هل تُغيّر الهواتف المحمولة طبيعة العقل البشري؟

ردنا – أصبحت الهواتف المحمولة أداة أساسية تساعدنا في إدارة حياتنا وأعمالنا، وتعد من أكثر التقنيات استخداما في العالم، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، سواء من أجل الاتصال أو تخليص الكثير من المعاملات الأساسية.

 

إدمان عالمي

وجد تقرير علمي نُشر في 2022 أن البالغين في الولايات المتحدة الأميركية يفحصون هواتفهم في المتوسط 344 مرة يوميا (مرة كل 4 دقائق)، ويمضون ما لا يقل عن 3 ساعات يوميا على أجهزتهم.

وأوضح التقرير أن 74% من الأميركيين يشعرون بعدم الارتياح عند ترك هواتفهم في المنزل، وقال 71% منهم إنهم يفحصون هواتفهم خلال الدقائق العشر الأولى من الاستيقاظ، ويعتبر 47% منهم أنفسهم “مدمنين” على هواتفهم.

أما في بقية أنحاء العالم، فيوجد أكثر من 6.92 مليارات مستخدم للهواتف الذكية في أرجاء المعمورة حاليا، وفق موقع “ستاتيستا” (Statista)، ما يعني أن 86.2% من سكان العالم يمتلكون هاتفا ذكيا.

 %71 من مستخدمي الهواتف المحمولة ينامون مع أجهزتهم

 

ووفقا لاستطلاع أجري عام 2021، قال نصف المستجيبين تقريبا إنهم يمضون من 5 إلى 6 ساعات يوميا على هواتفهم المحمولة، وكشفت البحوث أن 71% من مستخدمي هذه الهواتف ينامون بالفعل مع أجهزتهم، ونحو ثلث المستخدمين لا يغلقون هواتفهم أبدا.

 

ما تأثير الهواتف المحمولة على العقل البشري؟

تشير دراسات عدة إلى أن استخدام الهاتف بشكل مفرط يؤدي إلى تغييرات في العقل، لا سيما في عمليتي التركيز والانتباه. فمثلا، وفقا لتقرير نشره موقع “بي بي سي” (BBC) البريطاني قبل أيام، فإن الاستخدام المفرط للهواتف المحمولة يؤدي إلى تقليل القدرة على التركيز والانتباه، ويزيد من مستويات الإجهاد والقلق.

فالانشغال البسيط بتفحص الهاتف ولو لرؤية إشعار برسالة مثلا يمكن أن يكون له عواقب سلبية وخيمة، فقيام الشخص بعدة مهام في آن واحد يُضعف الذاكرة والأداء، ويقلل القدرة على التركيز.

 

تأثير خطير أثناء القيادة

ومن أخطر الأمثلة، استخدام الهاتف المحمول أثناء القيادة، فقد وجدت إحدى الدراسات أن مجرد الرد على مكالمة هاتفية أثناء القيادة -وليس كتابة رسالة نصية- كان كافيا لجعل رد فعل السائقين أبطأ بكثير على الطريق، وفق ما ذكرت “بي بي سي” في تقريرها.

ووفق دراسة أخرى في الولايات المتحدة، قُتل أكثر من 3100 شخص وأصيب حوالي 424 ألفا في حوادث سير تسبَّب بها سائق “مشتت الذهن” عام 2019. وأحد أبرز عوامل التشتت هو الهواتف المحمولة.

وذكرت مؤسسة “كامبردج موبايل تيليماتكس” (CMTelematics) أن السائقين في الولايات المتحدة أمضوا دقيقة واحدة و38 ثانية في المتوسط على هواتفهم المحمولة لكل ساعة قيادة في فبراير/شباط 2022.

وينطبق الأمر ذاته على المهمات اليومية الأقل خطورة أيضا، إذ إن مجرّد سماع إشعار “دينغ” جعل المشاركين في دراسة أخرى يؤدون أداءً أسوأ بكثير في المهمات المطلوبة منهم، تقريبا بالدرجة ذاتها لسوء أداء المشاركين الذين كانوا يتحدثون أو يرسلون رسائل نصية على الهاتف أثناء عملهم.

