تعرف علی مذاهب الدین اليهودی
موقع أخبار الدين – يتوزع اتباع اليهودية منذ زمن بعيد في فرق تختلف نظرتها إلى العهد القديم . ومنها ما يختلف حول قبول الشريعة الشفوية التي يتم تدوينها في التلمود ومن موضوعات الخلاف عندهم كذلك موضوع القيامة واليوم الآخر .
والفرق اليهودية ليست على مستوى واحد من حيث الانتشار والاتباع، فمن هذه الفرق من بقي اتباعها بالمئات، ومنها من اتباعها بالملايين، ومنها من انقرضت ودخلت في ديانات سماوية أخرى أو ذاب أتباعها في فرق يهودية أخرى . وقد ظهرت الفرق اليهودية المعروفة بعد الرجوع من بابل، وأما الفرق الأكثر قدماً فلا تتوفر معلومات كافية عنها . والفرق اليهودية التي ظهرت على المسرح هي :
1 ـ الفريسيون :
أصلها “فروشيم” أي المنفصلون، وقد تكرر اسمهم في الأناجيل الأربعة محاولين الوشاية بعيسى لقتله، ظهرت هذه الفرقة قبل نحو قرنين من ميلاد المسيح، وهم يشكّلون الآن غالبية اليهود، ويرجع أصل هذه الفرقة إلى فرقة حسيديم أي الزاهدين
التي ظهرت في القرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد . ويمكن أن نجمل عقيدة هذه الفرقة بما يلي : نزهت الله عن الجسم والصفات الجسمانية، واختارت حلاً وسطاً في الإرادة الإنسانية، واعتقدت بالبعث والعدل الإلهي، وأولت أهمية للصلاة وسائر العبادات، وآمنت بالتوراة الشفوية التي جمعت في التلمود (1).
2 ـ الصدوقيون :
كان الصدوقيون طبقة ارستقراطية عريضة الثراء عظيمة النفوذ السياسي والديني، وتمتاز بأنها مالت إلى الاعتقاد بجسمانية الله، كما وأنكرت الحياة الآخرة والحساب والجنة والنار . وأنكرت وجود الملائكة والشياطين، ورفضت غير التوراة المكتوبة . وتتحدث نصوص الأناجيل عما تعرض له السيد المسيح عليه السلام من مكائد وغدر الصدوقيين . ولم يبقَ لهذه الفرقة أثر بعد تدمير أورشليم عام 70 م .
3 ـ السامريون :
فرقة يهودية قليلة الاتباع لكنها لم تزل حية حتى يومنا هذا . تقوم عقيدتهم على الإقرار بوحدانية اللّه، ونبوءة موسى ، والإيمان بيوم الدينونة، ويتميزون عن باقي الفرق بأنهم لا يعترفون بغير الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم . وهذه الأسفار هي المنسوبة إلى موسى عليه السلام ، والتي تعرف مجتمعة باسم التوراة .
يعتقد السامريون أنهم الصفوة المتبقية من بني إسرائيل، وأنهم حماة التوراة، والعاملون بما جاءت به، وأنهم المختارون من اللَّه، وأنهم البقية من أولاد يعقوب عليه السلام . وهم يفترقون عن سائر اليهود في قضية أساسية هي موقع الهيكل واتجاه القبلة . ويقولون إن اللَّه تعالى أمر داود أن يبني بيت المقدس بجبل نابلس، وهو الطور الذي كلّم اللَّه عليه موسى عليه السلام فتحول داود إلى إيلياء وبنى البيت فيها، وخالف الأمر فظلم، والسامرة توجهوا إلى تلك القبلة دون سائر اليهود، ولغتهم غير لغة اليهود، وزعموا أن التوراة كانت بلسانهم وهي قريبة من العبرانية فنقلت إلى السريانية .
4 ـ القرّاؤون :
هذه التسمية مشتقة من المصدر العبري قُرُأ ومعناه قرأ أو دعا .وهؤلاء لم يؤمنوا بغير المُقرا، ولذلك رفضت هذه الفرقة كل أدبيات اليهود وكتبهم بما فيها التلمود، وأخذت موقفاً سلبياً ومعارضاً للأحبار واتهموهم بأنهم الذين ألّفوا التلمود بقسميه .
وقد أسست هذه الفرقة بعد بزوغ الإسلام، أسسها عالم يهودي في عصر المنصور الدوانيقي، وصاحَبَ أبا حنيفة، وكان أكثر القرّائين في القرون الماضية يقيمون في ربوع العالم الإسلامي، وأما اليوم فيقطن أغلبهم بالإضافة إلى فلسطين في روسيا وأوكرانيا ودول أخرى .
