الشباب المسلم في الغرب واستثمار وسائل التواصل

تشير العديد من الإحصائيات إلى أن الدين الإسلامي هو الدين الأسرع انتشارًا في العالم الآن، خاصة في العالم الغربي الذي بات المسلمون فيه يشكلون نسبة كبيرة تتفاوت من دولة لأخرى، ويتنوَّعون بين لاجئين ومهاجرين ومواطنين أصليِّين، إلا أنهم لا يزال يُنظر إليهم باعتبارهم أقليات، وكما هو معلوم فإن الغرب وبناءه الثقافي ونموذجه المعرفي المادي العلماني جعل الوجود الإسلامي فيه محل إشكال على المستوى الواقعي والفكري، ففي ظلِّ سياقٍ يشهد صعود اليمين المتطرِّف، والشعبوية تزيد من حدَّة الإسلاموفوبيا، ومن ثم تزيد الإشكاليات ويصبح وجود المسلمين محاطًا بتهديدات على مستويات مختلفة، ممَّا يدْفع بإثارة العديد من التساؤلات حول قضايا الهُوية والاندماج، وكذلك حول قدرة المسلمين على مقاومة ما يُلاقونه من ممارسات عنصرية، وكذلك مواجهة تيارات فكرية تصطدم في كثيرٍ من الأحيان مع النموذج القيمي الإسلامي.

وبالنظر إلى واقع الشباب المسلم تحديدًا نجد أنه يُعاني من أزمة الهوية والانتماء في ظلِّ صراع بين التمسُّك بقيم دينه ومجتمعاته الأصلية، وبين الاندماج والتعايش والانتماء للمجتمعات الغربية التي نشأ فيها، في محاولة للوصول إلى نقطة توازن تلبِّي الرغبةَ الفطرية في الانتماء للمجتمع الذي عاش فيه طيلة عمره وبين المحافظة على قيم دينه وهُويَّته التي تتعارض في كثير من الأحيان مع نمط الحياة في المجتمعات الغربية وقيمها، وفي ظلِّ المستجدَّات المعاصرة الخاصَّة بالفضاء السيبراني تظهر لدينا وسائل التواصل الاجتماعي كساحة افتراضية موازية للواقع تفتح مساحات للتعبير عن الذات والهوية.

من هنا يأتي هذا التقرير للوقوف على الدور الذي تلعبه وسائل التواصل -كأداة مستحدثة لديها قدرة اتصالية عالية تتجاوز الحدود الزمانية والمكانية- في واقع الشباب المسلم في الغرب، لنرى هل قامت بدورٍ في حلِّ معضلة الهُوية بالنسبة لهم باعتبارها ساحةً للتعبير عن الذات، وكيف يستخدمها الشباب المسلم، ومدى تأثير هذه المنصَّات على واقعه وعلى واقع الأمة بشكل عام، وذلك في ضوء استكشاف المجال العام العابر للحدود الذي يتيحه الإنترنت والتطبيقات المرتبطة به، وكيف يسْهم ذلك في خلق مجتمع إسلامي افتراضي مع إعادة تشكيل هويات الأقليات المسلمة التي تعيش في الخارج وبخاصة جيل الشباب.

 

الشباب المسلم في الغرب وأزمة الهوية

حسْب إحصائية صدرت عام 2022، بلغ عدد المسلمين في أمريكا حوالي 3.5 مليون مسلم وهم بذلك يمثِّلون نحو 1.2٪ من سكان الولايات المتحدة، وبالنسبة للقارة الأوروبية نجد أنها تشهد وجودًا ملحوظًا في عدد المسلمين في السنوات الأخيرة، فالمسلمون في فرنسا يقدَّرون بنحو 6.3 مليون نسمة وهم بذلك يمثِّلون حوالى 10٪ من السكَّان، وفي بريطانيا ارتفعت أعداد المسلمين من 2.7 مليون شخص في 2011 إلى 3.9 مليون في 2021، بزيادة قدرها 1.2 مليون مسلم في 10 سنوات، حيث بات المسلمون يشكِّلون 6.5٪ من مجموع سكان بريطانيا، كما تشير آخر الإحصاءات الإيطالية إلى أن عدد المسلمين في البلاد يقدر بنحو 1.8 مليون شخص، وتضم بلجيكا نحو 700 ألف مسلم، وفي هولندا يُقَدَّرُ عددُ المسلمين بنحو مليون نسمة، أي حوالى 6٪ من عدد السكَّان الإجمالي، وتضمُّ ألمانيا نحو 5.5 مليون مسلم، وفي إسبانيا يوجد اليوم حوالي 3 ملايين مسلم، وتضمُّ السويد ما بين 500 إلى 800 ألف نسمة بما يشكِّل ما بين 6 إلى 8٪ من السكَّان في السويد، وفي هذا السياق يشير تقرير مركز “بيو” إلى أن عدد المسلمين في أوروبا يصل الآن حوالي 53 مليون مسلم، منهم 16 مليونًا في دول الاتحاد الأوروبي.