 

الكسل العقلي

تلفت مصادر أخرى إلى أن الاستخدام المفرط للهواتف المحمولة يؤثر في طريقة تفكيرنا وقدرة دماغنا على الإدراك. كما تقود إلى الكسل العقلي، إذ وجدت دراسة علمية نُشرت في مجلة “جمعية بحوث المستهلك” (Journal of the Association for Consumer Research) أن القدرة المعرفية للبشر تنخفض بشكل كبير عندما يكون الهاتف الذكي في متناول اليد.

وبوجود هذه الهواتف أيضا لم نعد بحاجة إلى استخدام الذاكرة لحفظ رقم معين، أو العثور على طريقنا أثناء تجولنا في المدينة، إذ تقوم هواتفنا بكل هذه المهمات نيابة عنا. وتظهر الدراسات أن الاعتماد المفرط على هواتفنا المحمولة يمكن أن يؤدي إلى الكسل العقلي، وفق منصة “يو إن سي هيليث توك” (UNC healthtalk).

 

تأثير على النظر والنمو العقلي للأطفال

هناك زيادة كبيرة في عدد الأطفال الذين يعانون من “قصر النظر”، وفق طبيبة العيون الدكتورة ماغا كوستيك، التي تقول إن هناك دراسات حاليا لقياس تأثير استخدام الهواتف الذكية على رؤية الأطفال لمسافات طويلة.

وتضيف أنه إذا كان الأطفال ينظرون إلى الهواتف من مسافة قريبة لساعات طويلة من دون أي انقطاع، فإن هذا قد يؤدي إلى مزيد من حالات قصر النظر لدى أجيال المستقبل.

نظرُ الطفل للهاتف من مسافة قريبة لساعات طويلة قد يزيد حالات قصر النظر لدى أجيال المستقبل

 

وكان باحثون من كلية الطب في جامعة بوسطن ألقوا نظرة فاحصة على تأثير استخدام الأطفال للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، إذ أصبحت هذه الأجهزة هي الطريقة السائدة لتهدئة الأطفال الصغار من الآباء والأمهات. ودرس الباحثون أثرها على “تطوير آلياتهم الداخلية للتنظيم الذاتي”.

وتوصل الخبراء إلى أن النشاطات العملية التي تنطوي على تفاعل بشري مباشر تتفوق على ألعاب الشاشة التفاعلية، بحيث يصبح استخدام الأجهزة المحمولة بشكل خاص مشكلة حقيقية عندما تحل هذه الأجهزة محل النشاطات العملية التي تساعد في تطوير المهارات الحركية والذهنية للأطفال.

كما تساءل الباحثون عما إذا كان الاستخدام المفرط للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية قد يتداخل مع تطوير المهارات الاجتماعية ومهارات حل المشكلات التي يتم اكتسابها بشكل أفضل أثناء اللعب والتفاعل مع الأقران، وفق ما ذكرت منصة “فيري ويل مايند” (Very will mind) في تقرير لها.

 

أثر الهواتف الذكية على النوم

يشير خبراء كُثُر إلى أن استخدام الهواتف الذكية قبل النوم يمكن أن يؤثر على جودته. فالضوء الأزرق الذي ينبعث من شاشات الهواتف الذكية يؤثر على الساعة البيولوجية للجسم، ومن ثم يؤثر على القدرة على النوم، ما قد يسبب مشكلات صحية كبيرة، مثل الجلطة الدماغية.

الضوء الأزرق المنبعث من شاشات الأجهزة الذكية يؤثر على الساعة البيولوجية للجسم وعلى جودة النوم

 

وأخيرا، لا ينبغي علينا التخلّص من هواتفنا المحمولة، أو حذفها تماما من حياتنا، فهذا أمر صعب بل شبه مستحيل في زمن الثورة التكنولوجية الرابعة التي نعيشها الآن. ولكن ما يمكننا عمله هو ترتيب أولوياتنا، والوعي بالآثار الخطيرة لهذه الأجهزة على صحتنا وعقولنا، وعدم الاستسلام لعوامل الإدمان التي تتقن شركات التكنولوجيا وضعها في طريقنا.

استخدم هاتفك عندما تحتاج إليه حقا، واحذر من أن يصبح جوالك جزءا لا يتجزأ من يديك.

 

مصدر مواقع إلكترونية
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.