5 ـ الإسينيون :
هذه الفرقة ظهرت بين يهود فلسطين في القرن الثاني قبل الميلاد، وانقرضت بعد تدمير اورشليم شأنها في ذلك شأن الصدوقيين ومن الأسماء التي تطلق على أتباعها غير “الإسينيين” تسمية الأطهار .
ومن أهم ما تتميز به هذه الفرقة أنها تحرّم الملكية الفردية والزواج والاغتسال عدة مرات في اليوم، وإقامتهم كانت غالباً في مناطق نائية في المغاور والكهوف، ومعاشهم كان من الرعي والزراعة، وكانوا يمارسون كل صباح عادة الاغتسال بمياه الينابيع، ومع مجيء المسيح عليه السلام آمن الإسينيون به وبدعوته، لكنهم بعده رفضوا أن يعترفوا بدعوة بولس للمسيحية، وظلوا متمسكين بالنواميس اليهودية، وبعد تدمير الهيكل عرفوا باسم المسيحيين اليهود أو الأبيونيين .
جذور اليهود المعاصرين :
تشير الدراسات التاريخية إلى أن قلة من اليهود هم من سكان الأرض العربية تاريخياً وأما الأغلبية الباقية فهي إما أنها من يهود الخزر، أو يهود الاشكناز من التشكيل الحضاري الجرماني، أو سفارد ينتمون إلى التشكيل الحضاري اللاتيني . إن تعبير أشكناز عرف به يهود ألمانيا في القرون الوسطى خاصة في منطقة ماينز وفورمز على ضفاف نهر الراين . وتعبير سفارد ويقابله أحياناً تعبير يهود شرقيون فيشمل يهود أسبانيا في القرون الوسطى مع بعض يهود حوض البحر المتوسط .
ولكن ما يجب أن نعلمه هو أن يهود اليوم بنسبة 92 بالمائة هم من سلالة الخزر . يقول بنيامين فريدمان في هذا الأمر : إن من يزعمون أنفسهم يهوداً، المتحدرين تاريخياً من سلالة الخزر، يشكلون أكثر من 92 بالمائة من جميع من يسمون أنفسهم يهوداً في كل مكان من العالم اليوم . والخزر الذين أنشأوا مملكة الخزر في أوروبا الشرقية، أصبحوا يسمون أنفسهم يهوداً بالتحول والاعتناق سنة 720 م، وهؤلاء لم تطأ أقدام أجدادهم قط الأرض المقدسة في تاريخ العهد القديم (2).
ومحط الاهتمام ربما ينبع من أن تهود الخزر، كأكبر كتلة بشرية دخلت اليهودية في تاريخها كله وحتى يومنا هذا، هو عامل من عوامل هذا الاهتمام، عطفاً على أنها شكلت موقع جذب لليهود يومها كما يقول المسعودي :
فأما اليهود فالملك وحاشيته والخزر من جنسه، وكان تهود ملك الخزر في خلافة هارون الرشيد، وقد انضاف إليه خلق من اليهود وردوا عليه من سائر أمصار المسلمين ومن بلاد الروم (3).
ويقول آرثر كيستلر : على الأرجح في سنة 740 م اعتنق ملك الخزر وحاشيته والطبقة العسكرية الحاكمة الديانة اليهودية، وأصبحت اليهودية الدين الرسمي لدولة الخزر (4).
هذه الكتل البشرية المتهودة ليست سامية وفق أسطورتهم الواردة في سفر التكوين عن أولاد نوح، ولا هم من أصحاب الحق التاريخي المزعوم . إن معظم يهود اليوم في الولايات المتحدة الأميركية وفي عموم أوروبا الشرقية هم من أصل خزري .
وبعد سقوط مملكة الخزر مع اطلالة القرن الحادي عشر الميلادي، توزع يهودها في أوروبا الشرقية، ومن هناك كانت هجرات اليهود إلى أميركا بعد اكتشافها في العصور الوسطى .
إن يهود اليوم في غالبيتهم المطلقة، هم من أصل خزري ومن أصل ألماني اشكناز وحتى السفارديين فيهم من كانوا غير عرب ولا ساميين بحكم إقامتهم في إسبانيا . وبهذا يسقط الادعاء اليهودي بسامية لا سند لها (5).
