كيف أحيت طائفة البهرة تراث الدولة الفاطمية بمصر؟

ردنا – بعد بلوغها الهند وباكستان، وقبلهما اليمن، تعمل طائفة “البُهرة” المتمركزة في مومباي، بالتجارة بعيداً عن السياسة، وعلى يدها دخل الكثير من الهندوس، الإسلام، لتجوب مصر من القاهرة إلى أسوان، أقصى الجنوب، منذ السبعينيات لإحياء تراث دولتهم الفاطمية.

“أحفاد الفاطميين”، هكذا يصف المجتمع المصري تلك السلالة التي حكمت القاهرة إبان هذه الدولة، لأكثر من قرنين من 969 ميلادية، ليهزمها صلاح الدين الأيوبي عام 1174، وتُبهج أعمال الترميم الأخيرة التي نفّذتها في مسجد السيدة زينب، روح المصريين.

 

في حضرة “أم العواجز” و”رئيسة الديوان”

الأرضيات الرخامية المصقولة والفخمة، والألوان الزاهية والترميمات الأثرية التي باتت تُزيّن ضريح السيدة زينب ومسجدها العتيق وقبّته، أبهرت هذا الرجل الريفي ذا البشرة السمراء، بفعل أشعة الشمس والكدح بالأرض، ودفعته إلى أن يتأمّلها طويلاً.

في ضريح “رئيسة الديوان” و”أم العواجز”، السيدة زينب ابنة علي بن أبي طالب، وابنة فاطمة بنت محمد رسول الله، كما تسمّى بمصر تعظيماً وتبجيلاً لمكانتها، ستجد من يتعلق بالضريح في خشوع مردداً آيات القرآن الكريم، ومن يرفع يديه للسماء في لهفة لاستجابة مطلبه، وآخرين يغرقون في نوبة بكاء ونحيب من الخشية التي تعمّ المكان.

مسجد السيدة زينب

بخلاف ضريح “الطاهرة”، و”أم اليتامى”، وفق وصف المصريين، أعادت” البُهرة” التي تتوزّع  في ـ40 دولة، ولها تقويم قمري خاص، ترميم مقامات “آل البيت” كأضرحة الإمام الحسين، والسيدة فاطمة النبوية؛ والسيدة نفيسة؛ والسيدة رقية، وتطوير مساجد عمرو بن العاص، والظاهر بيبرس، والحاكم بأمر الله، وجامع سليمان باشا الخادم، وغيرهما، وفق خبراء الآثار المصريين.

 

البهرة وترميم مساجد مصر

يقيم المنتمون للبُهرة في منطقة القاهرة الفاطمية ولهم بيوت خاصة يسمّونها “جماعات خانا”، يعقدون فيها اللقاءات العامة، أما احتفالاتهم الدينية فتكون قي ميدان الجمهورية في حي المهندسين، وتقدّر أعدادهم بنحو 15 ألفاً، كما يعيشون في منطقة المهندسين خصوصاً في شارعي البطل أحمد عبد العزيز ومحيي الدين أبو العز.

وطقوس البُهرة، التي بينها الطواف في المساجد وتلاوة الأدعية الخاصة بهم مع شروق الشمس، وفق فؤاد، تشمل الاحتفال بمولد زعيمهم محمد برهان الدين سلطان في 11 آذار/مارس من كل عام، داخل مسجدي الحاكم بأمر الله والأقمر بالزي الباكستاني، ويذهبون إلى مكة للحج.

وإلى جانب عيدي الفطر والأضحى يحتفلون بالمولد النبوي الشريف وبيوم غدير خم (يوم الـ 18 من شهر ذي الحجة الحرام)، وإحياء ذكرى عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين، في مساجد الحاكم بأمر الله والجيوشي والحسين.

 

حبّ المصريين لـ”سيّد الشهداء”

في منطقة القاهرة الفاطمية، وفي رحاب “سيد الشهداء” و”ريحانة النبي”، كما ينادونه المصريون، تسرى بجسدك قشعريرة يشعر بها كل من يضع قدميه داخل مسجد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، من عظمة ورفعة مقام صاحبه، فلا تشعر إلا ودموعك تتساقط.

مسجد الإمام الحسين

وبرفقة السلطان مفضّل سيف الدين، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في آب/أغسطس 2022، مسجد الإمام الحسين في حلّته الجديدة، ليستعيد بريقه التاريخي، في أعقاب حريق قرب ساحته.

 

“سيدة العلوم”

تاريخ طويل للمسجد، الذي افتتحه الرئيس المصري برفقة سلطان البُهرة في آب/أغسطس الماضي بعد تجديده، إذ إن أول من بنى على قبر السيدة نفيسة، عبيد الله بن السري والي مصر بزمن الدولة العباسية، وشكله الحالي مستوحى من العمارة المملوكية ويعود إلى عهد الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892، وبعهد الرئيس الأسبق أنور السادات، عام 1972 أضيفت أعمال رخامية له.

ووفق وزارة الأوقاف المصرية، تم إنشاء وترميم نحو 11 ألفاً و887 مسجداً بمعاونة طائفة البُهرة، أشهر الطوائف الإسلامية، والتي أُخرجت من مصر عقب هزيمة الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي عام 1174.

ويقول الخبير الأثري محمود الراوي، إن السلطات المصرية سمحت للبُهَرَة منذ 40 عاماً بالتملّك داخل مصر وإقامة فنادق خاصة بها وترميم مساجد الدولة الفاطمية مثل مسجد الحاكم بأمر الله بشارع المعز لدين الله الفاطمي، مضيفاً: “لهم علاقات تاريخية مع القاهرة، وجهود كبيرة في ترميم الأضرحة التي يعشقها المصريون، وهي طائفة تحيي تراث الفاطميين، الذين حكموا مصر ثلاثة قرون ويجاهرون بأنهم من سلالتهم”.

مسجد السيدة نفسية

لقد ساهم الدعم السخي الذي قدّمته البُهرة للحكومة المصرية، وفق الرواي، بترميم نحو 11 ألفاً و887 مسجداً، وتجديد مبانٍ تراثية وأثرية من مقامات آل البيت، وبينها الأقمر، السيدة زينب، ومقصورة السيدة رقية والسيدة نفيسة والإمام الحسين والجامع الأزهر، وعلي زين العابدين.

رئيس قطاع الآثار الإسلامية في المجلس الأعلى للآثار، أبو بكر عبد الله، يقول إن مصر تتبنّى مشروعاً قومياً لإنشاء مسار لزيارة مساجد آل البيت، لإحياء المناطق الدينية والتاريخية والأثرية بالقاهرة الفاطمية، وسيضم السيدة نفيسة والسيدة سكينة وعائشة وزينب، وفاطمة النبوية وصولاً إلى مسجد الإمام الحسين وبعض الآثار الإسلامية مثل مسجد أحمد بن طولون، وقبّة الأشرف بالتعاون مع البُهرة.

ويضيف أنّ المشروعات كافة هي بإشراف “مؤسسة مساجد”، التي يترأسها مفتي مصر الأسبق علي جمعة، وتنفيذ وإشراف المجلس الأعلى للآثار وشركات مصرية.

 

المصدر: الميادين

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.