هندوس ومسلمون ضد الفن!

 

د. وحيد عبد المجيد / سأحرقُه حيًا إذا قابلته، فقد أهان عقيدتنا. هكذا صاح راهبُ هندوسى متعصب مُهدّدًا الفنان الهندى المشهور شاروخان. لم يفعل الفنان المهدد بالحرق أى شىء من أى نوع ضد الهندوسية. لا كلمة صريحة، أو معنى مكنون، أو إيحاء، أو إيماءة، فى فيلمه الجديد (باثان Pathaan). كل ما يعترضُ عليه من يريدُ إحراقه هو ظهور الفنانة ديبيكا بادكون مع شاروخان مرتدية فستانًا بلون الزعفران فى لقطةٍ راقصة تخللت أغنيةً فى هذا الفيلم.

صحيحُ أن للون الزعفران رمزيةً مهمةً فى الهندوسية، وديانات آسيوية أخرى. كما أنه لونُ أثوابٍ يرتديها قديسون ورهبان هندوسيون وبوذيون للدلالة على التخلى عن الحياة العادية. ولكن هذا لا يعنى أن أحدًا يمكنه امتلاك أى لون من الألوان أو احتكاره. ولهذا يُستخدمُ لونُ الزعفران بدرجاتٍ متفاوتة بين الفاتح الأقرب إلى الأصفر، والغامق الأقرب إلى البرتقالى، رمزًا لأحزابٍ ومنظمات وأندية عدة، فضلاً عن وجوده ضمن ألوان أعلام بعض الدول. لكنه التعصبُ الذى يجعلُ العقل أضيق من ثقب إبرة أيًا تكن خلفيةُ التعصب.

ولأن التعصب قاسمُ مشترك بين بعض أتباع مختلف العقائد، فقد شارك مسلمون متعصبون فى الهجوم على فيلم شاروخان الجديد. وكما هى الحال بالنسبة إلى الهندوسية، لا يتضمن الفيلمُ أية إساءة إلى الإسلام. وبطله مسلم لم يسئ إلى أحد فى أعماله، أو سلوكه الشخصى. لكن مسلمين متعصبين يعترضون على اسم الفيلم لأنه قريبُ من اسم إحدى جماعات المسلمين الموجودة فى الهند وبلدانٍ مجاورة لها. وهم يرفضون اشتقاق اسم فيلمٍ ـــ يزعمون أن فيه فحشًا ـــ من اسم هذه الجماعة. وبدلاً من أن يكون رئيسُ المجلسُ الإسلامى الأعلى فى ولاية ماديا براديش مُعبرًا عن قيم دينه السمح، انضم إلى المتعصبين وطالب بمنع عرض الفيلم.

وعندما يجتمعُ هندوسى ومسلم لا يقبل أىُ منهما الآخر لفرط تعصبه, ويُحّرضُ كلُ منهما ضد الثانى، ويقفان ضد فيلمٍ سينمائى، فهذا يعنى أن التعصب عابرُ للعقائد, وأن المتعصبين يجمعُهم موقفُ ضد الفن والجمال والإبداع. فالتعصبُ يُعمى المصاب به، فلا يرى إلا سوادًا سواء كان لونُ ثوبه زعفرانًا أو أبيض.

 

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.