على الرغم من الوزن المؤثِّر للكتلة المسلمة في العالم الغربي، فإنهم يعانون مجموعة من التحديات يأتي على رأسها التمييز والعنصرية، فحسْب استطلاع الرأي الذي أجرتْه وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية فإن ما يقرب من 92٪ من المسلمين عانوا من التمييز العنصري بأشكاله المختلفة، 53٪ منهم بسبب أسمائهم، في حين تعرَّضت 94٪ من النساء لمضايقات عنصرية بسبب الحجاب، وقد كشف بحث لجامعة “رايس” أن المسلمين في أمريكا أكثر عُرضة بواقع 5 مرات لمضايقات الشرطة بسبب دينهم مقارنة بالديانات الأخرى.

فالمسلم في المجتمعات الغربية يُنظر إليه على أنه عنصر غريب يمثِّل خطرًا على المجتمع، خاصة وأن  مرحلة الحرب على الإرهاب جعلت العربيَّ والمسلمَ محلَّ إشكال وشبهة، وترجع التحديات التي تواجه المسلمين في المجتمعات الغربية بشكل كبير إلى أزمة الهُوية التي تعيشها تلك المجتمعات، بالإضافة إلى حالة التصارُع الداخلي، التي نتج عنها صعود اليمين واليمين المتطرِّف في أوروبا.

ومن ثم يدور المسلم في الغرب، وفي أوروبا خاصة، في دائرة من الصراع الهُويَّاتى بين العُزلة الاجتماعية من جهة، والاندماج ومعوقاته من جهة أخرى والتي تتمثَّل في صعوبة التوفيق بين الالتزام بعناصر الهوية الإسلامية من جهة، والانتماء إلى المجتمع الذي يعيش فيه والذي يعرِّضه لضغوطات التوافق والانسجام مع المعايير والقيم العلمانية السائدة المتعارضه مع قيمه الإسلامية من جهة أخرى، وتبرز هذه المعضلة أكثر عند جيل الشباب، فهناك اختلاف بين الأجيال داخل الأسرة الواحدة، خاصة بين الآباء الوافدين والأبناء المولودين في هذه المجتمعات، ومن ثم فإن سطْوة المجتمع ومنظومتَه القيميَّة ونمط الحياة فيه عليهم تكون أقوى.

لقد وجد أنه في أسر الأقليات المسلمة في الغرب، هناك انتقال قوي للهوية الدينية والتدين بين الأجيال من الآباء إلى الأبناء، إلا أن العديد من الدراسات تشير إلى وجود ميل عام طفيف نحو العلمنة عبر الجيل الثانى والثالث، حيث يبدو الأطفال المسلمون أقل تديُّنًا من آبائهم في المتوسط، ومع ذلك، فقد أفادت الدراسات أيضًا أن هناك من الشباب المسلم من أصبح أكثر تديُّنًا بمرور الوقت.

