هل يمكن القضاء على حركة المقاومة الإسلامية “حماس”؟

هل يمكن إنهاء حماس، والقضاء عليها؟ هذا سؤال مطروح من العدوّ والصّديق على حدّ سواء، فهو من العدوّ أمنية، وهدف، وتخطيط لتحقيقه. ومن الصّديق: خوف وقلق، على حركة مقاومة هي وأخواتها تنوب عن الأمّة في معركتها الكُبرى: فلسطين والمقدّسات، وسرّ طرح السؤال: ما أعلنته القيادات الإسرائيليّة بأنَّ هدفها من الحرب على غزّة- بهذا الجبروت غير المسبوق- هو القضاء تمامًا على حماس، والمقاومة في غزَّة.

وأعتقدُ أنَّ من الأهداف المعنوية- التي أراد تحقيقها الكيانُ الصهيوني- هو هذا التساؤل، الذي يخفّف من وطأة الكارثة التي حلّت عليه، وينقل الضغط النفسيّ الشديد عليه من مجتمعه، إلى طرف خَصمه وعدوّه: حماس والمقاومة، وحاضنتهم الشعبية داخليًا وخارجيًا، فقد أعلن الكيان، أنّه يستهدفُ استئصال المقاومة، والقضاء على حماس تمامًا، وتواطأ معه على هذا الأمر الحلفاء الغربيّون، وإن بدا لحلفائه صعوبة ذلك فيما بعد.

 

المقاومة في حالة صمود لا انكسار

لذا فالسؤال، لا يأتي في سياق طبيعيّ، فهو مطروح في وقتٍ المقاومة فيه متألقةٌ، سواء من حيث عملياتها النوعية في (طوفان الأقصى)، أم من حيث أداؤها على أرض المعركة، ومعنوياتها المرتفعة- رغم الألم لما يرتكبه العدو من مجازرَ بشعة- وكذلك من حيث خطاب المقاومة المتّسم بالقوّة، والوضوح، والمصداقية. وفي الأيام الماضية كان التفاعلُ الجماهيري مع خطابات “أبي عبيدة”، يبرهن على ذلك، فلو راجع راصد مدى التفاعل على السوشيال ميديا، ووسائل التواصل الاجتماعيّ- والحيل التي تذهب إليها الجماهير المؤيّدة للمقاومة، كي تتجاوزَ فخَّ الحظر على الفيس بوك، وغيره- لَأدرك أنّ السؤال لا يأتي في سياقِه، وإن كان يشكل هاجسًا وقلقًا لدى المحبّين والمؤيّدين للمقاومة.

 

عوامل البقاء والإنهاء داخلية

ومع ما سبق ذكره، إلا أنّنا نتناول الإجابة عن السؤال، أو التفكير فيه، بشكل منهجيّ قدر الاستطاعة، وهنا لا بدّ لنا من التذكير بمسألة مهمة، وهي: أنّ بقاء الكيانات البشرية، سواء كانت جماعات، أم حضارات، أو دولًا، ليس دائمًا، بل يدور دورته حسَب سنن الله تعالى، فالخلود والبقاء، ليسا مكتوبَين في هذا الكون، إلا لخالقِه سبحانه وتعالى: (كُلُّ شَيۡءٍ ‌هَالِكٌ ‌إِلَّا وَجۡهَهُ) القصص: 88، ونقاشُنا هنا ليس متعلقًا بدوام كيان، أيًا كانت أعماله الحسنة، بل بعوامل نهوضه وانكساره أو نهايته.

بقاءُ حماس أو انتهاؤها، مرهونٌ بمدى التزامها بمبادئها، والحرص على أداء المهمّة التي انتدبت نفسها لها، أو انتدبتها الأمّة لها، ولا تزال الرسالة التي تؤدّيها لم تحققها بعدُ، وهي تحرير فلسطين. إنَّ سعيَ إسرائيل – أو حلفائها – إلى القضاء عليها خاصة، أو على المقاومة عامة- مهما كان عدد الشهداء والجرحى، والخراب والتدمير- هو أمرٌ ليس بجديد على الشعب الفلسطينيّ، وليس جديدًا على الحركات الإسلامية، والتي تصاحِب وجودَها المحنُ منذ نشأتها، وحتى اليوم.

