبارها دوراً للعبادة مثلها في ذلك مثل المساجد والكنائس والمعابد اليهودية.

من جهتها، حاولت الدولة التركية أن تتقرب إلى العلويين. بدأ ذلك في سنة 2009م عندما أطلق أردوغان -أثناء توليه منصب رئاسة الوزراء- مبادرة  تحت شعار الانفتاح على العلويين. بموجب تلك المبادرة، عُقدت 7 ورش عمل بمشاركة مجموعة من كبار الزعماء العلويين في تركيا.

واستمرت المبادرة لمدة 6 أشهر كاملة. ونوقشت فيها “مطالب العلويين التي تتمحور حول الاعتراف القانوني بالهوية العلوية وتقنين بيوت الجُمع والمؤسسات العلوية”. في سنة 2011م، أقدم أردوغان على خطوة مهمة في سعيه للتقرب من الطائفة العلوية، عندما أعلن اعتذاره بشكل رسمي عن وقوع أحداث مذبحة ديرسيم، ووصفها بأنها “أكبر حادث مأساوي في الماضي القريب”.

في سبتمبر سنة 2013، أثيرت المسألة العلوية في تركيا مرة أخرى بعد أن وُضع حجر الأساس لمكان جديد للعبادة في أحد الأحياء الفقيرة بأنقرة. وُصف هذا المكان بأنه رمز للسلام بين الطوائف الدينية المختلفة في تركيا. ويتكون من مسجد سني تقام بجواره دار للجمع، وهو مكان العبادة عند العلويين.

لكن، رُفض هذا المشروع من جانب الكثير من الناشطين العلويين. ونشرت 11 مؤسسة علوية في تركيا والخارج بياناً ضد إنشاء المجمع، رافضة إياه باعتباره “مشروعاً لاستيعاب العلويين داخل الأغلبية السنية”. وقام مئات العلويين بالتظاهر في مكان هذا المشروع، ودخلوا في العديد من المناوشات مع رجال الأمن.

تسبب إحساس العلويين بتهميشهم من قِبل الدولة التركية في قيام الكثير منهم بمعارضة “حزب العدالة والتنمية” الحاكم. وذلك من خلال اللجوء إلى المظاهرات والاحتجاجات. على سبيل المثال، شاركت أعداد كبيرة من العلويين في حركة احتجاجات “ميدان تقسيم” في سنة 2013م. من جهة أخرى، انضم الكثير من العلويين في السنوات الأخيرة لحزب الشعب الجمهوري -الغريم التقليدي لحزب العدالة والتنمية- كما انضم بعضهم للأحزاب اليسارية الأخرى التي تعلن بشكل واضح عن توجهاتها العلمانية.

ظهرت أهمية الأصوات العلوية في الانتخابات الرئاسية التي تجري حالياً. يحاول كل من المرشحين المتنافسين أن يستقطب تلك الأصوات لصالحه. من جهة، أعلن أوغلو عن انتمائه العلوي، ومن جهة أخرى حاول أردوغان أن يتودد إلى العلويين من خلال بعض الزيارات التي قام بها في الشهور الأخيرة.

في أغسطس من سنة 2022، زار أردوغان زاوية ومتحف المتصوف الشهير “حاج بكتاش ولي” بولاية نوشهير وسط البلاد، كما زار بعدها أحد بيوت الجمع. وشارك في بعض الجلسات العلوية بمناسبة ذكرى عاشوراء.

 

المصدر: موقع إرفع صوتك + ردنا
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.