وفي هذا الإطار نذكر نتائج لمشروع بحثي صدر عن جامعة برلين، تم إجراؤه لدراسة حال شبَّان وفتيات الجيل الثاني والثالث للمهاجرين المسلمين إلى ألمانيا، وأشارت الدراسة إلى أن هناك مشكلة في اندماج الكثير منهم، فهم لا يشعرون بانتمائهم لألمانيا ولا لموطن آبائهم، فلجأ بعضهم إلى العنف والتطرف أو المخدرات كطريقةٍ للتنفيس عن معاناتهم، وقد صنَّف البحثُ هُويات المهاجرين ضمن هُويَّتين واضحتين بين الشباب، وهما الهويات الهجينة والإسلام الحداثي، تشير الأولى إلى شخصٍ يحمل ثقافتين أو أكثر تشكَّلت من تلاصق قطعٍ من أوراق أصلية مختلفة، لتضيع ملامحها، فلا يميز أيها الأصل وأيها الفرع، والثانية تشير إلى محاولة الفرد صنع هوية خاصة به عن طريق المحافظة على بعض من ملامح هوية الدين الإسلامي التي ورثها كعادة عن أهله، إلى جانب خضوعه لسياسة الأغلبية في ألمانيا حتى يتم قبوله في مجتمعه ومحيطه، ومنها قبول المثلية، والأفكار النسوية المتطرِّفة، والحرية المطلقة، وغير ذلك من أفكار تقْبلها المجتمعات الغربية وتحثُّ عليها.

 

مواقع التواصل الاجتماعي والشباب المسلم في الغرب: فرصة في واقع موازٍ

بناءً على ما سبق الإشارة إليه من تحديات تواجه المسلمين في المجتمعات الغربية؛ يجد مسلمو الغرب، وخاصة جيل الشباب منهم، في الساحات الإلكترونية وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي منفذًا للخروج من قيود الواقع ومشكلاته حيث تفتح هذه المنصَّات ساحات تتجاوز الحدود المكانية والزمانية وتسْمح لهم بشكل او بآخر أن يعبِّروا عن أنفسهم، وتُشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين وُلدوا بعد عام 1983، والذين يطلق عليهم “المواطنون الرقميُّون”، لديهم سلوك على الإنترنت يختلف عن سلوك الأجيال الأكبر سِنًّا لأنهم تعرَّضوا للوسائط الرقمية منذ سِنٍّ مبكِّرة، فعلى سبيل المثال، يتراوح العمر النموذجي لمستخدمي موقع X (تويتر سابقًا) بين 18 و34 عامًا؛ ومن ثم فإن وسائل الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإكس وإنستجرام ويوتيوب تستخدم بشكل واسع بين الشباب المسلم في الغرب، فما توفِّره هذه الشبكات من سهولة وسرعة الاتصال بملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم تجذب الجماهير المسلمة بشكلٍ كبيرٍ فضلًا عن جذْب الحركات الاجتماعية التي تستخدم هذه الشبكات لنشْر رسالتها إلى جمهور أوسع، حيث تستخدم العديد من الشبكات الإسلامية والحركات الاجتماعية والمؤسَّسات والمراكز الإسلامية في الغرب هذه المنصَّات الإعلامية الجديدة لمخاطبة المجتمعات المسلمة وغير المسلمة على نطاق أوسع.

إن ميزات مواقع التواصل الاجتماعي، مثل بنية الشبكة، والحد الأدنى من التحكُّم في عملية العضوية، والقدرة على الانضمام إلى مجموعات ومغادرتها في أي وقت، توفِّر الظروف الملائمة للأقليات المسلمة في المجتمعات الغربية باستخدامها على نطاق واسع، وفي هذا السياق يتمتَّع الأفراد بالحراك الاجتماعي، الذي يجعلهم يتمتَّعون بقدْرٍ عالٍ من المرونة، حيث يمكنهم التواجد في مجموعات تشْبههم ثقافيًّا، وكذلك يمكنهم الانتقال إلى مجموعة أخرى إذا كان أفراد المجموعة الذين يتفاعلون معهم غير راضين عن أفعالهم.

