هكذا تشوّه وسائل التواصل الاجتماعي الأمومة
موقع ردنا – نشرت صحيفة “ذا تايمز” البريطانية تقريرًا تحدثت فيه عن تأثير منصات التواصل الاجتماعي مثل “تيك توك” و”فيسبوك” على تصورنا للأمومة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21 لايت”، إن منصات التواصل الاجتماعي غيرت على امتداد العقدين الماضيين الطريقة التي نرى بها الأمومة ونتحدث عنها. وقد أظهر تحليل أجرته صحيفة “ذا تايمز” أنه من بين أحدث 100 موضوع على موقع “مامز نت” حول تربية الأطفال، تحدثت حوالي ثلاثة أضعاف عدد المشاركات بشكل سلبي عن الأطفال.
ومن مظاهر تشويه صورة الأمومة حقيقة أن مقاطع النساء على “تيك توك” اللواتي يتحدثن عن ندمهن على إنجاب الأطفال حصدت أكثر من نصف مليون مشاهدة، في حين انضم 54 ألف مستخدما على “فيسبوك” علنًا إلى مجموعة “أنا نادم على إنجاب الأطفال”.
مع ذلك، إذا حاولت البحث عن بعض الإيجابيات عبر الإنترنت حول إنجاب طفل، فقد تجد شيئًا يجعلك تشعر بالسوء أكثر وهو صور نساء جميلات يمجّدن فضائل الأمومة ويحتضن صغارهن. وهذه الصور المعدلة تغمر “إنستغرام” و”تيك توك” لتضيف ضغطًا غير ضروري للأمهات، وتؤدي إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق لأولئك الذين يشاهدونها.
وأشارت الصحيفة إلى أن هناك بالطبع حسابات صادقة وواقعية ناشئة لمحاولة معالجة هذا الاتجاه السائد، لكنها لا تزال تمثّل غالبية المحتوى المرتبط بالأمومة. ربما ليس من المستغرب أن يتزامن هذان التصوّران المستقطبان للأمومة مع ظاهرة إعراض النساء عن إنجاب الأطفال، إذ أن نصف النساء البريطانيات اللاتي بلغن الثلاثين من العمر حاليا لم ينجبن أطفال – وهو رقم قياسي. كما تظهر الأرقام من مكتب الإحصاء الوطني أن 19 بالمئة من النساء لم يُنجبن أطفالًا رغم بلوغهن سن 45.
بطبيعة الحال، لا يمكن إنكار حقيقة ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال والإسكان مما يجعل الشباب أقل إقبالا على إنجاب الأطفال بلا شك. ولكن مع قضاء المواطن البريطاني العادي ثلاث ساعات ونصف الساعة يوميًا على منصات التواصل الاجتماعي، لا بد أن يكون لهذه المنشورات تأثير على نفسيته.
يعتقد الدكتور لوتشيانو فلوريدي، أستاذ الفلسفة وأخلاقيات المعلومات بجامعة أكسفورد، أنه لا ينبغي التقليل من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على قراراتنا الواقعية”. وعلى عكس ما نسمعه، فإن خيارات الناس مرنة للغاية.
تتمثل إحدى نقاط القوة الهائلة في عقول البشر في أنها مرنة، ويمكنها التكيف والتغيير بسهولة. لكنها تمثّل نقطة ضعف أيضا في مواجهة “نظام مؤثر” مثل وسائل التواصل الاجتماعي التي تحاول باستمرار التأثير على تفكيرك وسلوكك بعمق”.
ويوضح فلوريدي أنه “لا يجب التقليل من قوة تأثير هذه المعلومات عند التعرض لها يومًا بعد يوم. فعواقبها أعمق بكثير، وهي تؤثر على اختيار إنجاب الأطفال، واتخاذ قرار بشأن وظيفتك، وحتى قراراتك السياسية. نحن حاليًا نمر بأكبر تجربة اجتماعية يمكن تخيلها على الإطلاق”.
من جانبها، تقول الدكتورة آمي أوربن، أخصائية علم النفس التجريبي وقائدة المجموعة في وحدة الإدراك وعلوم الدماغ بجامعة كامبريدج، إن “المعلومات التي نراها على الإنترنت غالبًا ما تكون متطرفة. تستقطب وسائل التواصل الاجتماعي المعلومات التي تزودنا بها بناء على الخوارزميات التي تتغذى على مصادر اهتماماتنا. وآلية تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على السلوك مشابهة جدًا لكيفية تأثير السلوك غير المتصل، مثل رأي الصديق، على خياراتنا، لكن الخوارزميات تملي المعلومات التي نحصل عليها، لذا فهي تغير الأساس الذي نتخذ وفقه القرارات”.
وذكرت الصحيفة أنه علينا أن نتذكر أن هذه المنشورات عبر الإنترنت حول الأمومة ليست حقيقة واقعة في كثير من الأحيان. وما تفشل لقطات الأمومة على منصات التواصل الاجتماعي في مراعاته هو المعنى والهدف الذي يمكن أن يضيفه إنجاب الأطفال إلى حياتك.
وفقًا لآخر مسح وطني للسعادة أجراه مكتب الإحصاء الوطني، فإنه على الرغم من أن إنجاب الأطفال لا يجعل الناس أكثر سعادة، إلا أنه “يجلب إحساسًا متزايدًا بالمعنى والهدف لحياة الناس”. وعلى نحو مماثل، وجدت دراسة حديثة في علم النفس الإيجابي أنه كلما زاد الوقت الذي يقضيه الناس في رعاية الأطفال، أصبحت حياتهم ذات مغزى.
وفي الختام، خلصت الصحيفة إلى أن إدراك الصعوبات والإيجابيات المحيطة بالتربية أمر مهم، فنحن بحاجة إلى الانتباه حول ما نستهلكه عبر الإنترنت. يمكن أن تكون الأمومة على منصات التواصل الاجتماعي أدائية للغاية. ينشر الأشخاص مشاكلهم العميقة، ولحظاتهم الجميلة، وتواكب الخوارزميات ذلك، سواء كان إيجابيًا بشكل غير محتمل أو سلبيًا بشكل مؤلم. وبالنسبة لمعظم الناس، تقع حقيقة إنجاب الأطفال في مكان ما بينهما.