مبدأ “لا إكراه في الدين”.. بين التغييب والتشويه المتعمد

ليس من المستغرب وصول صورة الاسلام عند الغرب إلى ما آلت اليه من سوء وتشوّه، وذلك لتظافر عديد عوامل أدت إلى هذه النتيجة غير المرضية لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وللمسلمين الحقيقيين الذين يعرفون حقيقة الدين الإسلامي ويسعون إلى تحقيق أهدافه ورسالته الرامية لإيصاله إلى الناس جميعا بالكلمة الطيبة والعمل الصالح.

وقد يكون من بين أهم الاسباب التي أدت إلى هذه الحالة مراحل التشويه المتعمدة من جهة، وتولّي زمام قيادته في بعض المراحل من قبل جهات أقل ما يقال عنها أنها غير ملمة بمبادئ وأهداف الاسلام، أو غير مخلصة له، إنما ولاؤها واخلاصها إما لمطامعها الشخصية، أو لأنها في أصلها جهات أجنبية مدسوسة في البيت الاسلامي بهدف السيطرة على مقدراته من جانب والعمل على حرفه عن مساره الانساني من جانب آخر.

من هنا يلحظ المتابع للتاريخ الاسلامي أنه شهد عمليات ممنهجة لإفراغه من مضامينه الرئيسية ومبادئه الالهية التي لو نهجها ما وصل الحال الى ما هو عليه اليوم، حتى اصبح الدين الاسلامي الذي يحمل أسمى صور ومبادئ الانسانية أحد اكثر الاديان دموية وعدائية لكل الانسانية وهي الصورة التي جعلت الغرب خصوصا ينفر منه ويعاديه ويعلن محاربته.

وربّ قول أن الصورة المعلنة للإسلام اليوم هي الصورة التي صنعها الغرب وعرضها على الناس عبر وسائل اعلامه المنتشرة في داخل المنظومة الاسلامية أولا وفي إعلامه الخاص به ثانيا، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها بل وان العديد من الجهات الغربية اصبحت تعلنها صراحة ودون خجل او خوف من ردة فعل من هنا أو هناك، وما ذلك إلا لعمله بان الامة لم تعد قادرة على المواجهة لأسباب كثيرة جلها معروف لدى أهل العلم والمعرفة وليس من داع لذكرها.

وبالعودة الى أهم النقاط او الامور التي جعلت جماهير الغرب تنفر من الاسلام وتعاديه وترفضه هي الصور الاجرامية التي باتت تسيطر على المشهد الاسلامي برمته، وأصبحت هي الحالة التي ينبغي للمسلمين الذين يهمهم تنقية الاسلام واعادته الى نضارته وصورته المشرقة دراستها وإمعان البحث فيها وإيجاد الحلول المناسبة لها وتسخير الجهود وبخاصة الجهود الاعلامية  لتحقيق هذا المرام.

ولعل من بين أهم مبادئ الاسلام الرئيسية التي سعى الغرب الى إفراغ الاسلام منها ومن خلال ذلك حقق ما حقق من مكاسب، هي مبدأ عدم الاكراه في الكثير من الأمور وعلى رأسها الدين.

ومبدأ (لا إكراه) من أهم المبادئ التي دعا لها الدين الحنيف وطبقها تطبيقا عمليا عبر أهم مراحله التاريخية، ألا وهي مرحلة صدر الاسلام، حيث نجد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يجبر أي إنسان على الدخول في الاسلام بالقوة، أو أنه حارب شخصا في ماله أو رزقه أو هجّره من موطنه أو منع عنه شيئا من مقومات الحياة في سبيل الضغط عليه لتغيير معتقده والدخول في الاسلام عنوة.

وهذا المبدأ، ومع شديد الأسف، لا نجد له حضورا اليوم وبخاصة لدى الجهات التي تمتلك عنصر الوصول إلى الغرب إعلاميا، وربما كان السبب الرئيسي أنها هي من تسعى الى منع انتشار هذا المبدأ الاسلامي لما له من تأثير في تغيير الكثير من المعتقدات في الداخل الاسلامي أولا، عبر السماح للمسلمين في البحث والدراسة والاطلاع وفتح آفاق التحليل والتمييز وإيقاف عمليات القهر والتخويف الفكري التي تسيطر على عقول المسلمين بشكل حصري.

لقد أصبح من الملحّ جدا تظافر جهود جميع الخيرين من الأمة للعمل سوية على تعرية جميع الافكار والممارسات المتطرفة والعدوانية التي ينتهجها منتحلو الاسلام، وتوسيع دوائر العمل من أجل إظهار الصورة الحقيقية للإسلام وبخاصة من خلال تأكيده الدائم في كتاب الله العزيز وسيرة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) على عدم الاكراه وبخاصة في جانب المعتقد، وجعل هذا المبدأ الالهي منهجا ثابتا لمختلف الجهات الاسلامية التي تعي أن رسالتها في الحياة أصبحت نشر الدين الاسلامي بمبادئه وقوانينه وممارساته بين الناس كافة، وعدم قصره على فئة أو قومية أو لون معين، وعدم السماح لبعض الاختلافات الفكرية البسيطة بأن تصبح عصىً في عجلات الأمة الاسلامية.

 

المصدر: مجلة الروضة الحسينية
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.