تعرّف على أبرز الطرق الصوفية في سوريا
ردنا – عرفت سوريا التصوف الإسلامي منذ فترة موغلة في القدم. عاش العديد من أعلام الصوفية في سوريا عبر القرون، منهم صاحب “الإشراقات” شهاب الدين السهرودي، الذي يقع مقامه في مدينة حلب، وصاحب “الفتوحات المكية” محيي الدين بن عربي، الذي يوجد مقامه في حي الصالحية بمدينة دمشق القديمة، وعماد الدين نسيمي الذي عاش الفترة الأخيرة من حياته في شمال سوريا، وتوفي ودفن في حلب.
وحالياً، تنتشر العشرات من الطرق الصوفية في الأراضي السورية. ما هي أهم تلك الطرق؟ ومن أبرز قادتها؟ وكيف يؤثر الحضور الصوفي في الواقع السوري المعاصر؟
الطريقة القادرية
تُنسب تلك الطريقة إلى الشيخ الصوفي عبد القادر الجيلاني المتوفى في سنة 561ه، والمدفون في الحضرة القادرية الواقعة في منطقة باب الشيخ من جهة الرصافة من بغداد. يُعدّ الجيلاني واحداً من أشهر الصوفية الذين عرفتهم الحضارة العربية الإسلامية. وجرى تنصيبه منذ قرون كواحد من الأقطاب الأربعة الكبار عند الصوفية.
في سوريا، توجد العديد من الطرق الفرعية التي انبثقت بالأساس من رحم الطريقة القادرية. من أشهر تلك الطرق الطريقة القادرية العلية في مدينة عامودا التي تقع على بعد عشرين كيلومترا غربي مدينة القامشلي. شيخ تلك الطريقة الحالي هو الشيخ عُبيد الله القادري الحسيني الذي تولى المشيخة في سنة 1980م خلفاً لأخيه الشيخ محمد. وتُعدّ التكية الصوفية في عامودا هي المركز الأهم لتلك الطريقة.
الطريقة النقشبندية
تُنسب تلك الطريقة إلى الصوفي بهاء الدين نقشبند محمد البخاري المولود في أوزباكستان، والذي توفى ودُفن في مدينة بخارى عام 791ه. حققت الطريقة الصوفية النقشبندية انتشاراً هائلاً في مناطق واسعة من آسيا الوسطى. وهي الطريقة الصوفية الوحيدة التي تدعي الاتصال الروحي بالنبي محمد من خلال الصحابي أبي بكر الصديق، إذ تزعم باقي الطرق الصوفية إنها ترجع إلى الإمام علي بن أبي طالب.
عرفت سوريا العديد من الطرق المتفرعة عن الطريقة النقشبندية. من أهم تلك الطرق الطريقة المعروفة باسم الطريقة النقشبندية الخزنوية. يقع مركز تلك الطريقة في قرية تل عرفان والتي تبعد 26 كم غربي مدينة الحسكة. يذكر الباحث نوبار محمد، في دراسته “النقشبندية الخالدية الكردية من تركيا إلى الجزيرة”، أن تلك الطريقة ظهرت للمرة الاولى على يد رجل الدين الكردي أحمد الخزنوي في النصف الأول من القرن العشرين. حالياً، شيخ الطريقة هو محمد مطاع الخزنوي. تدير الطريقة النقشبندية الخزنوية العديد من المدراس الدينية. ومن أهمها معهد العرفان للعلوم الشرعية والعربية في مدينة الحسكة. ويتبع المعهد العديد من الفروع في كل من سوريا وتركيا. من الجدير بالذكر أن الطريقة الخزنوية تنتشر بشكل كبير في دير الزور وريف حلب وإدلب وحماة.
تعرضت الطريقة للاستهداف من جانب تنظيم “داعش” في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، في أواخر شهر فبراير سنة 2014، دخلت عناصر داعش إلى بلدة تل معروف، وهاجمت مسجدها بحجة أنه تابع لطريقة صوفية.
الطريقة الرفاعية
تُنسب تلك الطريقة لأحمد بن علي الحسيني الرفاعي المتوفى في سنة 578ه. يُعدّ الرفاعي واحداً من أشهر صوفية القرن السادس الهجري. جرى تنصيبه منذ قرون كواحد من الأقطاب الأربعة الكبار عند الصوفية. دُفن الرفاعي في مدينة الرفاعي التي نُسبت له لاحقا. وهي تبعد بحوالي 300 كم جنوب العاصمة العراقية بغداد. ينتشر أتباع الطريقة حالياً في كل من العراق ومصر وسوريا وتركيا.
