الهند.. لماذا يصرّ الحزب الحاكم على تمرير القانون الجديد للأحوال الشخصية؟

ردنا – بعد ما يقرب من أربع سنوات على إصدار ورقة استشارية تنص على وضع “قانون مدني موحد” (UCC) في الهند، ورفض “لجنة القانون الهندية” لها وتأكيدها أنه “لم يكن ضروريا ولا مرغوبا فيه في هذه المرحلة”، عادت نفس اللجنة، بضغوط من الحزب الحاكم لفتح ملف “قانون الأحوال الشخصية الموحد” أو “يونيون كاربايد كوربوريشن” من جديد.

 

رفض واسع

أرسلت “لجنة القوانين الهندية رقم 22″، في 14 يونيو 2023، مذكرة إلى الهيئات الشعبية والمنظمات الدينية تطالبهم بالإدلاء بآرائهم بشأن هذا القانون المدني الموحد في غضون 30 يوما، بحسب صحيفة “تربيون انديا” المحلية، وهي المهلة التي انتهت في 14 يوليو 2023، وسط رفض المسلمين ودعم الهندوس، ومخاوف من فرض القانون عليهم، لأن أحد أهداف الهندوس منه هو مزاعم أن “الهند ستتحول إلى دولة إسلامية لو استمرت مواليد المسلمين وانفصالهم بقوانين إسلامية خاصة بهم!”.

وعقد وزير الداخلية الهندي، أميت شاه، مطلع يوليو 2023 أول اجتماع رفيع المستوى لمناقشة “القانون المدني الموحد”، ما أثار تكهنات بأن الحكومة قد تقدم مشروع القانون في الدورة المقبلة للبرلمان.

وفي السياق، أكد الكاتب حارس زرغار، وهو باحث دكتوراه في المعهد الدولي للدراسات الاجتماعية بجامعة إراسموس روتردام، أن القانون الموحد “سلاح مزعوم لاستهداف المسلمين الهنود الذين يعانون بالفعل تحت وطأة السياسات الهندوسية المتشددة للحزب الحاكم”.

ولفت في مقال بموقع “ميدل إيست آي” البريطاني 12 يوليو 2023، إلى أن القانون و”عودة موضوع السيطرة على جسد المرأة المسلمة” في الهند، يتزامن مع حملة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، للترشح لولاية ثالثة عام 2024، ما يضع هذه القضية في بؤرة تركيز النقاشات السياسية والمجتمعية في البلاد.

وقال زرغار: “يحاول حزب بهاراتيا جاناتا الدفع بقضية القانون المدني الموحد إلى صدارة النقاشات السياسية مستندا لمزاعم المساواة الجندرية لتبرير الرغبة في إقرار هذه القوانين وفرضها على المجتمع الهندي المتنوع دينيا خاصة المسلمين”.

واستأنف حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم الذي ينتمي إليه مودي -والجماعات الهندوسية المتطرفة التابعة له -مساعيهم لإحياء التشريعات المعنية بفرض المزيد من التدابير التنظيمية على النساء المسلمات في البلاد.

ويرى زرغار أن مشروع القانون المدني الموحد يتعارض مع المنظومة القانونية التي تحكم الأحوال الشخصية في الهند، والتي تقتضي السماح لمختلف الطوائف الدينية، من هندوس ومسلمين ومسيحيين وغيرهم، باتِّباع قوانينهم الدينية في بعض شؤون الأسرة وإدارة الممتلكات المرتبطة بها، مثل الزواج والطلاق والتبني والمواريث.

وبدأت حملات إسلامية لرفض القانون الموحد، فيما دعا علماء هنود عبر مواقع التواصل الاجتماعي المسلمين لرفض “القانون الهندي” لأنه غير مناسب للمسلمين ولا لدولة تعددية مثل الهند.

