حقوق الأقليات الدينية في الدول العربية

الصابئة المندائيون يؤدون طقوسهم في أنحاء مختلفة من العراق

ردنا – يعد موضوع الحريات الدينية واحداً من أهم الموضوعات التي اهتمت بها كافة الدساتير الحديثة. في سنة 1948م صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ونصّت المادة 18  على أن “لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق حريته في تغير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر، ومراعاتها، سواء كان ذلك سراً أم علانيةً”. وفيما يلي لمحة عن أوضاع الأقليات الدينية في بعض الدول العربية.

 

العراق

يشهد العراق تنوعاً دينياً كبيراً على أرضه. تعيش في بلاد الرافدين أغلبية مسلمة -تنقسم بين الشيعة والسنة- بالإضافة إلى أقليات مثل المسيحيين بكافة طوائفهم، والصابئة المندائيين، والإيزديين، فيما تعرّضت الأقلية اليهودية للتهجير من العراق خلال القرن الماضي.

عانت تلك الأقليات كثيراً في زمن حكم النظام البعثي في الفترة الممتدة بين سبعينيات القرن العشرين وحتى السنوات الأولى من الألفية الجديدة. تغير الوضع بشكل كبير عقب سقوط نظام صدام حسين في سنة 2003م. في نوفمبر من تلك السنة، تم الإعلان عن تأسيس ديوان أوقاف الديانات المسيحية والأيزيدية والصابئة المندائية، ليجاور كل من ديوان الوقف السني، وديوان الوقف الشيعي. وبذلك تم الاعتراف بشكل رسمي بحق الأقليات الدينية العراقية في بناء دور العبادة الخاصة بهم. وتم التأكيد على ذلك في المادة الثانية من دستور سنة 2005م. والتي جاء فيها “ضمان الدستور لكامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والإيزديين والصابئة المندائيين”.

رغم ذلك، عانت الأقليات الدينية العراقية كثيراً في السنوات السابقة. قامت عناصر تنظيم داعش بهدم العديد من الكنائس ودور العبادة الإيزدية والمندائية أثناء سيطرتها على منطقة الموصل في الفترة من 2014- 2016م. من جهة أخرى اشتكى أصحاب تلك الأقليات من معاملة تمييزية فيما يخص مسألة بناء دور العبادة. على سبيل المثال قالت المديرة العامة للأوقاف المندائية في سنة 2016م: “يشكو المندائيّون من وجود معاملة تفضيليّة تعكس تمييزاً بالنّسبة إلى بناء دور العبادة، ففي حين يمكن بسهولة تشييد جامع أو حسينيّة للمسلمين، يتطلّب بناء دور عبادة للمندائيّين إجراءات إداريّة والاستحصال على موافقات مرهقة. هناك مناطق عدّة يفتقر فيها المندائيّون إلى مكان يمارسون فيه طقوسهم ويؤدّون شعائرهم، وخصوصاً في قضاء القرنة بالبصرة، وفي الكوت – مركز مدينة واسط، وقضاء الصويرة بمحافظة واسط أيضاً، فلا يوجد مندي -دار العبادة المندائية- للمندائيّين في كلّ تلك المناطق، رغم وجود عدد كبير من العائلات المندائيّة هناك والحاجة الماسة إليه لممارسة طقوسهم الدينيّة”.

 

سوريا

يعدد المفكر السوري الراحل إحسان عباس في ورقته البحثية المعنونة بـ “إدارة التنوع في سوريا” المكونات الدينية والمذهبية في المجتمع السوري. فيقسمها إلى المكون الإسلامي، مثل السنّة والعلويون والدروز والإسماعيليون والشيعة والمرشيديون، والمكون المسيحي الذي يتوزع على إحدى عشر كنيسة مختلفة، فضلاً عن المكونين اليهودي والإيزيدي.

من الناحية القانونية، نص الدستور السوري على احترام كافة المكونات الدينية والطائفية في العديد من مواده. جاء في المادة الثالثة “تحترم الدولة جميع الأديان، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على ألا يخل ذلك بالنظام العام…”. عملياً، حُرمت بعض من تلك الأقليات من حقها في إقامة دور العبادة. على سبيل المثال حاول بعض الإيزيديين في سنة 2002م، إنشاء البيت الإيزيدي في سوريا ليكون بمثابة دار للشعب الأيزيدي لممارسة شعائره وطقوسه الدينية إلا أنه تم رفض الطلب من قِبل السلطات السورية دون تعليل الأسباب، وذلك بحسب ما ورد في تقرير “الايزيديون في سوريا: عقود من الإنكار والتهميش” الصادر في سبتمبر سنة 2022، عن عدد من المنظمات غير الحكومية. من جهة أخرى، تعرضت الكثير من دور العبادة التابعة للأقليات للاستهداف خلال الأحداث الدامية التي عاشتها سوريا في السنوات السابقة. في يوليو 2022م تم الاعتداء على كنيسة آيا صوفيا في ريف حماة من قِبل إحدى الجماعات الإرهابية. في السياق ذاته، تعرضت دور العبادة الأيزيدية في شمالي سوريا للاستهداف من قِبل عناصر تنظيم داعش. كما تم إجبار الدروز في الكثير من قرى محافظة أدلب على التخلي عن خلواتهم -الخلوة هي دار العبادة المعروفة عند الدروز- لتتحول إلى مساجد على يد عناصر تنظيمي داعش وجبهة النصرة.

