الخلط المسيء بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية

تنتشر قصة شهيرة عن مؤسس الصهيونية الحديثة ثيودور هرتزل. وكان الصحافي الشاب في فيينا في أواخر القرن التاسع عشر يعتقد أن حل مشكلة التحرر اليهودي في أوروبا يكمن في إنشاء دولة يهودية. وبقيت أفكاره هامشية بين الجاليات اليهودية الأوروبية حتى بعد المحرقة، لكنها أثارت فضول بعض الزعماء اليهود.

وقرر كبير حاخامات فيينا زيارة هرتزل عند سماع خططه لخلاص الشعب اليهودي. وعندما وصل في أحد أيام ديسمبر الباردة إلى شقته، رأى شجرة عيد الميلاد في غرفة المعيشة. وتقول القصة إن الحاخام غادر ولم يتحدث أبدا مع هرتزل، حيث رأى أنه مندمج جدا في العادات المسيحية بحيث لن يكون منقذا لليهود.

وتسلط هذه القصة الضوء على عدد كبير من الروايات المضادة والآراء المختلفة داخل المجتمع اليهودي حول الصهيونية السياسية. ومنذ أيام خطط هرتزل الأولى لإنشاء دولة يهودية، انقسمت المجتمعات الدينية حول ما إذا كان اليهود بحاجة إلى دولة في المقام الأول. وتبقى أعداد اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل اليوم متساوية تقريبا مع أعداد الذين يعيشون في الدولة العبرية. وفي حين تسمي العديد من مجتمعات الشتات اليهودية نفسها صهيونية، إلا أنها ترفض تحقيق المبدأ الأساسي للأيديولوجية الصهيونية الحديثة والهجرة إلى إسرائيل.

ورغم الاختلاف العميق داخل المجتمع اليهودي حول الصهيونية، تروج الحكومة الإسرائيلية وحلفاؤها منذ فترة طويلة لكون معاداة الصهيونية ومعاداة السامية وجهين لعملة واحدة. ووصل الخلط بين هذه المصطلحات خلال الشهر الأخير من القتال في قطاع غزة إلى درجة كبيرة وساهم في اشتعال معاداة السامية في جميع أنحاء العالم.

وتحدث البروفيسور أفي شلايم، وهو من العلماء الإسرائيليين التعديلين المعروفين باسم “المؤرخين الجدد”، عن الاختلافات بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية في مقطع فيديو حديث انتشر عبر الإنترنت. وأشار إلى أن معاداة السامية تعني كراهية الشعب اليهودي لأنهم يهود. أما معاداة الصهيونية فهي معارضة للأيديولوجية الصهيونية أو، بشكل أكثر شيوعا، انتقاد سياسات محددة تتبعها الحكومة الإسرائيلية. وتبقى معاداة السامية شكلا قبيحا من الكراهية لا ينبغي تبريره على الإطلاق، ويميل الخطاب المناهض للصهيونية إلى أن يكون مستندا إلى الأدلة.

وتقول الحكومة الإسرائيلية ومؤيدوها إن معاداة الصهيونية تحرم اليهود من دولة خاصة بهم بسبب دينهم، مما يجعل معاداة الصهيونية معاداة للسامية لكونها تستهدف مجموعة معينة. ولا تحمل هذه الحجة منطقا لأن مناهضي الصهيونية لا يقولون إن اليهود لا يستطيعون تقرير مصيرهم. لكنهم ينتقدون كيفية سعي الصهيونية إلى ممارسة حق تقرير المصير في مكان معين على حساب حق شعب آخر في تقرير مصيره.

وتكمن القضية العميقة في خلط إسرائيل المتعمّد بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية لإسكات أي انتقاد للحكومة الإسرائيلية أو سياسات الاحتلال التي تنتهجها تجاه الفلسطينيين. وعندما دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار لحماية المدنيين في قطاع غزة عند اندلاع الحرب الأخيرة، وصف الممثل الإسرائيلي على الفور موقفه بأنه معاد للسامية. ويعتبر هذا مثالا واضحا على إستراتيجية الخلط لتحويل الانتباه عن الانتقادات المشروعة للسياسة الإسرائيلية.

لم ينتخب الشعب اليهودي الحكومة الإسرائيلية لتمثيله في العالم. وسيكون إجراء هذه الانتخابات مستحيلا نظرا لتنوع اليهودية اليوم. لكن إسرائيل تتحدث باسم كل اليهود لتوفير الغطاء لسياساتها مع الفلسطينيين

ومكّنت تكتيكات العلاقات العامة الإسرائيلية العدوانية اليمين المتطرف من دفع الأفكار المعادية للسامية دون الوقوع في مشاكل. وادعى قادة اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم لعقود أنهم مؤيدون لإسرائيل بينما يدعمون بشكل مباشر أو غير مباشر معاداة السامية في أوطانهم. ويعتبر رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، على سبيل المثال، من أكبر المؤيدين لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي بينما يثير معاداة السامية في بلاده.

ووقع إيلون ماسك مؤخرا في مأزق بعد موافقته على التعليقات المعادية للسامية على منصة التواصل الاجتماعي إكس (تويتر سابقا) التي يمتلكها. وتتبع هيئات مراقبة وسائل الإعلام كيفية انتشار معاداة السامية على المنصة. ويشدد ماسك على كون الموقع مساحة لحرية التعبير، مما يتطلب منه تمكين مشاركة هذا الخطاب. وعندما نفّر ذلك المعلنين البارزين من منصته، أعلن أن استخدام مصطلحات مثل “إنهاء الاستعمار” و“من النهر إلى البحر” لدعم الفلسطينيين سيعرض ناشرها لخطر الحظر. يا لها من حرية تعبير.

ويسارع ماسك إلى تبني مواقف مؤيدة لإسرائيل راغبا في تجاهل المستخدمين لميوله المعادية للسامية. وتبقى حقيقة قدرته على هذا نتيجة ثانوية لخلط الحكومة الإسرائيلية بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.

وتعدّ هذه الديناميكيات مثيرة للقلق وخاصة في ضوء تصاعد معاداة السامية في الولايات المتحدة. وكتبت ماغي هاريسون في مقال نُشر على مجلة فيوتشرز في 2017 أن المتعصبين البيض ساروا في شارلوتس فيل رافعين أيديهم بالتحية النازية وهتفوا “اليهود لن يتبدلوا”. وتسببت نظرية الاستبدال في حادث إطلاق نار في 2018 في كنيس “تري أوف لايف” (شجرة الحياة) في بيتسبرغ، وقتل منفذ الهجوم 11 شخصا. وارتبطت النظرية بمطلق نار آخر قتل في 2019 أحد المصلين وأصاب ثلاثة آخرين في كنيس في كاليفورنيا.

لم ينتخب الشعب اليهودي الحكومة الإسرائيلية لتمثيله في العالم. وسيكون إجراء هذه الانتخابات مستحيلا نظرا لتنوع اليهودية اليوم. لكن إسرائيل تتحدث باسم كل اليهود لتوفير الغطاء لسياساتها مع الفلسطينيين. ومع تصاعد معاداة السامية في جميع أنحاء العالم، ستتزايد الحاجة إلى نوع من الحساب بين المجتمعات اليهودية وإسرائيل. لكن هذا الحدث يبدو بعيدا.


جوزيف دانا – كبير المحررين في نشرية “إكسبوننشال فيو” التكنولوجية

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.