قيادي بارز بحركة طالبان يهاجم الوهابية

القيادي بحركة طالبان عبد الحكيم حقاني

ردنا – أعادت فقرات حول الوهابية كتبها القيادي البارز في حركة طالبان عبد الحكيم حقاني، في كتابه “تتمّة النظام في تاريخ القضاء في الإسلام”،  إحياء الجدل مجدداً بين أنصار تنظيم “القاعدة” حول طبيعة العلاقة مع طالبان والموقف الذي يجب اتخاذه إزاءها.

هاجم حقّاني في الكتاب الدعوة الوهابية واعتبرها “فتنة” شغلت الدولة العثمانية في الجزيرة العربية أول ظهورها، واصفا أصحابها بأنهم “كثر شرهم وتزايد ضررهم وقتلوا من الخلائق ما لا يحصى واستباحوا أموالهم وسبوا نساءهم”.

واتهم حقاني مؤسس الدعوة محمد بن عبد الوهاب بـ”الزيغ والضلال الذي أغوى به الجاهلين، وخالف فيه أئمة الدين وتوسل بذلك إلى تكفير المؤمنين” على ما جاء في الكتاب.

واسترسل في سرد بعض مآخذه على الحركة الوهابية مثل تحريمها التوسل بقبر النبي وزيارته، واعتبار  “نداء الأنبياء والأولياء عند التوسل بهم” من الشرك، و كذا ادعائها أن “من أسند شيئاً إلى غير الله ولو على سبيل المجاز العقلي يكون مشركاً”.

واعتبر حقاني أن محمد بن عبد الوهاب “أتى بعبارات مزورة زخرفها ولبس بها على العوام حتى تبعوه”.

بذهول، تداول أنصار “القاعدة” في قنواتهم على تطبيق “تيليغرام” مقتطفات من الكتاب، وسارعوا إلى كتابة رسالة إلى أبي محمد المقدسي لأخذ رأيه مما اعتبروه “طعن حقاني في الإمام المجدّد محمد بن عبد الوهاب”  وإجازته “الاستغاثة بالأموات ونصر القبورية الخرافية وأئمتهم وسب التوحيد والسنة ووصفهما بالفتنة”.

كان رد المقدسي مختزلاً في بضع كلمات: “لا ينبغي أن يكون كلامنا وخلافنا معهم حول شخص الشيخ محمد بن عبد الوهاب بل حول مسائل التوحيد والشرك”. وهنا يعود المقدسي بالخلاف مع طالبان إلى المربع الأول عندما وقف محتجاً على “شركيات الأفغان” أمام عبد الله عزام.

حقاني يريد أن يربط الأزمة ويعلّق الخلاف في أفكار محمد بن عبد الوهاب، والمقدسي يريد أن يجره إلى “حلبة” الشرك والتوحيد؛ حلبته المفضلة التي اعتاد “صرع” مخالفيه فيها.

الجدل الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي في الأسابيع الماضية عبارة عن حلقة متصلة من المناكفات التي بدأت مع وصول الجيل الأول من العرب المتشبعين بالفكر السلفي الوهابي إلى أفغانستان نهاية ثمانينات القرن الماضي للمشاركة في الحرب ضد السوفييت، وظل مستمراً على درجات متفاوتة من الحدة والخفوت إلى يومنا هذا.

 

صدمة الوهابيين

يستذكر أبو محمد المقدسي، أبرز منظري تنظيم “القاعدة” الذي صاغ أدبياته كلها معتمداً على تراث ونصوص الدعوة الوهابية، وصوله أفغانستان أول مرة وكيف انتابته مشاعر الخيبة والصدمة وهو يرى المقاتلين الأفغان “ينتهكون جناب التوحيد” عندما يعلقون التمائم (التعويذات) على صدورهم، ويتبرّكون بالأضرحة والمزارات، وهي ممارسات تصنفها الدعوة الوهابية في خانة “الشركيات” التي تذهب بأصل الدين.

ولعلّ أول نقاش حاد حول “الممارسات الشركية” للأفغان كان عندما وقف أبو محمد المقدسي واعترض بحماس بالغ على محاضرة كان عبد الله عزام يلقيها في أفغانستان وحثّ فيها المقاتلين العرب على احترام وتفهم تقاليد الشعب الأفغاني واختياراته الفقهية. احتجّ المقدسي على ما اعتبره مغالطات عبد الله عزام، قائلا إن “تحفّظ الوهابيين العرب ليس على الاختيارات الفقهية للشعب الأفغاني” ولكن على “مظاهر الشرك” المستفحلة في المجتمع.

أيدت جموع من الوهابيين موقف المقدسي واعترضت على عبد الله عزام، وساد الصراخ جنبات المسجد ما اضطرّ عزام إلى إنهاء محاضرته ومغادرة المكان، ومن يومها والفهم الوهابي للتوحيد والشرك كامن في صلب الخلاف بين تنظيم “القاعدة” ذي الجذور الوهابية وبين طالبان ذات الامتدادات الصوفية.

لم يكن المقدسي بمواقفه المتصلبة هذه يعبر عن أكثر المواقف الوهابية تشدداً إزاء التدين الأفغاني لكنها ستؤسس لاحقاً لمواقف أشدّ تطرفاً بلغت ذروتها في كتاب “كشف شبهات المقاتلين تحت راية من أخلّ بأصل الدين” الذي كفّر فيه كاتبه المجهول حركة طالبان، واعتبرها “راية شركية” لا يجوز الانتماء إليها.