لا يقتصر الأمر على كوْن مواقع التواصل الاجتماعي ساحةً للتعبير وسهولة التواصل، بل يتعدَّاه إلى إشباع الرغبة الفضولية لدى الشباب المسلمين في المجتمعات الغربية لمعرفة المزيد عن ثقافتهم وعقيدتهم، حيث أصبح الإنترنت بشكلٍ عامٍّ ومواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ خاصٍّ مصدرًا محوريًّا لتحصيل المعرفة الدينية بالنسبة للشباب المسلم في الغرب، فعلى سبيل المثال نجد هناك العديد من القنوات على موقع يوتيوب “Youtube” تقدِّم محتوى إسلاميًّا من قبل دُعاة غربيِّين يتابعهم فيها عددٌ كبيرٌ من الشباب المسلم في الغرب، هذا فضلًا عن استخدام مثل هذه المنصَّات في مشاريع دعوية لغير المسلمين، ولعل هذا أسْهم في جعل الإسلام الدين الأسرع انتشارًا في العالم نظرًا لما توفِّره هذه المنصَّات من سهولة تعرُّف غير المسلمين على العقيدة والثقافة الإسلامية فضلا عن إتاحة النقاش والبيان بسهولة.

 

حضور الشباب المسلم في الغرب على مواقع التواصل الاجتماعي: شكل الوجود ومدى التأثير

في ظلِّ بحث الشباب المسلم في الغرب عن مساحات على الإنترنت تخلق لديهم إحساسًا بالذات يجمع بين تراث عائلاتهم وواقع الثقافات التي يعيشون فيها؛ فإنه عادة ما ينتج عن عمليتي “الدفع والجذب” هذه،  ثلاثة مخرجات، الأول يتمثَّل في تعزيز الوحدة الإسلامية “وحدة الأمة” تحت راية العولمة، والثاني يتمثَّل في تعميق الوعى بالاختلافات الداخلية وتضخيم الإحساس بـ”الآخر”، والثالث يتمثَّل في خلق حالة في المنتصف تضمُّ هوية مهجنة، تتفاوت بين المسْخ والأصالة بحسْب قدْرة كلِّ فرد على تقدير الفارق بين الخصوصية الثقافية التي لا تحتمل استبدالًا أو تخلِّيًا، وبين المشترك الإنسانى الذي يمكن التَّماس معه بما لا يتناقض مع هذه الخصوصية، هذه المخرجات الثلاثة تنعكس في شكل وجود الشباب المسلم في الغرب على مواقع التواصل الاجتماعي واستخدامهم لها.

يتنوَّع ظهور الشباب المسلم على مواقع التواصل الاجتماعي -على المستوى الفردي- بتنوُّع الدوافع وبتنوُّع السياق والبيئة المحيطة نظرًا لعامل النشأة بالإضافة إلى حدَّة المجتمع في معاداة الإسلام والذي يختلف من مجتمع أوروبي لآخر، فهناك من يريدون فقط ساحةً للتعبير عن هويتهم المركبة -باعتبارهم مسلمين غربيِّين- ولا يتجاوزون ذلك بنشر أي محتوى ديني أو دعوي، ومن هؤلاء من يحاول دمج هويَّته الإسلامية مع الهوية الغربية؛ فيقدِّم نفسه على أنه مسلم علماني، أو مسلمة نسوية… إلخ، فعلى سبيل المثال نشرت إحدى الدراسات حوارًا مع إحدى الشابات المسلمات تُدْعَى “آفا” وهي طالبة جامعية أمريكية هاجرتْ عائلتها من فلسطين عندما كانت طفلة، وكان العثور على طريقة للتعبير عن هُويتها الفلسطينية والمسلمة والأمريكية يمثِّل تحدِّيًا بالنسبة لها، ومن ثم فإن منصَّات التواصل الاجتماعي تُعتبر مساحةً للتعبير عن هُويتها، فهي تريد أن يُنظر إلى هُويتها على أنها شيء هجين “hybrid” دون أن ينظر إلى جانبٍ واحدٍ منها على أنه أكثر مركزية من أي جانب آخر، فهي فلسطينية وأمريكية، مسلمة ونسوية.

من ناحية أخرى، هناك من يتجنَّبون التعبير عن أنفسهم باعتبارهم مسلمين؛ خوفًا من وصْمهم بالتطرُّف أو من أن يفقدوا وظيفتَهم، فلدينا على سبيل المثال أحد الشباب المسلمين في النرويج يتحدَّث عن تجنُّبه نشْر أي محتوى ديني على منصَّات التواصل الاجتماعي مبرِّرًا ذلك بخوْفه على مسيرته المهنيَّة، إذْ كان يخشى أن يُنظر إليه على أنه متطرِّف.

