لماذا تصرّ موسكو على إغلاق فرع الوكالة اليهودية في روسيا؟

ردنا – بوتيرة لافتة، يتسارع تدهور العلاقات الروسية مع كيان الإحتلال، بشكل لم يكن مألوفا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وخرجت الخلافات بين موسكو وتل أبيب إلى العلن مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، واتخاذ كيان الإحتلال مواقف سياسية وعملياتية مؤيدة لكييف، شملت -حسب ما ذكرت بعض وسائل الإعلامية الروسية- إرسال أسلحة ومقاتلين، رغم نفي تل أبيب، وتأكيدها أنها تقتصر على المساعدات الإنسانية ومعدات الحماية.

وشكلت الزيارة التي قام بها وزير خارجية كيان الإحتلال، إيلي كوهين، إلى كييف مؤخرا، واحدة من أشد محطات التوتر بين الكيان وموسكو، وهي الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول في الكيان على هذا المستوى إلى أوكرانيا منذ بدء الحرب.

في هذه الأجواء، تعود أزمة ممثلية الوكالة اليهودية في روسيا (سخنوت) لتتصدر من جديد مشهد العلاقات الروسية الإسرائيلية المتوترة، بعدما أجلت محكمة باسماني في موسكو إلى 30 مارس/آذار المقبل النظر في دعوى دائرة موسكو بوزارة العدل بشأن تصفية الفرع الروسي للوكالة.

وهذه هي المرة السابعة التي يتم فيها تأجيل النظر في مطالبة وزارة العدل في الاتحاد الروسي بشأن إغلاق مكاتب الوكالة المنتشرة في عدة مدن روسية، بعد أن طالب محامو “سخنوت” بمنحهم وقتا إضافيا لتحضير مرافعاتهم.

والجديد في هذه القضية المثيرة للجدل هو تصريح ممثل وزارة العدل الروسية بأن الوزارة لن تسحب الدعوى التي أقامتها لطلب تصفية الوكالة اليهودية، حتى لو قامت الوكالة بتصحيح الانتهاكات والمخالفات التي ارتكبتها.

تأجيل النظر للمرة السابعة في قضية إغلاق مكاتب الوكالة المنتشرة في عدة مدن روسية

 

ويشار في هذا السياق إلى أن ممثلي وزارة العدل كانوا في كل مرة يعترضون على تأجيل الجلسة، بقولهم إن المدعى عليه يماطل العملية.

وتعتبر وزارة العدل الروسية أن الوكالة انتهكت القانون والدستور، وتحديدا المادة 17، التي تضمن حقوق وحريات الإنسان والمواطن في روسيا.

كما وجهت اتهامات للوكالة بارتكاب مخالفات للقانون منذ عام 2019، من بينها، الانتقائية في اختيار من تتم مساعدتهم للهجرة إلى إسرائيل، حيث تعطي الأولوية للمتخصصين المؤهلين تأهيلا عاليا في مختلف المجالات.

 

نهاية “شهر عسل” امتد لثلاثة عقود

ولا يستبعد مراقبون روس أن تكون القضية في بعدها الحقيقي أحد أشكال تصفية الحسابات بين موسكو وتل أبيب، لا سيما أنها تأتي في وقت تلمح فيه تل أبيب بالذهاب إلى ما هو أبعد في دعم كييف، وهو ما يعني -في المحصلة- تطابقا شبه كامل مع المواقف الغربية من الصراع الروسي الأوكراني.

وحسب ما يقول الخبير الروسي في الشؤون الشرق أوسطية، أندريه أونتيكوف، توجد دلائل لدى موسكو أن إسرائيل قامت بتزويد كييف بمعلومات استخباراتية لمكافحة الطائرات الإيرانية بدون طيار، التي يُزعم -حسب كلام أونتيكوف- أن طهران ترسلها إلى روسيا.

ويوضح الخبير الروسي في تصريح، أن إسرائيل باتت تستعد لخيار الدعم العسكري (غير الخجول) لكييف، بما في ذلك أنظمة الدفاع الصاروخي، بعد أن كانت تتردد في ذلك تحسبا للوصول إلى قطيعة نهائية مع موسكو، قد تجد الأخيرة نفسها في حالة وجوب الرد، تكون أحد أهم أشكاله إطلاق يد السوريين في استخدام أنظمة الدفاع الجوي الروسية ضد الهجمات الإسرائيلية، وإغلاق الأجواء السورية في وجه الطائرات الحربية الإسرائيلية، وتفعيل أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات الموجودة لدى دمشق.

زيارة فلاديمير بوتين لطهران كانت أحد فصول التوتر بين كيان الإحتلال وروسيا

 

ومن المؤشرات الإضافية على استياء موسكو من الخطاب الإسرائيلي -حسب كركودينوف- زيارة بوتين لطهران لحضور قمة الزعماء الثلاثة، وصدور بيان مشترك يدين فيه الهجمات الجوية الإسرائيلية على سوريا ويطالب تل أبيب بوقفها، والأهم من ذلك، اقتراب العلاقات الروسية الإيرانية من مرحلة التعاون الإستراتيجي.

وأضاف كركودينوف أن استمرار إسرائيل في التخلي عن توازنها المعهود تاريخيا في العلاقات مع روسيا، قد يكون “ضحيته” الأولى الفرع الروسي للوكالة اليهودية، الذي سيكون بداية نهاية “شهر عسل” امتد لأكثر من 3 عقود.

 

الوكالة اليهودية وأهدافها

وتلعب الوكالة اليهودية دوراً أساسياً في مساعدة اليهود الراغبين بالهجرة إلى الأراضي المحتلة، وتشكّل موقعاً محورياً في سياسات الاستيطان والتغيير الديموغرافي التي تنتهجها حكومة الإحتلال ضد الفلسطينيين.

ويعود تأسيس هذه الوكالة لعام 1908، حيث أنشئت وقتها باسم “مكتب فلسطين” في يافا، وكانت فرعاً لعمليات المنظمة الصهيونية في فلسطين تحت الحكم العثماني، وتمارس مهمة تمثيل اليهود أمام السلطان العثماني والسلطات الأجنبية الأخرى، كذلك شراء الأراضي لليهود بمساعدة “الصندوق القومي اليهودي” من أجل تمكينهم من الاستيطان.

وبعد إعلان قيام دولة الإحتلال، حدد المؤتمر السادس عشر للوكالة أهدافها، والتي تضمنت تطوير حجم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بصورة متزايدة، وشراء الأراضي في فلسطين كملكية يهودية عامة، وتشجيع الاستيطان الزراعي المبني على العمل اليهودي، ونشر اللغة والتراث العبريين في فلسطين.

وحسب إحصائيات سنة 2019، هجّرت الوكالة اليهودية أكثر من 30 ألف يهودي حول العالم إلى كيان الإحتلال، 19 ألفاً منهم من دول الاتحاد السوفييتي سابقاً. وفي سنة 2021، أعلنت الوكالة ذاتها بأن عدد عمليات تهجير اليهود نحو الأراضي المحتلة زاد بـ 31% عن السنوات السابقة.

 

المصدر: الجزيرة + ردنا

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.