 

مصر

تعيش في مصر أغلبية مسلمة بالإضافة إلى أقلية مسيحية كبيرة، وعدد قليل من البهائيين واليهود. أكد الدستور المصري الصادر في سنة 2014م على أن حرية الاعتقاد مطلقة ومكفولة لجميع المصريين. وفرّق الدستور بين الحق في الاعتقاد من جهة، والحق في إقامة الشعائر الدينية من جهة أخرى. جاء في المادة 64 من الدستور “حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون”.

على مدار العقود السابقة، تعالت أصوات الأقباط المصريون للمناداة بحقهم في إقامة الكنائس بنفس الطريقة التي يقيم بها المسلمون مساجدهم. كان من المعتاد أن يتم تحويل طلبات إقامة الكنائس لرئيس الجمهورية لينظر فيها ويوافق عليها قُبيل العمل في بنائها. تغير هذا الوضع بدءاً من أغسطس سنة 2016م عندما أُصدر القانون المعروف بقانون بناء الكنائس. نصت المادة الثانية من هذا القانون على مراعاة “أن تكون مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها وملحق الكنيسة على نحو يتناسب مع عدد وحاجة مواطني الطائفة المسيحية فى المنطقة، التي تقام بها، مع مراعاة معدلات النمو السكاني”. كما وجه القانون بتقديم طلبات بناء الكنائس إلى المحافظ الذي يدير شؤون المحافظة التي ستبنى فيها الكنيسة. وألزمت المادة الرابعة من القانون المحافظ بالبت في الطلب المُقدم له “فى مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ تقديمه”. مثل هذا القانون حراكاً مهماً في قضية بناء الكنائس في مصر. مع ذلك، لم ينص القانون على الإجراء المُتبع عند رفض الطلب. أو في حالة عدم استجابة المحافظ في غضون الإطار الزمني المطلوب.

 

المغرب

تعيش في المغرب أغلبية مسلمة، بالإضافة إلى أعداد من اليهود الذين لم يهاجروا، وبضعة آلاف من المسيحيين من ذوي الأصول الأوروبية والمقيمين الأجانب والمهاجرين من دول أفريقيا والمغاربة المتحولين إلى المسيحية. من الناحية القانونية، أكد الفصل الثالث من الدستور المغربي على أن “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية”. رغم ذلك، لم يحدد الدستور الضوابط المعمول بها لإقامة دور العبادة اليهودية أو المسيحية.

بشكل عام، لا يعاني اليهود المغاربة من التضييق عليهم فيما يخص إقامة دور العبادة. توجد العديد من المعابد اليهودية في المغرب. تستوعب تلك المعابد الأعداد القليلة من اليهود. خصوصاً وأن الحكومة المغربية قامت مؤخراً بإصلاح العديد من المعابد والمؤسسات اليهودية لاستيعاب أعداد متزايدة من الزوار، خاصة بعد تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل.

على الجهة المقابلة، يطالب الكثير من المسيحيين المغاربة بحقهم في إقامة الكنائس لإقامة شعائرهم الدينية. خصوصاً وأن أغلب الكنائس المجودة حالياً في المغرب هي كنائس تابعة لجهات أجنبية. في هذا السياق، سلمت التنسيقية الوطنية للمغاربة المسيحيين مذكرة رسمية لمكتب رئيس الوزراء المغربي الأسبق سعد الدين العثماني في إبريل سنة 2017م. كان مطلب إقامة الطقوس المسيحية بالكنائس الرسمية على رأس قائمة الطلبات التي تضمنتها المذكرة.

أُعيد الأمل لطلبات المسيحيين المغاربة مرة أخرى في مارس 2019م. على خلفية التصريحات التي أدلى بها الملك المغربي محمد السادس في خطابه بمناسبة الزيارة الرسمية للبابا فرنسيس للمغرب. قال الملك المغربي في تلك الخطبة: “بصفتي ملك المغرب، وأمير المؤمنين، فإنني مؤتمن على ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية… فأنا الضامن لحرية ممارسة الديانات السماوية. وأنا المؤتمن على حماية اليهود المغاربة، والمسيحيين القادمين من الدول الأخرى، الذين يعيشون في المغرب”.

عادت قضية إقامة الكنائس إلى الواجهة مرة أخرى في المغرب في مارس سنة 2021م. بعدما اُتهم بعض المسيحيين بتحويل أحد البيوت السكنية إلى كنيسة لإقامة الشعائر المسيحية. طالب وقتها القس آدم الرباطي، رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة بالإسراع نحو إقامة الكنائس، وقال: “أطلب من الدولة تفعيل حرية المعتقد وتأطير المجتمع لتقبّل الآخر؛ فحرية المعتقد أمُّ الحريات، وهي الحرية الوحيدة التي تجعلك تحترم جارك ويحترمك، وإذا فَعَّلَت الدولة هذه الحرية ستكون ثَمَّة أماكن خاصة بعبادة المسيحيين، أما الآن فنحن مضطرون للجلوس في كنائس بيتية”.

 

المصدر: مواقع إلكترونية

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.