وفي هذا السياق أيضًا هناك عددٌ كبيرٌ من الشباب المسلمين الذين اكْتسبوا شُهرة باعتبارهم مؤثِّرين على مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يُعرف بالـ”Social media influencers” ولديهم عدد كبير من المتابعين، نذكر منهم على سبيل المثال:

– لينا سنوبار (Leena Snoubar): وهي مسلمة وُلِدَتْ ونشأت في ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية لأم أمريكية وأب فلسطيني، لديها حوالي مليون وأربعمائة ألف متابع على إنستجرام، وما يقْرب من مليون متابع أيضًا على يوتيوب، تنشر محتوى خاصًّا بالأزياء والموضة، وتظهر مرتديةً الحجاب، حيث تريد أن تُظهر أن الحجاب لا يتعارض مع الرُّقِيِّ في الملبس ومتابعة الموضة.

وممَّا تجْدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن الكثيرَ ممَّن يُعرفون بالإنفلونسر المسلمين والذين يظهرون ببعض من معالم الهوية الإسلامية كارتداء الحجاب على سبيل المثال، نجد أن محتواهم المنشور يعكس بشدَّة الانغماس في نمط الحياة الغربية متمثِّلة في الحياة المادية الاستهلاكية والترويج لها، ومحاولة توصيل فكرة مفادها أن كونك مسلمًا لا يعني أنك ستُحرم من هذا النمط من الحياة، ومن هنا يظهر تخبُّطٌ شديدٌ فيما يريدون توصيله، فهم يريدون أن يكونوا مسلمين في مجتمع لديه قيمٌ تتعارض بشكل صريح مع قيم الإسلام دون أن يقرُّوا بهذا التعارض، ومن ثمَّ تظْهر لدينا هُويات مشوَّهة ناجمة عن عدم مراعاة الحدود الثقافية والقيمية والوقوف عندها، والذي قد يؤدِّي بالمسلم في النهاية -استدراجًا- إلى التخلِّي التامِّ عن هُويته.

ونذكر هنا على سبيل المثال “عائشة الفراج” (Ascia-akf) وهي كويتية أمريكية، لديها عدد كبير من المتابعين على إنستجرام ويوتيوب يصل إلى مليونين ونصف مليون متابع، وتعرض محتوى ليوميَّاتها هي وزوجها، ويسمُّون أنفسهم بـ”The hybirds” أي ذوو ثقافة هجينة، وقد كانت تظهر بغطاء رأس -وليس حجابًا كاملا- ثم تخلَّت عنه مؤخَّرًا لتظهر بشكل مختلف ليس به أي معلم للهُوية الإسلامية، ترتدي ملابس غير محتشمة وترسم وشمًا على يديْها، وتُعَرِّفُ نفسَها بأنها شديدة العربية وشديدة الأمريكية، ولا تذكر كونها مسلمة كجزء من تعريفها لذاتها.

على صعيد آخر، نجد كثيرًا من الشباب المسلم في الغرب يجعلون من هُويتهم الإسلامية مشروعًا دعويًّا وأداةً لمقاومة الإسلاموفوبيا، وذلك بنشر تعاليم الإسلام وفتح باب النقاش لغير المسلمين ليتعرَّفوا على الإسلام، وكذلك يحاولون تقديم نموذجٍ للمسلم الملتزم بدينه وقيمه عبر حساباتهم الشخصية، وتضمُّ هذه المجموعةُ الشيوخَ والدعاةَ فضلًا عن الشباب الذي يعرِّف نفسَه بأنه مجرَّد مسلم وليس داعية أو طالب علم، ولكنه يقوم بما يتوجَّب على أي مسلم من واجب الدعوة، وفي هذا الإطار تشير إحدى الدراسات التي أُجريت مع مجموعة من الشباب والفتيات المسلمات في الغرب الذين يعلنون بوضوح هُويتهم الإسلامية على حساباتهم الشخصية على منصَّات التواصل الاجتماعي، حيث يروْن أن إظهار هُويتهم والتمسُّك بها يُعَدُّ في رؤيتهم مساهمة في صورة أكثر إيجابية عن الإسلام والمسلمين، تقول إحدى الفتيات المشاركات إنها تشارك أنشطتَها الدينية اليومية على منصَّات التواصل الاجتماعي؛ حيث تريد أن يرى غيرُ المسلمين كيف يعيش المسلمُ يومَه، وذلك في سبيل تغيير الصورة النمطية عن المسلمين. وفي هذا السياق نجد عددًا كبيرًا من الشباب المسلم قد اكْتسب شهرةً كبيرةً على وسائل التواصل الاجتماعي وأصبح لديه متابعون بالآلاف، منهم على سبيل المثال:

