وادي “قاديشا” في لبنان.. ملجأ الرهبان ومقصد السياحة الروحية

ردنا – وادي قاديشا، أو الوادي المقدس (قاديشا يعني المقدس باللغة السريانية) في شمال لبنان، هو موقع لبعض أقدم المجتمعات الرهبانية المسيحية في الشرق.

ويمتد وادي قاديشا، وعلى بُعد 100 كيلومتر من العاصمة بيروت، لأكثر من 20 كيلومترا، في مشهد ساحر يوحي لك بأن الجمال قد تركز في هذه البقعة الصغيرة من الأرض، حيث الأنماط الفريدة التي عاشها إنسان هذا الوادي قديما، من الوادي إلى “مغارة قاديشا”، مرورا بغابة أَرْز “الدهرية”، إلى قمة “قُرنة السودا” على ارتفاع 3088 مترا فوق سطح البحر.

وقد وفّرت الكهوف الطبيعية التي يصعب الوصول إليها في الوادي، ظروفًا ملائمة للرهبان والنسّاك بما يلزم ليعيشوا حالات العزلة والتأمل.

صليب قرب دير مار أنطونيوس
صليب قرب دير مار أنطونيوس

وتماهى الرهبان الذين سكنوا الوادي مع الطبيعة، وتحدّوا قسوة الحياة وكوّنوا موروثا ثقافيا بغطاءٍ سرياني آرامي لبناني موحَّد، فلا يكاد يوجد كهف أو جرف صخريّ إلا وسكنه ناسك، والنسكية في المسيحية المشرقية هي انقطاع الرهبان عن الحياة المادية واعتزالهم في كهوف بعيدة عن الناس.

وقد استخدم الرهبان قطرات الماء الساقطة من أسقف الكهوف (الدلْفة) لتأمين مياه الشرب لهم في فترة اعتزالهم، بينما يتفجر الماء من بين الصخور ثم يهوي إلى الوادي على شكل شلالات، في لوحة طبيعية يأخذ جمالُها بالألباب.

دير مار أليشع
دير مار أليشع

هنالك أكثر من 800 كهفٍ ومغارة في وادي قاديشا، وتفيد الآثار بداخلها أن الوادي كان مسكونا منذ أقدم الأزمان. وقد أفادت دراسات وأبحاثٌ على الفخاريّات الكثيرة الموجودة أن بعضها يعود للفترة الإغريقية، وهناك آثار لحضارات بشرية أخرى تعاقبت على سُكنى الوادي.

دير مار انطونيوس قزحيا
دير مار انطونيوس قزحيا

ويعتبر وادي قاديشا القلب النابض للعالم السرياني، وهو محجّ أساسي للطائفة المارونية من مختلف أنحاء العالم، فقد لجأ إليه الموارنة لثلاثة أسباب أساسية، وهي وجود الماء، ووجود أنواع الطعام من مختلف الفواكه والخضار، كالتين والعنب والزيتون والتوت والجوز وغيرها، وهي تؤكل حالا، ويمكن تخزينها للشتاء البارد، والسبب الثالث وجود الكثير من الكهوف والمغارات التي يلجؤون إليها ويختبؤون بها.

وقد ساعدتهم هذه العوامل الطبيعية على الصمود في وجه الغزاة على مرّ التاريخ، وكان الوادي ملجأ لجميع القرى المجاورة، وليس لأهل المنطقة فحسب.

 

المصدر: ردنا + مواقع إلكترونية
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.