النبي أيوب (عليه السلام).. رمز الصبر في أديان الشرق

ردنا – للنبي أيوب (عليه السلام) مقامات في العديد من الدول، يزورها الناس من مختلف الديانات لطلب الشفاء أو المساعدة أو الفرج بعد صبر، وهي مقامات أقيمت مكان وقوف النبي أيوب في رحلاته الطويلة في بلاد الأرض داعياً إلى الإيمان بالإله الواحد ومحتملاً آلامه الكبيرة في الوقت عينه.

ولا ينسب أي من الدول سواء في سلطنة عُمان حيث مقام أيوب في ولاية صلالة أو في فلسطين أو في الأردن والعراق أو في لبنان ومصر، مدفن النبي أيوب إليه، إذ ليس هناك أي دليل تاريخي أو ديني على مكان وجود القبر، فلذا تقام المقامات الدينية من أجل التشفع بالنبي أيوب، فيكون ما يشبه القبر في وسط المقام وهو تمثيل للقبر لا يحتوي على رفات.

 

النبي أيوب في التراث الديني

في الإسلام هو نبي من أنبياء الله ومن نَسل إسحق بن إبراهيم. أما لدى الطوائف المسيحية في الشرق فقد ورد في الترجمة السبعينية للسفر أن أيوب هو “يوباب” الملك الثاني لآدوم، وهو الشخص الذي ورد اسمه في سفر التكوين. وهناك من يعيد أيوب إلى ما قبل الكتابة المسمارية وإلى أبعد من الديانات السماوية المعروفة، وهناك من يستعينون بسفر أيوب نفسه حين يذكر السفر بطريقة الكتابة البدائية، وهي النقر على الصخر بقلم من حديد، فيقول أيوب “لَيتَ كَلِمَاتِي الآنَ تُكتَبُ. يا لَيتَهَا رُسِمَت في سِفرٍ. ونُقِرَتْ إلى الأبَدِ في الصَّخرِ بِقلَمِ حَدِيدٍ وبِرَصاصٍ” وهذه الطريقة في الكتابة أقدم من الكتابة المسمارية.

 

في العراق

واختلفت الروايات حول موقع مقام النبي أيوب ومرقده، فبات له أكثر من مرقد ومقام، منها مرقده في مدينة الحلة في العراق في منطقة تسمى الرارنجية، كما له مقام في الحلة يقع على الطريق بين الحلة والديوانية.

يقول السيد نوفل العميدي الأمين العام لمرقد النبي أيوب في الحلة: للنبي أيوب عليه السلام مرقد وله مقام، فالمقام هو مكان رحل اليه هو وزوجه واعتزل به الناس والمجتمع، ويقع على الطريق بين الحلة والديوانية، فهو مقامه ومدفن زوجته وفيه بئران، اما في هذه المنطقة بمدينة بابل، وفي منطقة الرارنجية تحديداً، فهو مرقده وبيت أبيه، وهذه الارض كلها ملك له، فهم من عائلة كانت تعرف بالغنى، صحيح أنه لا توجد دلائل تاريخية في الكتب لكن هذه الاخبار تواردت عبر الأجيال عن طريق أهل القرى في المنطقة.

ويضيف العميدي: ثمة شواهد تؤيد وجود النبي أيوب في هذه المنطقة، منها المنطقة المسماة بـ(الملتهبة) وهي منطقة سبخة بين مناطق زراعية زاهية ومثمرة، وهذه “السبخة” لا يمكن زراعتها ولا أحد يعرف السبب، لكن عندما نرجع الى التاريخ ونقرأ قصة النبي أيوب والابتلاء الذي حل به، من حرق المحاصيل الزراعية وموت الأبناء نجد أن هذه الارض هي التي كان يزرعها، وقد أُحرقت كلها، والى اليوم لا ينبت فيها زرع ولا يمكن استصلاحها.

 

مرقد النبي أيوب

مرقد النبي أيوب عليه السلام في الحلة

في غزة ومصر

في المدن الداخلية كالقدس ونابلس كانت تعقد الاحتفالات أيضاً، إلا أن وقوع غزة على البحر جعلها الأكثر اعتياداً على هذا التقليد في فلسطين، فيمضي الغزيون منذ الصباح إلى البحر حاملين معهم طعامهم وشرابهم. أما في مصر فإن “أربعاء أيوب” هو اليوم الرابع من احتفالية الكنيسة القبطية بأسبوع الآلام، ويتناقل أهالي سيناء بما يشبه الاعتقاد الراسخ أن هذا اليوم يوافق اليوم الذي غمر فيه النبي أيوب جسده بمياه البحر ليتطهر ويشفى.

 

مقام نيحا

تقع بلدة نيحا الشوف في لبنان قرب مدينة جزين الجنوبية، ويقع مقام النبي أيوب على جبل مرتفع يشرف على كل المنطقة المحيطة، ويمكن رؤية الساحل اللبناني منه، وتحيطه غابات الصنوبر والشربين من كل جهة، وتتدفق الينابيع من أعلى الجبل نحو أسفله حتى تصب أنهاراً صغيرة في البحر المتوسط.