 

– أمير الخطاطبة (Ameer al-Khatahtbeh)، الذي ظهر مؤخَّرًا في قائمة فوربس 30، تحت سن 30، وهو أسَّس وأنتج محتوى لمنشوره الإعلامي الذي يحمل اسم “مسلم”، بالإضافة إلى امتلاكه موقعًا إلكترونيًّا “muslim.co”، كما أن لديه  أكثر من نصف مليون متابع على إنستجرام، بالإضافة إلى حسابه على TikTok، وتويتر، ينشر أمير محتوى مكتوب ومرئى يستهدف الشباب المسلمين، وقد كان له ردة فعل قوية عندما قامت المغنية الأمريكية Rihanna بذكر حديثٍ نبويٍّ في إحدى عروضها الراقصة، حيث قام بنشر منشور يطالب فيه بإزالة الأغنية من العرض ويطلب اعتذارًا عن هذا التصرُّف، وأثار منشوره غضبًا واسعًا بين المسلمين؛ وهذا ممَّا يدلُّ على فاعلية استثمار مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الوعي وتسليط الضوء على كل ما يسيء للإسلام والمسلمين لو بشكل نسبي.

– “Thinking Muslim” أحد البلوجرز المسلمين الذي يرى أن من واجباته كمسلم أن يفتح النقاش حول الإسلام وأن يجيب على الأسئلة حول الإسلام أو حياة المسلم التي يرسلها الناس إلى مدوَّنته وأن يقدِّم معلومات عن عقيدته للآخرين.

– محمد زيارة “Mohamed Zeyara” شاب من أصول فلسطينية يعيش في كندا، ينشر محتوى مرئيًّا حول قيم وأخلاقيات الإسلام، حيث ساهم كممثِّل في عمل مسلسل قصير اسمه “ملهم العالم” عن أخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى إثر هذا العمل الفنى أسلم عددٌ كبير.

– “Na’ima B. Robert” مسلمة بريطانية تقدِّم محتوى يساعد المسلمات على أن يكنَّ ملهمات لغيرهن، وذلك بواسطة الكتابة، ولذا قامت بإنشاء مجلة خاصة بالنساء المسلمات “Sisters magazine”، حيث تعمل على خلق مجتمع صغير للنساء المسلمات ليكنَّ ملهمات لغيرهن وذلك عبر حسابها على إنستجرام وعلى يويتوب أيضًا.

هذا فضلًا عن عددٍ كبيرٍ من الدُّعاة والعلماء المسلمين الغربيِّين الذين اتَّخذوا من وسائل التواصل الاجتماعي منصَّات رئيسية للدعوة.

أمَّا على المستوى المؤسَّسي فنجد المراكز الدعوية والمساجد تتَّخذ من منصَّات التواصل الاجتماعي منبرًا لهم أيضًا، وذلك ببناء هيكل تنظيمي افتراضي يحْمي هُويتهم الإسلامية، ويخلق فرصًا للتجمُّعات الدينية والالْتقاء بأقْرانهم من نفس الدين.

فعلى سبيل المثال نجد أن 52٪ من المساجد في هولندا لديها مواقع إلكترونية، فضلًا عن أن 61٪ من المساجد لديها حسابات على فيسبوك، وبعضها لديه حسابات أيضًا على إنستجرام ويوتيوب، وتتفاوت المساجد في مدى نشاطها الرقمي؛ وبناءً على ذلك يترواح عدد المتابعين بين الزيادة النقصان.

