«عبقرية المسيح».. أسرار المعركة المجهولة بين المثقفين الأقباط والعقاد

ردنا – عاش الكاتب الكبير عباس محمود العقاد الجانب الأكبر من حياته مترجمًا وشاعرًا وناقدًا أديبًا، وفجأة وفى آخر ١٠ سنوات فى حياته اتجه لكتابة العبقريات والكتب الإسلامية التى حققت رواجًا كبيرًا وكانت «بيست سيلر» زمانها، وأغلبها ما زال يلاقى هذا الرواج.

ومن الكتب التى ضمتها سلسلة العبقريات كتاب «عبقرية المسيح»، الذى تسبب فى معركة كبيرة بين «العقاد» والطوائف المسيحية، وهو ما رصد أسرارها كتاب: «عبقرية المسيح.. المعركة المجهولة بين الأقباط والعقاد- وثائق تاريخية»، الصادر عن دار «روافد» للنشر والتوزيع، للكاتب روبير الفارس.

الكتاب يقع فى ثلاثة فصول موجزة. جاء الأول تحت عنوان: «المسيح والمسيحية فى فكر العقاد»، والثانى «العبقريات الأهداف والنوايا»، والثالث «أوراق المعركة المجهولة حول كتاب عبقرية المسيح والاتهامات التى وجهت للعقاد وردود العقاد عليها».

وفى تقديمه للكتاب، قال الدكتور أبواليزيد الشرقاوى، أستاذ الأدب الحديث، إن «نشر هذه الصفحات المطوية فى أضابير المجلات القديمة يعد خدمة للثقافة المعاصرة، وصورة للكثير من الجدل الذى قامت عليه الثقافة العربية المعاصرة، وتسجيلًا لأهمية الاختلاف الثقافى بين فئات المجتمع الواحد، ليس فقط الاختلاف الدينى، ولكن عموم الاختلاف، وربما كان الاختلاف الدينى أبرز هذه الوجوه وأشدها، وأضاف أن «الخصومة» هنا خصومة ثقافية، واختلاف الرأى يفتح المجال لأن ننظر من أكثر من مدخل، والحقيقة لها وجوه عدة، وما تظنه أنت وجه الحقيقة ليس بالضرورة يطابق تصوراتى أنا عنها. وفى الفصل الأول المعنون بـ«المسيح والمسيحية فى فكر العقاد»، نرى أنه قبل كتاب «عبقرية المسيح» ظهرت أفكار وتوجهات العقاد عن المسيح والمسيحية فى كتابه «الله»، الذى صدرت طبعته الأولى فى عام ١٩٤٧، ومن المهم التعرف على هذا التوجه قبل التعرض لكتابه «عبقرية المسيح».

فرؤية «العقاد» عن المسيحية يمكن إجمالها من خلال كتاب «الله» فى النقاط الآتية: أولًا: هناك حالة من انتظار المخلص سبقت ميلاد المسيح، وقد تحدث عن ذلك أيضًا فى كتاب «عبقرية المسيح». والمسيح فى كل كتابات «العقاد» هو رسول كما يؤمن كل المسلمين، يذكره ويقول: «عليه السلام» على غير الاعتقاد المسيحى المعروف.

ثانيًا: الحديث أيضًا عن الأناجيل يكاد يتطابق مع ما جاء فى كتاب «العبقرية»، خاصة ما كتبه حول «مواضع» الاتفاق فيها تدل على رسالة واحدة صدرت من وحى.

ثالثًا: دافع «العقاد» عن استخدام الكنيسة المناسبات الوثنية بتحويلها لأعياد مسيحية، فإكرام السيد المسيح فيها أجدر بالمسيحيين من إكرام الشمس والكواكب.

رابعًا: التعرض لفكر الفلاسفة وظهور البدع والهرطقات فيما يخص طبيعية المسيح وهو أمر لم يتعرض له فى العبقرية.

خامسًا: لم يتعرض «العقاد» بشكل مباشر لعقيدة المسيحية فى «الخلاص» و«صلب المسيح» لتحقيق خلاص البشرية أو «الخطيئة الأولى»، وهى محور جوهرى فى المسيحية، وهذا التجاهل أيضًا حدث فى كتاب «عبقرية المسيح»، وهو الأمر الذى يوضح حالة الرفض لفكر العقاد ناحية المسيحية والصليب، فهما أمران متلازمان وصنوان لا يفترقان، فأينما وحينما يرى الصليب مرفوعًا أو معلقًا، يدرك المرء أنه أمام مؤسسة مسيحية أو مؤمنين مسيحيين.