إنّ اقتلاع حماس، أو إنهاءها تمامًا، لا يكون بعوامل خارجيّة، بل بعوامل داخلية بالدرجة الأولى، وهذا قانون سنني في الحياة، وفي كل الحضارات والجماعات، فعوامل قوّتها وضعفها تنبع من داخلها، وهو قانونٌ إلهيّ يسري على النّاس جميعًا مهما اختلفت عقائدُهم، قال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ ‌بِظُلۡمٖ ‌وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ) هود: 117، ففساد وصلاح المقاومة من داخلها، وما يكون من خارجها هي عوامل مساعدة، وليست العوامل الرئيسة لبقائها أو نهايتها.

 

القوة العسكرية لا تنهي المقاومة

القوّة العسكرية – مهما كان تدميرها – لا تنهي فكرة، والأفكار والأيديولوجيات لا تنتهي بالحلّ الأمنيّ أو العسكريّ، وقد جرّبت أنظمة ودول- على مدار التاريخ- أن تمحو فكرة، أو رأيًا بالقوّة، وباء ذلك بالفشل، وبقيت الفكرة، سواء كانت الفكرة صحيحة أم غير صحيحة، فما بالنا إذا كانت الفكرة مبنية على عقيدة ومبدأ وحقّ، هنا تختلف المسألة، وتزداد الفكرة وحَمَلتها صلابة ومنعة واستعصاء على الإبادة.

وحماس نفسها- وهي فرعٌ عن الإخوان المسلمين، له خصوصيته الإدارية والفكرية والتنظيمية- مرَّت بمراحل، وقد سبقت مرحلة العمل العسكري لحماس، مرحلة كانت لا تتبنى فيها العمل العسكريّ، فقد مرت جماعة الإخوان في فلسطين بمراحل مختلفة، بدأت بالكفاح المسلّح، ثم بعد نكبة 1967 صدر قرار من القيادة الفلسطينية بعدم الانضمام لأي عمل مسلّح، لأسباب طويلة، لا يتّسع المقام لذكرها، وقد فصّلت ذلك وذكرته في مقال على الجزيرة مباشر، بعنوان: “قرار الإخوان الصادم الذي تسبب في تأسيس حماس”، ثم راجع الإخوان أنفسهم بضغط من الشباب، وقاموا بتأسيس حماس، ثمَّ بدأت تتطوّر في أدائها المقاوم حتى وصلت للحالة التي نتحدّث عنها اليوم.

 

الفرق بين حماس الفكرة والتنظيم

حركة المقاومة الإسلامية حماس، شأنها شأن الحركات الإسلامية الأخرى، كالإخوان وغيرها، من يحصرها في عدد أفراد تنظيمِها فهو قاصر الفهم؛ لذا ينبغي هنا التفرقة بين الفكرة والتّنظيم، فأيّ تنظيم مبنيّ على أيديولوجية -مهما كانت قوته- لا يضمّ كلَّ من يؤمن بأفكاره إليه، بل يكون هناك أتباع التنظيم وهم قلّة، وهناك أتباع الفكرة، وهم الكثرة، وهذه الكثرة تؤمن من داخلها، وتعدّ نفسها، بل وتعرّف نفسها بأنّها مقاومة، وأنّها حمساويّة، رغم أنها لا تربطها بها روابط تنظيمية، أو إدارية.