وقام مسلمون بلصق رموز QR في العديد من مساجد الولايات المتحدة، وطُلب ممن يحضرون للصلاة إرسال رسائل بريد إلكتروني إلى “لجنة القانون” يبلغونها برفضهم القانون المدني الموحد.

وأصدرت عدة جمعيات واتحادات إسلامية هندية بيانات ترفض القانون الموحد وتؤكد أن الحكومة “تتآمر لتقسيم شعوب الهند مرة أخرى باسم قانون القانون المدني الموحد”.

وقالت الجمعيات إن “ما يميز الهند هو أنها تنعم بثقافات وتقاليد وطوائف وأديان متعددة، وتعد نموذجا يحتذى به في الدعوة إلى الوحدة في التنوع في العالم”.

وأكدت أن فرض “القانون الموحد” هو محاولة خبيثة من قبل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا لتحريض الهندوس ضد المسلمين وترويج خلافات وسياسات انقسامية.

واتهمت الجمعيات الإسلامية الحزب الحاكم بالسعي من وراء القانون الموحد للأحوال الشخصية، “لجني فوائد سياسية”.

ويرى علماء الدين المسلمون، و”مجلس الشريعة الإسلامية” وهي منظمة غير حكومية إسلامية بارزة تأسست عام 1973، في القانون الإسلامي للأحوال الشخصية، القاسم المشترك الوحيد المتبقي للمسلمين، والذي يمكن أن يحافظ على هوية جماعية للطائفة الإسلامية المشتتة في كامل أنحاء الهند.

ويخضع المسلمون في الهند لقانون الأحوال الشخصية الإسلامي (الشريعة) الصادر عام 1937، والذي يختص بقضايا الزواج والميراث والجمعيات الخيرية الخاصة بالمسلمين.

فيما يتناول قانون فسخ الزيجات الإسلامية (الطلاق) لعام 1939 الظروف التي يمكن فيها للمرأة المسلمة الحصول على الطلاق وحقوقها والأمور ذات الصلة.

ولا تسري أحكام هذه القوانين في ولاية “غوا” حيث يطبق هناك “قانون غوا المدني” على جميع الأشخاص بغض النظر عن دينهم.

وتضمن المادة 25-28 من الدستور الهندي الحرية الدينية للمواطنين الهنود وتسمح للجماعات الدينية بالحفاظ على شؤونها الخاصة.

ويجيز الدستور الهندي لأتباع الديانات المختلفة اللجوء إلى محاكمهم الدينية للفصل في قضايا الأحوال الشخصية والإرث.

لكن المادة 44 من الدستور الهندي تقول: “يجب على الدولة أن تسعى لتأمين قانون مدني موحد للمواطنين في جميع أنحاء أراضي الهند”، وهو ما يسعى له الحزب الهندوسي وترفضه الطوائف الدينية كافة خشية تغول الهندوس على عقائدهم.

 

الهيمنة الهندوسية

وترى جماعات هندوسية متطرفة أن هناك مخاوف من زيادة التعداد السكاني للمسلمين في الهند، ويزعمون أن هذا يؤثر على هيمنة “الهندوسية” واحتمالية القضاء عليها، رغم أن تلك المخاوف زائفة ولا أساس لها من الصحة.

ويرون أن تمرير قانون الأحوال الشخصية الموحد “أمر مفيد” في تحجيم الوجود الإسلامي في الهند، حتى أنهم يسخرون من المسلمين الرافضين ويطالبون بحرمانهم من الخدمات.

وتنشر لجان إلكترونية هندوسية على مواقع التواصل صورة لشاب مسلم وأربعة سيدات منتقبات في إشارة لزواج المسلمين من أربعة، وتغريدة موحدة تدعو لتطبيق القانون إجباريا على المسلمين، بعبارة “هذا القانون ضروري للبلد، ماذا ننتظر”.

أيضا يطالب المتطرفون الهندوس في مظاهراتهم بمشروع قانون للسيطرة على التعداد السكاني من أجل “إنقاذ الهندوسية” في البلاد، داعين في الوقت ذاته إلى جعل تعليم الكتب “الهندوسية المقدسة” إلزاميا.