خصص أبو قتادة الفلسطيني، وهو منظر جهادي أردني أيضا،  أكثر من 100 صفحة للرد على هذا الكتاب، واعتبر كاتبه مخالفاً “لسبيل المؤمنين.. ومن أهل الغلو والانحراف وأنه أتى بالطامة العظيمة والموبقة التي ترديه في حمأة التكفير البدعي المذموم”.

كتب المقدسي مقدمة للكتاب أشاد فيها بمعظم مضامينه لكنه تحفظ على وصف الكاتب المجهول “بالغال الجاهل في دين الله الذي لا يدري ما يخرج من رأسه”.

انتشرت حمى التكفير المستند إلى تعاليم الوهابية بين الجهاديين العرب في أفغانستان، ودفعت كثيرا منهم إلى مغادرة البلاد بحثاً عن “راية نقية” يقاتلون تحتها في مكان آخر، فيما انكفأ آخرون على أنفسهم واعتزلوا ما اعتبروه “شركيات و منكرات” مستشرية في المجتمع الأفغاني.

 

حقاني والوهابية

يُعتبر عبد الحكيم حقاني من أهم القادة الروحيين لحركة طالبان، وأقرب المقربين إلى زعيمها هبة الله آخونذ زاده، فضلا عن شغله مناصب رفيعة في الحركة أبرزها قاضي القضاة ورئيس الإدارة العالية لمحاكم “الإمارة”. ويصنف حقاني ضمن المرجعيات العلمية للحركة، وكاتب أدبياتها. وأشار زاده في تقديمه لبعض كتبه إلى أنها بمثابة إطار أيديولوجي ملزم لأعضاء الحركة وقادتها.

مواقف حقاني ضد الوهابية تتسم بالحسم، بحيث لم يترك أي مساحة مشتركة مع أتباع الوهابية، ولم تدَع صرامةُ لغته مجالاً لتأويلها تأويلاً ينأى بها عن التصعيد والقطيعة مع التيار السلفي الوهابي. المعني الأول بموقف حقاني داخل التيار السلفي الجهادي الموالي للقاعدة هو أبو محمد المقدسي الشيخ الأردني الذي بنى أفكاره كلها على أرضية وهابية، ويعتبر أشهر كتبه “ملة إبراهيم” إعادة تدوير لأدبيات محمد ابن عبد الوهاب وتلاميذه.

 

الوهابية وطالبان.. شد وجذب

مواقف عبد الحكيم حقاني لا تعتبر الأولى من نوعها إزاء الوهابية، لكنها من أكثرها وضوحاً وحسماً. فمنذ تأسيس “القاعدة”، والخلاف مع معتقدات الأفغان وحنفيتهم يشهد مداً وجزراً حسب طبيعة الموقف المثير للسجال والخلفية الشرعية والأيديولوجية لمنظرّي “القاعدة”. ويمكن تصنيف هذه المواقف بين متشددة ومعتدلة ومنسجمة.

فالمواقف المتشددة هي التي عبر عنها المقدسي والزرقاوي وعدد من شيوخ وكتاب موقع “التوحيد والجهاد”، وهي مواقف وإن لم تصل إلى درجة التكفير، إلا أنها تؤكد دوماً على وجود خلافات مقلقة في مسائل التوحيد والشرك، وتراهن على حركة تصحيحية يقودها السلفيون داخل حركة طالبان للعودة بها إلى “منابع التوحيد الخالص”.

المواقف المعتدلة، ويعرف بها كثير من كوادر التيار “الجهادي” وقادة “القاعدة” مثل أبي مصعب السوري، وعطية الله الليبي، وأبو قتادة الفلسطيني. وهؤلاء يعتبرون مسائل الخلاف مع طالبان لا تخرج عن نطاق “الفروع الفقهية” التي يسوغ فيها الخلاف، ويقرأون العلاقة مع طالبان قراءة “جيوسياسية” واستراتيجية، وليس قراءة عقدية مثل الفريق الأول.

المواقف المنسجمة، وهي المواقف التي قطعت مع القاعدة، وانحازت إلى حركة طالبان. ويجادل أصحابها بأن “القاعدة” والوهابية هما سبب نكبة الأفغان وخراب ديارهم، ويطالبون الحركة بإعلان قطيعة نهائية مع تنظيم “القاعدة”.

ويعتبر مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) أهم صوت في هذا التوجه، وقد سخّر موقعه الالكتروني وعموده في مجلة “الصمود” التابعة لطالبان لإدانة الوهابية وتحميلها مسؤولية “حمامات الدم” التي شهدها العالم الإسلامي في العقود الثلاثة الماضي. وعلى منواله سارت شخصيات أخرى في موقفها من الوهابية و”القاعدة” مثل أبو ماريا القحطاني وكثير من قيادات هيئة تحرير الشام السورية.

تشكل لحظة “داعش” ذروة الاشتباك بين الوهابية وحركة طالبان، وقد وجدت “داعش” في المقولات الوهابية مسوغاً لحربها على الحركة التي تسميها “الميليشيا الشركية القبورية المرتدة”. واستهداف داعش للمساجد ودور العبادة في أفغانستان يأتي في سياق ما تعتبره استهدافاً لـ”معابد الشرك” في البلاد.

 

المصدر: مواقع إلكترونية
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.