وممَّا تجدر الإشارة إليه أيضًا في هذا الصدد، أنه على الرغم ممَّا تقدِّمه مواقعُ التواصل الاجتماعي من مساحاتٍ بديلة وقدْرٍ من حرية التعبير عن الذات للشباب المسلم في الغرب، فإنها لا تخلو أيضًا من إشكاليات تعود إلى بنيتها التحتية وآليَّات عملها من حيث التصميم، حيث يرتكز الكثير من محتوى وسائل التواصل الاجتماعي الموجَّه بالخوارزميَّات على إضْفاء الطابع الجنسي على المرأة، وإضْفاء الطابع الرومانسي على استهلاك المخدِّرات والكحول، والترويج للحياة المادية بكلِّ جوانبها، وهو ما يجعل نموذج القيم المهيمن على وسائل التواصل الاجتماعي لا يتماشى مع القيم الإسلامية، وفى هذا السياق يتطلَّع الشباب المسلم في الغرب إلى أن يتمَّ تضمينهم اجتماعيًّا وفي نفس الوقت أن يُنظر إليهم بناءً على هُوياتهم ومعتقداتهم المختلفة، فنجدهم يشرعون في بناء مساحات خاصة بهم على وسائل التواصل الاجتماعي.  ومن المبادرات الجيدة في هذا السياق موقع “مسلم فيس” وهو موقع تواصل اجتماعي يشبه موقع التواصل الاجتماعي الشهير فيسبوك، ولكن بمنظومة قيم وضوابط شرعية، تمَّ إطلاقه رسميًّا في شهر رمضان 2014، وانطلق هذا الموقع من بريطانيا، حيث قام بتأسيسه اثنان من الشباب المسلمين المقيمين في بريطانيا، وهما صهيب فادي ورحيل أمين، مؤكِّدين على أنهم يعملون من أجل توفير موقع تواصلي إسلامي يكون بمثابة بيئة خاصة للمسلمين، للتواصل بعضهم مع بعض على موقع يحمل ضوابط إسلامية، لتنمية العمل الخيري وزيادة الترابط بين المسلمين من جميع أنحاء العالم.

في الختام يمكننا القول بأن الاستخدام الواسع لمنصَّات التواصل الاجتماعي من قبل الشباب المسلم في الغرب يرجع بشكلٍ كبيرٍ إلى حالة الاغتراب التي يعيشونها نتيجةً للصراع الهُوياتي، في ظلِّ تنامي الإسلاموفوبيا والبيئات المعادية للإسلام، فعلى الرغم من توفيرها مساحةً تُتيح للشباب المسلم أن يتعرَّف نسبيًّا إلى نفسه وأن يعرِّف بها غيرَه، وأن يدعو إلى دينه، وأن يتواصل مع غيره من المسلمين عبْر العالم في ظلِّ مفهوم الأخوَّة الإسلامية، وتحت مظلَّة الانتماء إلى”الأمة”، إلا أنها تعكس في الوقت نفسه حالة التخبُّط وصراع الهُوية الذي يعيشه الشباب المسلم في الغرب، ويبدو ذلك من خلال تنوُّع ظهور الشباب المسلم واستخدامهم لها بين من يريدها ساحةً للتعبير عن هُويته المركَّبة دون أن يتجاوز ذلك بأي خطوة إيجابية نحو هُويته الإسلامية، وبين من يجعلها أداة مقاومة يعبِّر من خلالها عن اعتزازه بهُويته كمسلم، ويمارس صورةً من صور الدعوة ولو بشكل مصغَّر، وبين من يتخلَّى تمامًا عن هُويته في مقابل ذوبانٍ تامٍّ في مجتمعه الغربي؛ وهذا يدلُّ على أن الشباب المسلم في الغرب -خاصة من الجيليْن الثاني والثالث- يحتاج إلى مزيدٍ من تعزيز وعْيه بذاتِه دون انعزال، مع الإقرار الواضح بوجود خصوصيَّة ثقافية تستوْجب الوقوفَ عند حدودها.


يارا عبد الجواد – فصلية قضايا ونظرات – العدد 31 – أكتوبر 2023

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.