ويقوم هؤلاء التابعين للمنظمة القومية الهندوسية المتطرفة “باجرانغ دال” بتنظيم مظاهرات مستمرة ضد ما يسمونه “النمو الديمغرافي” للمسلمين في الهند.

ويزعمون أن “القانون المدني الموحد” سيمنع المسلمين من الزيادة الديمغرافية ويتحكم في مواليدهم.

ويطلق الهندوس عددا من الخرافات ليبرروا سعيهم لإجبار المسلمين على التخلي عن قانون الأحوال الشخصية الموافق للشريعة، والدخول في قانون هندي موحد يتجاهل تعاليم الإسلام بشأن الأسرة.

ومن ذلك زعمهم أن “تعدد الزوجات يسبب زيادة النمو السكاني بين المسلمين” على حساب الهندوس، و”ينجب المسلمون المزيد من الأطفال” بسبب ارتفاع معدل الخصوبة بينهم، وأن الإسلام ضد تنظيم الأسرة، بحسب موقع “أوت لوك” المحلي في 12 مايو/ أيار 2023.

ويعتبر هؤلاء الذي يساندون الموقف الهندوسي دون وعي بحقيقته، أن القانون الموحد سيجرم بعض الأمور التي يرفضونها مثل تعدد الزوجات، التي أشاع اليمين الهندوسي كذبا أنها ممارسة منتشرة بين المسلمين، وهدفها زيادة أعدادهم.

وذلك رغم أن “المسح الوطني لصحة الأسرة” في عام 2006 كشف أن الأمر لا تتجاوز نسبته 2.5 بالمئة بين سكان البلاد من المسلمين.

وكانت قضية القانون المدني الموحد كذلك أحد بنود البرنامج الانتخابي لرئيس الوزراء المتطرف مودي في انتخابات عام 2019، وفي برنامج حزبه للانتخابات التي عقدت مؤخرا بولاية كارناتاكا الجنوبية، ويعيدون التأكيد عليها في انتخابات 2024.

وتحاول حكومة مودي تحويل “الخطاب الجندري”، أي مساواة المرأة بالرجل، إلى سلاح ضد مسلمي الهند لفرض قانون الأحوال الشخصية عليهم.

وحشدت الحكومة بعض النشطاء المناصرين للمساواة بين الرجل والمرأة وحقوق الجندر الاجتماعي لتأييد فكرة القانون المدني الموحد، وفرضه على المسلمين، بزعم أنه يسهم في إنهاء التمييز ضد المرأة.

وأشار الكاتب زرغار، في مقاله بموقع “ميدل إيست آي”، إلى أن إقرار القانون الموحد في المجتمع الهندي، “سيُفضي عمليا إلى إلغاء قوانين الأحوال الشخصية التي تحكم شؤون الأسرة المسلمة، ومن ثم إخضاع الشرائع والطقوس العرفية المتبعة في مختلف المجتمعات القبلية بالهند للقانون المدني الجديد”.

ويقول المعارضون للقانون أن إقراره يقوض النسيج الاجتماعي والديني للهند وسيُستعمل أداة لفرض “مشروع الأمة الهندوسية الموحدة”، مؤكدين أن هذه المساعي لفرض القانون الجديد استمدت أفكارها من تصورات القومية الهندوسية “الهندوتفا” التي تقول بأن استيعاب مسلمي الهند في نظام اجتماعي هندوسي “شامل” هو أحد الطرق الفعالة لمواجهة الوجود “التخريبي” للمسلمين في البلاد.

ويرى زرغار أن “قضية المرأة المسلمة” لطالما كانت مسألة مركزية في مشروع التفوق العنصري للجماعات الهندوسية المسلحة في الهند على مدار القرن الماضي.