يُعزى انتشار الرفاعية في سوريا بشكل كبير إلى الشيخ أبي الهدى الصيادي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي. ولد الصيادي في سنة 1849م في حلب. وسافر في شبابه إلى إسطنبول وتعرف هناك على السلطان عبد الحميد الثاني. أُسندت إلى الصيادي العديد من المناصب الدينية المهمة في الدولة العثمانية ومنها كل من منصب شيخ الإسلام، وشيخ الطريقة الرفاعية، ونقيب الأشراف. وتمكن الصيادي من نشر الطريقة الرفاعية بشكل كبير في شمالي سوريا على وجه الخصوص.
يذكر الباحث محمد نور النمر، في دراسته “الحركة الصوفية في حلب المعاصرة”، أن الطريقة الرفاعية في حلب وشمالي سوريا تفرعت حالياً للعديد من الطرق. وصار لكل منطقة شيخ يتبعه مريدوها. ففي وسط حلب، تنتشر الطريقة الرفاعية وفق توجيهات الشيخ عبد الله سراج الدين. وفي المناطق الشعبية من حلب، تنتشر طريقة الشيخ محمد عجان الحديد. وفي المناطق الشرقية من المدينة يظهر اسما الشيخين خلف الشوعة أبو حمود، ومحمود الشقفة الحموي.
بشكل عام، لا يولي الرفاعية اهتماماً يُذكر بالسياسة وبالشأن العام، فيما يشتهرون بحضورهم الدائم في الموالد والاحتفالات الدينية الشعبية وبطقوسهم المثيرة للجدل في التلاعب بالحيات والأفاعي، وبابتلاع النار والزجاج وطعن أنفسهم بالسيوف. على الرغم من ذلك، تعرض الرفاعيون في سوريا لنقمة تنظيم داعش. في سبتمبر 2014، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن التنظيم “فجر عدداً من المزارات والأضرحة، لمشايخ الطريقة الرفاعية الصوفية في ريف دير الزور، وهي “مزار عين علي” الواقع في ريف بلدة القورية بدير الزور، و”مزار الشيخ أنس”، و”ضريح الشيخ الشبلي”، و”قبر الشيخ محمود الأنطاكي” في مدينة الميادين.
الطريقة السعدية
تُنسب تلك الطريقة للشيخ سعد الدين بن يونس بن عبد الله الجباوي الذي عاش في القرن السادس الهجري. ويذكر الباحث السوري محمد غازي حسين آغا في كتابه “الطريقة السعدية في بلاد الشام” أن نسب الشيخ سعد الدين يعود إلى الأشراف الأدارسة في المغرب.
تتمركز الطريقة السعدية في سوريا حالياً في مدينة حمص. وتُعدّ الزاوية السعدية الجيباوية التي تقع في حي بستان الديوان في حمص هي أقدم المباني الدينية التابعة لتلك الطريقة. يذكر خالد عواد الأحمد في كتابه “معالم وأعلام من حمص” أن تلك الزاوية تُنسب للشيخ سعد الدين الجيباوي الحمصي الذي عاش في القرن التاسع عشر (اسمه قريب من مؤسس الطريقة الذي ذكر في الفقرة الأولى وعاش في القرن السادس الهجري).
بحسب التقليد المعروف في الطريقة السعدية فإن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني سافر إلى حمص عندما نال منه التعب ووصف له الأطباء تغيير الجو كعلاج. عندما وصل إلى حمص لم يخرج شيوخ الصوفية لاستقباله، كما جرت العادة، لأنهم كانوا في نزهة خارج المدينة. غضب السلطان وأمر بإغلاق أبواب المدينة حتى لا يتمكن الشيوخ من الدخول عندما يرجعون من نزهتهم. لما وصل الشيوخ قام الشيخ سعد الدين الجيباوي الحمصي باستخدام كرامته وفتح الباب بـ”طريقة إعجازية”! عرف السلطان بتلك الكرامة فقرب منه الشيخ سعد الدين وأمر ببناء تلك الزاوية وعين له راتبا كافيا. يذكر الباحث محمد الأرناؤوط في كتابه “هجرة الألبان إلى دمشق في القرن العشرين وإسهامهم في الحياة العلمية” أن الطريقة السعدية انتشرت في العصر العثماني بشكل كبير في كل من سوريا وبلاد الشام إلى تركيا والبلقان وألبانيا.