الفرق اليهودية المعاصرة
بعد هجرة اليهود إلى أوروبا وسكناهم فيها تعرضوا للاضطهاد من قبل المسيحيين بحجة أنهم هم الذين قتلوا السيد المسيح وأنهم لم يؤمنوا بالمسيحية وذلك جزاءً لهم في الدنيا قبل الآخرة . وعلى أساس هذه النظرة المسيحية نشأ نظام الجيتو المخيمات بالنسبة لليهود، حيث كان عليهم أن يعيشوا في أماكن خاصة بهم، ولا يحق لهم العيش في مناطق المسيحيين .
لقد كان على الفرد اليهودي الخضوع لمقررات سلطة ذلك الجيتو المتمثلة بالحاخام أو مجلس الربابنة علماء اليهود المسمى ببيت الدين، ولم يكن بإمكان الفرد اليهودي الخروج عن هذا النظام وإلا فإنه سوف يعتبر من قِبل الدولة رجل حرب وأول ما يتعرض له هو مصادرة جميع أملاكه وصيرورته بعد ذلك عرضة للقتل . وهذا ما جعل اليهود يعيشون حالة العزلة والانفصال عن المجتمعات من حولهم، والالتزام بمقررات الحاخامات المبتني على أساس التلمود والعهد القديم .
عصر التحرير
بدأ عصر التحرير لليهود من الجيتو في زمان الثورة الفرنسية في القرن السابع عشر والثامن عشر حيث اعتبر اليهود على أساس وثيقة حقوق الإنسان والمواطن مواطنين فرنسيين لهم كل حقوق المواطن وعليهم جميع واجباته، وبعد ذلك استمرت إجراءات التحرير في بقية دول أوروبا حتى سنة 1870 ، حيث حرر جميع اليهود .
مشاكل عصر التحرير
الحالة الاجتماعية الجديدة لليهود فرضت عليهم العديد من التحديات والمشاكل الجديدة التي ينبغي مواجهتها، ومن هذه المشاكل :
المشكلة الأولى :
إن تحرير اليهود إنما كان نتيجة للاتجاه العلماني في الغرب وإقصاء الدين من الحياة، مع أن الفكر اليهودي لا يرى السياسة أو الاجتماع أو غيرها من مجالات الحياة منفصلة عن الدين .
المشكلة الثانية :
إن الفرد اليهودي قبل التحرير كان يعيش ضمن نظام الجيتو كعضو منتسب، وأما بعد التحرير فكان عليه أن يعيش كعضو في الأمة القومية والبلد الذي يعيش فيه، وهذا بالتالي سوف يؤدي إلى انصهاره في ذلك الشعب وبالتالي تخليه عن الكثير من الأفكار اليهودية كاعتباره إنساناً أفضل من بقية الشعوب من حيث العرق، أو خضوعه لسلطة الدولة، مع أن الفكر اليهودي يرفض الخضوع لغير الأوامر الربانية أو التلمود . . . ومن هنا طرح هذا السؤال” كيف يمكن لليهودي أن يحافظ على مكاسب التحرير مع الحفاظ على وحدة الأمة اليهودية”
أي عدم تفتتها وانصهارها في المجتمعات الجديدة .
المشكلة الثالثة :
إن اختلاط اليهود بالمسيحيين جعلهم يواجهون مشكلة أخرى وهي مسألة كيفية العيش مع النصارى من حيث المأكل والمشرب والطهارة والزواج وغيرها من الأمور التي كانت تشكل مشكلة للفرد اليهودي، ومن هنا طُرح سؤال جديد، وهو هل يقبل الدين اليهودي للتطور وهل يمكن إلغاء تلك التشريعات أو تعديلها .
المشكلة الرابعة :
مشكلة الكتاب المقدس، حيث تعرض الفكر الديني اليهودي والمسيحي في القرن التاسع عشر للنقد العلمي على أثر الاكتشافات التاريخية والآثار، بالإضافة إلى انتشار الفكر العقلاني، فأصبح الكتاب المقدس مشكلة، فما معنى أن يكون العهد القديم كتاب وحي مليئاً بالأخطاء الحسابية والجغرافية والعلمية . . .
وعلى اثر تلك المشاكل برزت الفرق اليهودية الجديدة حيث تبنت كل فرقة إجابة على تلك الأسئلة ومحاولة حل لتلك المشاكل .
الملة الإصلاحية
في سنة 1880م عقد مؤتمر الإصلاحيين في مدينة بيشبرغ، عرض فيه مبادئ الملة ليتبناها المؤتمر كدستور نهائي لحركة الإصلاح، حوت ثمانية مبادئ :
1ـ إن الكتاب المقدس لهو أعظم وثيقة خلقها الإنسان .