وحسبما قال الكاتب روبير الفارس: «ولا عجب فالصليب هو شعار المسيحية، بل هو قلبها وعمقها، لقد تأسست المسيحية على أساس الصليب وبالصليب، ولا نقصد بالصليب قطعتى الخشب أو المعدن المتعامدتين، بل نقصد الرب يسوع الذى علق ومات على الصليب عن حياة البشر جميعًا».

أما عن الأناجيل عند «العقاد»، فقال الكاتب: «وقد كرر أفكاره هذه فيما بعد فى كتابه، (عبقرية المسيح)، ويقول العقاد عنها: إن هذه الأناجيل لم تكتب فى عصر السيد المسيح، بل بعد عصره بجيلين، ولكن مواضع الاتفاق فيها تدل على رسالة واحدة صدرت من وحى واحد، ويؤكد لنا وحدة هذه الرسالة أن فكرة الله فيها لا تشبهها فكرة أخرى فى ديانات ذلك العصر الكتابية أو غير الكتابية». وحول المسيحية بعد الفلسفة كتب «العقاد» يقول: «أما المسيحية فقد تأخر تدوين كتبها وكان معظمها باللغة الإغريقية (اليونانية) فلا يطلع عليها سواد المسيحيين، هذا كتب إنجيل يوحنا فى أواخر القرن الأول للميلاد وفى صدره هذا التمهيد الذى يعده بعض الشراح توطئة الكتاب ويعده بعضهم الآخر جملة أصيلة فى الكتاب، وهو فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله هذا كان فى البدء عند الله كل شىء به كان، فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس، والنور يضىء فى الظلمة والظلمة لم تدركه». بينما جاء فى الفصل الثانى: «العبقريات الهدف والنوايا»، إن «العبقريات» بالذات رأى بعض الناس أنها معبرة عن إيمان «العقاد» بالفرد، وهذا عن الأسلوب والمضمون والكيف، ورأى آخرون أن «العقاد» كان ملحدًا، ولم يكن له مصدر دخل ثابت فوجدها فرصة للربح المادى، وهذا عن كثرة الإنتاج أو الكم.

وفى الفصل الثالث المعنون بـ«المعركة المجهولة بين الأقباط والعقاد»، سرد الكاتب تفاصيل المعركة التى كانت بين العقاد والطوائف المسيحية، وتعود إلى عام ١٩٥٣ عندما أصدر «العقاد» عن دار «أخبار اليوم»، كتابه المعروف «عبقرية المسيح»، وكان له صدى كبير فى الأوساط الإسلامية والمسيحية، وهذا الصدى تجسّد فى معركة فكرية أثارت ضجة كبيرة بين الطوائف المسيحية الثلاث الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية.

وأجاب روبير الفارس خلال صفحات كتابه عن سؤال مهم: «كيف استقبل الأقباط كتاب (عبقرية المسيح)؟» فعلى غير المتوقع شن عدد من الكهنة هجومًا على الكتاب، كان على رأسهم القمص سرجيوس خطيب ثورة ١٩١٩، فى مجلة «المنارة» المصرية.

وفى العدد الصادر من المجلة يوم ٢٤ يناير ١٩٥٣ جاء مانشيت «المنارة» على صفحتين بعنوان: «ملاحظات حول كتاب عبقرية المسيح»، وكتب فيها القمص سرجيوس مقالًا ضد «العقاد» قال فيه إن «الكتاب زلة للأستاذ العقاد، وإنه يبحث عن الرواج والمكسب المادى بعد نجاح كتابه (عبقرية عمر)»، ثم أبرز رفض المسيحية لوصف المسيح بـ«العبقرية»، وختم المقال برصد عدد من أقوال الفلاسفة والمفكرين عن شخصية المقال.

ثم نشرت مجلة «المشرق» الكاثوليكية مقالًا أيضًا يعقب على ما قاله «العقاد»، وتنتقد فيه الكتاب، وتناولت المجلتان المعركة بالأقوال والردود، هم يردون على «العقاد» و«العقاد» يرد عليهم عبر المنابر الإعلامية آنذاك. ومن ضمن ردود «العقاد» قوله: «إن الكتاب مقصور على غرض واحد وهو جلاء عبقرية المسيحية فى صورة عصرية نفهمها الآن، كما نفهم العبقريات على أقدارها وأسرارها».

ولم يصمت على تلك الانتقادات وكتب بعض الردود، ولكن هناك ردًا وصفه بـ«العملى»، وهو إصدار كتاب بعد المعركة بـ٥ سنوات عام ١٩٥٨ من طبعته الأولى باسم «حياة المسيح».

 

المصدر: صحيفة الدستور
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.