مشروعية العمل في فقه الواقع عند الاجتهاد بدليل المصالح المرسلة
موقع ردنا لأخبار الأدیان والمذاهب – من الأدلة الشرعية المعول عليها في البحث والدراسة الفقهية الشرعية في الأمور الحادثة والخاصة بالمعاملات و الحياة المعيشية بين الناس، والتي لم يرد بشأنها نص خاص بالإثبات أو النفي (دليل المصالح المرسلة)، وتعرف المصلحة المرسلة بأنها كل مصلحة لم يرد بشأنها دليل معين في كتاب أو سُنة أو إجماع أو قياس يمنع العمل بها، مع مراعاة أن تكون المصلحة حقيقية أو عامة وبها يتحقق جلب مصلحة أو دفع مضرة.
مثال ذلك تطعيم الأطفال وتحصينهم ضد الأمراض الوبائية الخطيرة التي تهدد حياتهم، وتطعيم القادمين للبلاد أو الخارجين منها ضد الأمراض الوبائية التي يُخشى الإصابة منها، وهذا أمر لم يرد بشأنه دليل معين في الشرع يدل على اعتباره أو إلغائه وتركه، لكن لو أوجبناه على جميع أولياء الأمور وعلى الناس في الحالات التي تقتضي ذلك لكان حكماً شرعياً صحيحاً يجب العمل والالتزام به؛ لأن في ذلك دفع ضرر عام وهو خطر انتشار المرض الوبائي الذي يهدد الناس جميعاً في حياتهم وصحتهم ومعاشهم، وهذا لا تعارضه الشريعة الإسلامية التي أمرت بالمحافظة على نفوس الناس وحياتهم ومعاشهم، بل دعت إليه واعتبرته الشريعة في بناء كل أحكامها التشريعية الخاصة بالعباد، لأن الشريعة الإسلامية ما جاءت إلا لتحقيق مصالح العباد والبلاد ودفع المفاسد والضرر عنهم في كل حال، ولا تتحقق هذه الحكمة بالوقوف في بناء الأحكام الشرعية عند المصالح التي نص عليها الشارع على اعتبارها بخصوصها فقط وعدم تجاوزها إلى غيرها مما سكت عنه الشارع، بل أباح التجاوز إلى غيرها من المصالح المرسلة التي تتعلق بأفعال العباد التي لا تنص فيها؛ لأن مصالح الناس ليس لها حد يقف عنده لتطورها وتجددها غالباً حسب الزمان والمكان بين البشر والعباد والبلاد، ولأن الاقتصار في بناء الأحكام الشرعية بين العباد فيما ورد بشأنه النص الشرعي يؤدي إلى إهدار كثير من مصالح الناس وإلحاق الضرر بهم وإيقاعهم في العنت والمشقة، وذلك مرفوع عن الناس شرعاً بكثير من النصوص الشرعية قطعية الثبوت والدلالة، ومنها قوله تعالى (وما جَعَل عليكم في الدِّين من حَرَج) الحج78، وقوله تعالى (يريد الله بكمُ اليسرَ ولا يريدُ بكمُ العسر) البقرة185، وقوله تعالى (لا يكلف الله نفساً إلا وُسعَها) البقرة286، وقوله صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار».
فالضرر والضرار منهي عنه، والحرج مرفوع عن العباد شرعاً، وأحكام الشريعة كلها مبنية في أحكامها على التيسير بالعباد ورفع الحرج عنهم وتحقيق كل ما فيه مصلحة لهم، وهذا مشروع ومأمور به في كل حال بين العباد في كل زمان وفي كل مكان، والعمل بمقتضى المصلحة المرسلة مشروع في كل حال مع مراعاة ضوابطها الشرعية، وألا يتوسع فيها بما يتعارض مع حدود ما شرعه الله بنصوص قطعية الدلالة والثبوت حتى لا يكون العمل بالمصلحة المرسلة ذريعة إلى الفساد بين العباد والخروج عن أحكام الشريعة الإسلامية وأهدافها العامة الرئيسة، وهذا مرفوض التفكير فيه أو العمل به بالإجماع (راجع للكاتب: المدخل الوسيط ص161 وما بعدها، والقواعد الفقهية ص118 وما بعدها، ص126 ومابعدها، ص191 ومابعدها، وأصول الفقه للخضري ص334).
وإنه وإن كان المشهور أن الإمام مالك رضي الله عنه هو الذي أخذ بهذه المصالح المرسلة وعمل بها في مجال الأحكام الشرعية العملية، إلا أن الواقع العملي والأقرب إلى الفهم أن جميع الفقهاء والمجتهدين في الشريعة الإسلامية لا يمانعون بالعمل والأخذ بها وإن كان تحت مسمى آخر عندهم في أدلة الأحكام الشرعية والنصية والاجتهادية قطعية الثبوت أو الدلالة أو الظنية في بناء الأحكام الشرعية عليها حسب قواعدهم الشرعية وأصولهم التشريعية في أدلة الأحكام الشرعية.
د. نصر فريد واصل