وتعج “المدونة القانونية الهندوسية” التي تتعرض للانتقاد ببعض الممارسات المستهجنة، مثل زواج الأطفال، وحرق الأرامل، وحظر زواج الأرامل مرة أخرى، بينما يدعون بالمقابل أن “الأسرة المسلمة كيان متفكك لا يُحترم فيه شرف المرأة، ويُعدد فيه الرجال، ويحاولون جذب نساء الهندوس إلى حظائر سيطرتهم (الإسلام) عبر (الحب الجهادي) بين المسلمين والهندوسيات كي يسلمن” وفق زعمهم.

ورغم غياب أية أدلة على وجود “جهاد الحب”، فإن القوميين الهندوس لم يتوانوا عن مواصلة الادعاء بأنه يُستخدم أداة لإغواء الهندوسيات بالتحول عن دينهم ويحاجمون أبطال السينما الهندية المسلمين بدعاوى أنهم يروجون لهذا.

 

الحد من تزايد أعداد المسلمين

وفي 11 يوليو 2023، احتج متطرفون هندوس بمدينة عليكرة في ولاية أوتار براديش، مطالبين بالحد من ظاهرة نمو المسلمين، وطالبوا بمشروع قانون للسيطرة على السكان لإثارة الكراهية ضد المسلمين.

وفي أبريل/نيسان 2023، قالت وزيرة المالية الهندية، نيرمالا سيترامان، في منتدى دولي، إن “الهند لديها ثاني أكبر عدد من المسلمين في العالم”، وزعمت أن “النمو السكاني في البلاد يقتصر على المسلمين وحدهم!”.

وانتقد خبراء هنود حديث الوزيرة الموالية للحزب المتطرف الحاكم، مؤكدين أن خطابها أحيا فقط زيف الأساطير المألوفة حول ما يسمى “الانفجار السكاني المسلم” في الهند، بحسب ما أشار إليه تقرير لموقع “أوت لوك” في 12 مايو 2023.

وأشار الموقع إلى أنه “لا يمكن بحال من الأحوال أن يتجاوز عدد المسلمين عدد الهندوس خلال الألف سنة المقبلة، لكن الهندوس المتطرفون يروجون مخاوف من أن تصبح الهند دولة مسلمة”.

وفي مايو 2023، كشف تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية أن “مجموعة من المؤثرين ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي نجحوا في جذب جمهور عريض من الهندوس عبر نشر بيانات ديموغرافية خاطئة، لادعاء أن الهند تخضع لإعادة تشكيل لتصبح دولة مسلمة”.

ويبلغ تعداد سكان الهند 1.4 مليار شخص، بينهم 210 ملايين مسلم، لكن معدّل الولادات انخفض لدى الجميع في العقود الأخيرة، ووفقا لأحدث مسح وطني لصحة الأسرة في البلاد، حيث بلغ معدل الخصوبة الكلي طفلين لكل امرأة، ويرتفع بشكل هامشي لدى المسلمات ليصبح 2.3.

كما قالت توقعات صادرة في العام ذاته عن مركز “بيو” للأبحاث الأميركي، إن عدد المسلمين في الهند سيصبح 311 مليونا بحلول عام 2050.

ورغم أعدادهم المتزايدة، سيبقى المسلمون أقلية في البلاد التي سيصبح تعداد سكانها 1.7 مليار نسمة في منتصف القرن، بحسب توقعات المركز الأميركي.

وتشهد الهند، منذ أعوام، حملات اضطهاد واسعة وأعمال عنف ضد المسلمين، تقف وراءها مليشيات هندوسية متطرفة تتبع عقيدة (هندوتفا) العنصرية.

وتقول منظمات حقوقية إن هذه العقيدة، التي تعتنقها قيادة البلاد المتمثلة في حزب بهاراتيا جاناتا، تهدف إلى تمييز الهندوس عن بقية الأقليات في الهند.

 

مواقع إلكترونية
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.