الدول العربية والسعي وراء بناء نظام إقليمي جديد

 بوابه ردنا للأخبار الدینیه – شهدت منطقة الشرق الأوسط طيلة الأشهر المنصرمة عدة احداث تدل على توجهات جديدة تتبناها دول المنطقة لمواجهة التحديات، التي قد تغير ملامح النظام الجيوسياسي الإقليمي. إذ لم يمر أسبوع ولم نسمع خبرا عن الاتفاقيات والتفاهمات الاقتصادية بين دول المنطقة، تدور رحاها حول المشاريع الاقتصادية العملاقة، إذ أبرمت الأسبوع الماضي الأردن والإمارات اتفاقيات حول أزمة المناخ وإنتاج الطاقة الشمسية وبناء منشآت لتحلية المياه مع الكيان الصهيوني، إضافة إلى هذا فان وزير الخارجية الإماراتي قد سافر الأسبوع المنصرم إلى سوريا وافتتح سفارة الإمارات في دمشق ووقع على اتفاقيات اقتصادية مع سوريا، هناك مثل قديمي يتداوله السياسيون في العالم العربي مفاده: “لا سلام من دون سوريا ولا حرب من دون مصر” ويبدو ان بعض الدول في المنطقة، قد استوعبت مفهوم هذا المثل في وضع سياساتها العملية في المنطقة، مع ان بعض المحللين يذهبون إلى ان تغيير توجهات الإمارات تجاه سوريا يأتي لمواجهة سياسات تركيا وقطر، لكن يجب القول بان التقارب الإماراتي السوري ومحاولة إعادة دمشق إلى جامعة الدول العربية، يعرض إيران للخطر في الكثير من الجوانب.

مع ان بشار الأسد كان واثقا من تحقيقه الانتصار في الحرب إلا ان قادة الدول العربية كانوا يتسابقون في دعم المتمردين، لكنهم اليوم يحاولون ان يكتبوا نجاحات انتصار الأسد في الحرب وانجازاته باسمهم ومن جهته فان الأسد يتابع تحقيق هذه المقاربة، وفي هذا المجال تطالب الكثير من الدول العربية بإقامة علاقات مع سوريا ومساعدتها في إعادة إعمار البلد، من جهة أخرى نشاهد تقارب إماراتي تركي في المنطقة، ويبدو بان البلدين يريدان طي صفحة الخلافات التي نسبت بينهما في قضية التدخل في ليبيا وقضية الإخوان المسلمين، إضافة إلى هذا ان قادة مصر والعراق والأردن قد اجتمعوا قبل أشهر في بغداد لمناقشة سبل تعزيز الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي، وكذلك استئناف العلاقات مع سوريا.

ولأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يبدو أن مصر والعراق والأردن ودول عربية أخرى في الشرق الأوسط تحاول تشكيل كتلة عربية لضمان أمنها. تتشكل هذه الكتلة العربية على أساس عدم تدخل القوى الأجنبية وإعطاء الأولوية للعلاقات الاقتصادية بين هذه الدول. تعود آخر محاولة هذه الدول لتشكيل هذه الكتلة إلى عام 1989، لكن التعاون لم يستمر طويلا. لكن يبدو الآن أن هناك علامات على محاولة تشكيل ذلك التحالف. في حين أن هذه التطورات قد تبدو وكأنها خطوات صغيرة للبعض، الا إن الواقع هو أن التعاون الإقليمي عادة ما يبنى على هذه الخطوات الصغيرة. بالإضافة إلى ذلك، لدى العرب دوافع أخرى لتشكيل هذا التحالف.

من المرجح أن تهدف الجهود المبذولة لإنشاء محطات للطاقة الشمسية في العراق والتحرك نحو تطبيع العلاقات مع سوريا وإسرائيل إلى منع النفوذ الإيراني والتركي في العراق وسوريا. وعلى الرغم من أن هذه الإستراتيجية قد تبدو واضحة، إلا أن تطبيقها يبدو أمرا صعبا. إذ ان إقناع العراق بالانضمام إلى الكتلة العربية على حساب خسارة إيران مهمة صعبة. لكن مثل هذه الأحداث تأتي بخطوات قصيرة. ويبدو أن محور تركيز الدول العربية خلال العام الماضي يقوم على مبدأين؛ الأول تطبيع العلاقات مع سوريا والثاني التوجه نحو بناء علاقات سلمية مع إسرائيل.

على الورق، ووفقا لهذا النظام الإقليمي الجديد، فأن الدول العربية هي التي ستصبح المنسق الرئيس بين القوى الإقليمية. ومن هذه النقطة بالذات يتضح المحور الثاني للمقاربة الجديدة للدول العربية، وهو تطبيع العلاقات مع إسرائيل. تحاول الدول العربية تعزيز موقفها من خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل من جهة والحفاظ على علاقاتها مع إيران من جهة أخرى، وبالتوازي مع هذه السياسة، تحاول أيضا تحسين علاقاتها مع تركيا. لذلك شهدنا في الأشهر الأخيرة توقيع اتفاقيات اقتصادية بين دول عربية مع تركيا وإسرائيل.

ومن القضايا الأخرى التي لعبت دورا في تغيير مقاربة الدول العربية هي قضية انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. إذ ولسنوات، بني العرب في الشرق الأوسط سياساتهم على افتراض أنهم سيحصلون على ضمانات أمنية أمريكية. بل إنهم جعلوا وجودهم متوقفا على الحصول على هذه الضمانات الأمنية في مواجهة فرضية بأن إيران تشكل تهديدا لهم. لكن الممارسات الأمريكية في السنوات الأخيرة أظهرت أنه حتى العرب لا يستطيعون الوثوق كثيرا بالولايات المتحدة. كما زاد الانسحاب الأمريكي غير المتوقع من أفغانستان من شكوك العرب. لذلك، توصل العرب إلى استنتاج مفاده أن عليهم الاستعداد لغياب أمريكي محتمل في الشرق الأوسط. نتيجة لذلك، ولتحقيق هذا الهدف، ليس لديهم خيار سوى تشكيل كتلة واحدة، ولتشكيل كتلة واحدة، عليهم تنحية خلافاتهم جانبا قدر الإمكان. وتأتي نوعية بناء العلاقات مع إسرائيل من ضمن تلك الخلافات.

صحيفة اعتماد

النهاية

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.