وهذه المنطقة يعيش فيها أبناء الطائفة الدرزية، لذا كان المقام نفسه تحت إدارة دائرة الأوقاف الدرزية، وحين سألنا الشيخ المسؤول عن الإعلام في المقام، إذا ما كان النبي أيوب يختص بالدروز، فرد مبتسماً، أنه كان من حسن الصدفة والحظ أن يمر النبي أيوب في منطقتنا خلال حياته، وحينها لم يكن هناك دروز، ولا أي طائفة من الطوائف الموجودة الآن قبل ميلاد المسيح، ولهذا فإن مقام النبي أيوب بات مزاراً لأبناء كل الديانات والمذاهب الدينية المنتشرة في لبنان والعالم العربي يزورونه من كل مكان، إلا أن إدارة المقام تقع تحت سلطة دائرة الأوقاف الدرزية، باعتبار أن أهل المنطقة هم من بنوا المزار الأول وهم من صانوه وحافظوا عليه وأضافوا إلى بنائه وساهموا في تحويله إلى مركز ديني عام ومزدهر. عدا ذلك – يكمل الشيخ – فإن المزار للجميع كما هو الإله الذي دعا النبي أيوب الناس إلى الإيمان به.

بحسب مدونة موقع النبي أيوب على موقع دائرة مشيخة العقل الدروز فإن النبي أيوب سكن بلدة نيحا فترة طويلة من مرضه، فأقام له أهل البلدة مقاماً له عبارة عن غرفة صغيرة على ارتفاع 1500 متر عن سطح البحر، وبات يتألف اليوم من حوالى عشرين غرفة من الحجر الصخري الأبيض المقتطع من صخور الجبل الكلسية، والتي يزداد بياضها لمعاناً تحت أشعة الشمس فتضيف رهبة وجلالاً على المكان، وتعلو المبنى قبة بيضاء متوجة بالنجمة الخماسية ذات الألوان الزاهية المعروفة بنجمة “الخمس حدود” لدى الدروز. ويقول مشايخ بلدة نيحا إن للمقام بركات خاصة إذ حمى بلدة نيحا من ويلات كثيرة وبارك أرضها وناسها.

 

اللوحة على مدخل المقام في نيحا

 

عادة الاغتسال في البحر

وحتى أواسط القرن العشرين كانت لا تزال عادات النزول إلى البحر للاغتسال والاحتفال قائمة في العاصمة اللبنانية وكان شاطئا “الأوزاعي” و”الرملة البيضاء” في بيروت يستقبلان هذه الاحتفالات ويمضي المؤمنون نهارهم هناك فيغتسلون بماء البحر ويتناولون طعاماً خاصاً بهذه المناسبة يطلقون عليه اسم “المفتّقة”، وهي نوع من الحلوى مشغولة بالرز والسكر والصنوبر وطحينة السمسم و”الكركم”.

ويعتقد أهل بيروت أن النبي أيوب جاء من فلسطين إلى مدينتهم فمكث على الشاطئ في ما هو الآن موضع مقام الإمام الأوزاعي وشفي من مرضه، وتتابع الحكاية البيروتية بأن أيوب عثر في بيروت على النبتة المعروفة الآن باسم “حشيشة أيوب” فنقعها في الماء واغتسل بها وبدأ في العوم على شاطئ “الرملة البيضاء” سبع مرات على سبع موجات، ثم صعد بعد ذلك إلى منطقة “نيحا” في الشوف في جبل لبنان، فأقام فترة هناك حيث أعتاد على الاغتسال في مياه تلك المنطقة حتى شفي من علله تماماً ثم عاد إلى فلسطين.

 

سوريا وعُمان

وهناك مقام للنبي أيوب يقع فوق تل أثري في قرية الشيخ سعد قرب مدينة درعا السورية وهو بناء من الحجارة البازلتية، وله مقام قرب مدينة صلخد في محافظة السويداء والثالث في الشمال الغربي من صلالة، جنوب سلطنة عمان، ويوجد في المزار ضريح آخر يقول أصحاب المكان أنه لنبي اسمه عمران، وفي فلسطين مقام أيضاً في الضفة الغربية.

مرقد النبي أيوب

مرقد النبي أيوب في صلالة – عُمان

 

في مدينة اللاذقية على الساحل السوري كانت عادة الاحتفاء بـ “أربعاء أيوب” سارية منذ زمن بعيد فيزدحم الشاطئ بزائريه من المسيحيين والمسلمين للاغتسال بماء البحر، والتطهر أسوة بالنبي أيوب، وفي بعض الأحيان يقوم البعض منهم برمي قطع نقدية في البحر والدعاء من أجل حياة أفضل. ومنذ زمن غير بعيد كانت النسوة في دمشق يخرجن من منازلهن يوم “أربعة المرتعشة” لاعتقادهن أن من لم تخرج من بيتها في هذا اليوم سوف تصاب بالصداع وتبلى بالأمراض.

 

المصدر: ردنا + independentarabia
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.