2ـ الكتاب المقدس وثيقة يسجل فيها الشعب اليهودي تكريس نفسه لتحقيق رسالته ككاهن للإله الواحد، إنه أقوى معبّر عن المعاني الدينية والأخلاقية .
3ـ لا صلاحية ضرورية لأي شي في الكتاب المقدس سوى القانون الأخلاقي والشعائر التي تقدس الحياة، وأما التشريعات المخالفة للعصر فهي مرفوضة .
4ـ لا يقام أي وزن للتشريعات اليهودية في المأكل والمشرب أو في ملبس وطهارة الكهنة .
5ـ تأوّل نظرية المسيح المنتظر التقليدية على أنها نظرية الأمل الإنساني العالمي لتحقيق الحق والعدالة والسلام بين البشر جميعاً .
6ـ الدين اليهودي دين يسعى لموافقة مبادئه وأركانه مع مفترضات وملزمات العقل .
7ـ مع الاحتفاظ بمبدأ أزلية الروح ينكر المؤتمر المبدأ القائل ببعث الأجساد وبالعذاب بعد الموت .
8ـ عملاً بروح التشريع الموسوي لا بحرفه يعتبر المؤتمر المساهمة في الواجب الكبير لحل مشاكل العالم الحديث الاجتماعية على ضوء العدالة أمراً لازماً على جميع الإصلاحيين .
الملة الأرثوذكسية
في مقابل الملة الإصلاحية هناك الملة الأرثوذكسية التي تتلخص مبادئها بما يلي :
1- الدين اليهودي ليس عقيدة كما هو الحال في المسيحية، والخلاص أو الفلاح ليس بالإيمان بل بالعمل، فالدين اليهودي نظام حياة قبل أن يكون عقيدة .
2- مصدر التوراة هو الله فهو صانعها ومؤلفها وكاتبها حرفاً بحرف . . . وكذلك الشفهية التي دونت في ما بعد في التلمود .
3- التوراة أزلية تطبق على مدى العصور وفي جميع الأمكنة بدون أي تغيير أو تبديل .
4- على اليهودي أن لا يستنتج من المبدأ السابق أنه لا يمكن التعايش مع غير اليهود أو مع العصر الحديث، بل التوراة تأمر به بشرط أن ينصاع كل شيء إلى مبادئها وقوانينها .
الملة المحافظة
المحافظون قبلوا التغيير ولكن ليس على نطاق واسع بحيث يؤدي إلى إلغاء التوراة والتلمود من الحياة، فهم خالفوا الإصلاحيين من ناحية إلغاء الإصلاحيين للتوراة، وخالفوا الأرثوذكس من ناحية أنهم وافقوا وقبلوا بتغيير بعض الأمور .
إن المدار في قبول شيء عندهم هو إجماع الملة اليهودية، وهذا الإجماع كافٍ في إعطاء ذلك الشيء قداسة وشأناً ومنزلة وإن كان ذلك الشيء ليس سماوياً . ومن مبادئ الملة المحافظة :
1- لا بد من إقامة الصلوات والوعظ باللغة التي يفهمها المصلون .
2- يجب حذف القراءات المطولة وأناشيد الخلاعة من الصلاة وجعل الطقوس الأخرى بشكل رزين يتفق مع التعبد .
3- يجب التقيد بالقوانين المأكلية والطقوس السبتية لكي يدخل الدين إلى الحياة العائلية .
4- الأمة اليهودية كشعب يعي ذاته ويجمع على تعريف نفسه كثالوث يتألف من الشعب الإسرائيلي والتوراة والإله، فهذه المقومات متساوية ولا يتصور أحدها بدون الآخر، فالتوراة والتلمود وإن لم يكن سماوياً ولكنه للإجماع عليه يمثل احد مقومات الدين اليهودي .
5- إن أي تغيير أو زيادة لا بد أن تقوم على أساس دراسة التاريخ اليهودي واستخراج المعاني والقيم التي حققها السلف لكي يعاد صياغتها بشكل جديد يتناسب مع العصر .
6- جمع اليهود ضمن إطار واحد والإبقاء على تنوع أفكارهم الدينية وحاجاتهم الاجتماعية .
المصادر :
1- دروس في تاريخ الأديان، تأليف حسين توفيقي، نشر المركز العالمي للدراسات الإسلامية .
2- يهود اليوم ليسوا يهوداً : اعداد زهدي الفاتح، ص 44.
3- مروج الذهب، ج1، ص 178.
4- القبيلة الثالثة عشرة ويهود اليوم، ص23.
5- من اليهودية إلى الصهيونية : د . أسعد سحمراني، ص40 .