فشروط الانضمام للتنظيم أو المقاومة- وبخاصة العمل العسكريّ- شروط قاسية، بحكم طبيعة العمل، وكذلك العمل السياسيّ في ظلّ مقاومة محتلّ، وطبيعي ألا يكون كل النّاس فيه، وهنا يأتي انفتاح المقاومة بالنظر إلى أتباع الفكرة، على أنّهم شركاء أصلاء في المقاومة، وهو ما نراه واضحًا جليًا في حماس، في المشاركة في مستجداتها وأمورها، واستطلاع الآراء قبل وأثناء وبعد اتخاذ القرار، وإن ظلَّت استقلالية القرار متروكة للقيادات، لكن هذه الشراكة مراعاة بقدر كبير.

 

حماس ليست قيادات فقط

ومن هنا يتّضح أنّ حماس ليست التنظيم الإداريّ والرسميّ لها فقط، بل إن التنظيم لا يتعدى واحدًا بالمائة من الشعب الفلسطينيّ، وكذلك من الشعب الغزاوي، وبقية المقاومة فهي دوائر مختلفة، تضيق عند التنظيم الإداري- وبخاصة القيادات- وتتّسع شيئًا فشيئًا كلما اتسعت دائرة الناظر للمقاومة، وهو ما يعني: أنّ هذه الدوائرَ والصفوف المترامية الأطراف من حيث التكوين الهيكلي تنظيمًا وفكرةً، هي دوائر غير متناهية، فإذا تمّ القضاء على قيادة، أو قيادات، خرجت غيرها، وأفرز الصفّ المقاوم غيرها.

ولعلنا نلاحظ ذلك في متحدثي (حماس) الإعلاميين، فقد اشتهر منهم عدد من قبل، ثم توارت هذه الوجوه فترة، وظهرت بعدها ومعها قيادات متحدثة أخرى، وبعد أن كان متحدثو حماس يعدّون على الأصابع، الآن أصبحت كوادرهم الإعلامية تتسع عددًا وتخصصًا.

 

الحاضنة الشعبية لحماس

ما يجعل هدفَ إنهاء حماس مستحيلًا- في حسابات البشر كذلك- هو الحاضنة الشعبيّة التي تتمتع بها حماس، سواء في الداخل الفلسطينيّ، أو في الخارج، بمستوياته المختلفة: الإسلامية والإنسانية، وهو مثار الإعجاب من الجميع، لهذا الشعب الصبور، الثابت، الذي يتلقى المصائب بثبات عجيب، سببه: الإيمان، وعدالة قضيته، وأن التضحيات الباهظة الثمن لن تضيع سدًى.

لذلك، يحاول الإعلام العربي المتصهين أن يقوم بدور خبيث مكشوف للوقيعة بين هذه الحاضنة والمقاومة، فرأينا سياسيين وإعلاميين عربًا، يتحدثون بالتبجيل عن أهل غزّة، وعن صمودهم وثباتهم، وأنهم أبطال؛ لأنّهم يواجهون الكيان على أرض غزة، بينما المقاومة تختبئ في الأنفاق، والحديث عن تجريم المقاومة، وهي حيلة مكشوفة، لا تنطلي على الشعب الفلسطيني بوجه عام، ولا على الجماهير العربية اليقظة، وهي الحاضنة الكبرى لها، لذا فالمحاولات مستمرة للعزف على هذا الوتر علّه يأتي بنتيجة ولو على المدى البعيد.

هذه الحاضنة هي الاختبار الأصعب على الدوام لحماس والمقاومة؛ لأنّ خسارتها هي الخسارة الكبرى، مهما نالت من دعم ومساندة من كيانات كبرى كدول، أو هيئات، لذا تعتمد المقاومة على رصيدها لدى هذه الحاضنة، حتى وإن أخطأت في قرارات أغضبت شريحة كبيرة منها، أو رأت غير ما رأت. هذه الحاضنة تبدأ بأهل غزة، وأهل فلسطين كلها، وتنتهي بآخر دائرة في أفراد الأمّة، وهي ثابتة في مواقفها من المقاومة، إلى حدّ كبير، وهذا مكسب، ليس فقط يجب الحفاظ عليه، بل تنميته ورعايته.


عصام تليمة

باحث إسلامي

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.