غزة هاشم.. مثوى جد النبي الأكرم ورمز الإباء والتعايش الديني

ردنا – ارتبط اسم مدينة “غزة” باسم الجد الثاني للنبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، هاشم بن عبد مناف الذي توفي فيها حوالي سنة 524 م، وهو عائد منها بصنوف التجارة، قادما نحو مكة، ولم تمهله الأيام، فكانت غزة محط رحاله ومأوى ضريحه.

أخذت غزة من هاشم بن عبد مناف كثيرا من ملامحها، فهي فارعة القامة في أعمدة التاريخ مثل قامته الفارعة كجبال مكة، وهي أمّ منجاب للسادة والأبطال مثلما أنجب هو سيد البطحاء عبد المطلب، ثم أشرق نور النبوة عبر سيد الكونين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (صلى الله عليه وآله)، وفي غزة مواسم دائمة ودائبة للكرم والتضامن، وتقاسم الزاد القليل، والاستعلاء على الأنانية، وحمل الكل والعون على نوائب الدهر.

 

هشم الثريد و تهشيم رؤوس الغزاة

هشمت غزة الثريد لأبنائها وجيرانها كما فعل هاشم بن عبد مناف، وتحول اسمه بذلك من عمرو إلى هاشم حتى قيل فيه:

 

عمرو الذي هشم الثريد لقومه

قـوم بمكة مسنتين عجاف

 

سُنت إليه الرحلتان كلاهما

سفر الشتاء ورحلة الأصياف

 

لكن غزة زادت على ذلك بهشم رؤوس الغزاة، فانتثرت مقابرهم على ضفافها أو أرصفتها منذ أزل التاريخ إلى اليوم. ولممانعتها الدائمة واستعصائها على الغزو، شكلت مصدر إزعاج وإيلام للاحتلال الصهيوني حتى اضطر للانسحاب منها تحت ضربات المقاومة.

واليوم، لا تزال غزة الأبية الصامدة تهشم رؤوس الصهاينة المعتدين وتسطر ملحمة بطولية ضد المحتلين في عمليات (طوفان الأقصى)، رعم كل الدعم الذي يتلقاه المحتل من الدول الغربية المتغطرسة.

مسجد السيد هاشم بن عبد مناف
مسجد السيد هاشم في غزة حيث مثوى هاشم بن عبد مناف جد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)

رحلة تحت ظلال الممالك والديانات

وقعت غزة أولا تحت سيطرة قدماء المصريين مدة تناهز 350 سنة، قبل أن ينتزعها الفلسطينيون القدماء من أيادي الفراعنة ويحولوها بسرعة إلى إحدى أهم المدن العالمية المؤثرة في القرن الثاني عشر قبل الميلاد.

ولبضعة قرون من الألف الأخيرة قبل الميلاد، وقعت غزة تحت حكم ملوك بني إسرائيل على يد نبي الله داود عليه السلام، ثم بسطت الإمبراطورية الآشورية في حوالي سنة 730 قبل الميلاد سيطرتها عليها، واستمر ذلك لعدة قرون، ثم تحولت بعد ذلك إلى سيطرة الحكم الفارسي، قبل أن يضع الرومان أيديهم على المدينة الشاطئية بقوة.

وخلال هذه الرحلة بين الممالك والإمبراطوريات أصبحت غزة مدينة متعددة الأعراق والقوميات، يقطنها الإغريق والرومان واليهود والمصريون والفرس والأنباط، لكن مع تفكك الدولة الرومانية وتوزع ممالكها إلى قطع صغيرة، تحولت غزة إلى سيطرة الإمبراطورية البيزنطية الشرقية، وبدأ عصرها المسيحي الواسع، فقد تسارع اعتناق الناس للمسيحية، وأصبحت المدينة ذات هوية مسيحية صارمة، وهدم الرهبان والأحبار كل المعابد الوثنية في المدينة.

 

غزة في الإسلام

كان لغزة منذ عقود قبل البعثة النبوية تاريخ وطيد مع العرب، حيث كانت قوافلهم تجوب ريف غزة وحاراتها، ثم كانت بعد ذلك أول مدينة فلسطينية تفتحها الجيوش الإسلامية سنة 635 م، وقد تعاقب عليها سلطان مختلف دول الخلافة الإسلامية، قبل أن يحتلها الصليبيون سنة 1099 م، حيث حكموها بالحديد والنار والعسف لنحو ثمانية عقود، قبل أن يستعيدها الفتح الإسلامي مرة أخرى بقيادة صلاح الدين الأيوبي سنة 1187 م، وليحولها إلى مركز إداري بالغ الأهمية.

وطوال الفترة ما بين حكم الأيوبيين والمماليك ثم العثمانيين، كانت غزة مركزا أساسيا للتجارة، ونقطة قوة مؤثرة تعتبر بوابة الفتح، وسور حماية لما يليها من البر الفلسطيني.

ومع الحكم العثماني تعاقب باشوات الآستانة، على حكم المدينة الشاطئية، وتواصلت سيطرة الباب العالي عليها، ودخلتها لأكثر من مرة وحدات مختلفة من الجيوش الإنكشارية، قبل قيام ما عرف بالثورة العربية الكبرى في المنطقة بدعم من الاحتلال البريطاني، بهدف تفتيت الكتلة الإسلامية الكبرى ودحر وتمزيق الإمبراطورية العثمانية.

ثم جاءت محطة الاحتلال الإسرائيلي التي بدأت بواكيرها الأولى منذ وعد “بلفور” سنة 1917، لتدخل غزة حقبة جديدة من التاريخ الأشد عدوانية ووحشية في تاريخها الممتد على ضفاف آلاف السنين، وطوال نحو سبعة عقود من عمر الاحتلال الإسرائيلي، عاشت غزة أحلك أيامها وأشد سنواتها المكللة بالدم والدموع واللهب، فقد كانت ضفاف الجراح تمتد مع طول شواطئها، وتكتب في كل بيت قصة ألم لا نهاية له.

مسجد السيد هاشم بناه المماليك، ويعتبر من أجمل آثار غزة

مدينة المآذن

من آثار غزة، جامع السيد هاشم، نسبة إلى هاشم بن عبد مناف جد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي دفن في غزة، وقد أقام المماليك هذا الجامع الذي يعتبر من أجمل آثار غزة، ثم أعاد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ترميمه وتوسيعه نهاية القرن التاسع عشر.

ومن مساجد غزة الجامع العمري، والجامع المغربي في حي الدرج، وجامع محكمة البرديكية التي أسسه الأمير برديك الدودار سنة 859هـ، وغيرهما.

 

كنيسة القديس برفيريوس

ومن آثار غزة، كنيسة الروم الأرثوذكس، وهي أقدم كنيسة في قطاع غزة، وثالث أقدم الكنائس في العالم.

ويعود تاريخ البناء الأصلي لكنيسة القديس برفيريوس إلى عام 407 م فوق معبد وثني خشبي يعود لحقبة سابقة. وتمثل الكنيسة بجدرانها الضخمة وأعمدتها الحجرية الراسخة في أعماق التاريخ أحد معالم غزة البارزة، وفي زوايا هذه الكنيسة يوجد قبر القديس “برفيريوس” المتوفى سنة 420 ميلادية.

 

تعايش الأديان

وتقف كنيسة القديس برفيريوس شاهدا موثوقا على تعايش قام بين أتباع المسيحية والإسلام على مر العصور، إذ إن أجراسها تعانق مئذنة مسجد “كاتب ولاية” العتيق الذي يعتقد أن بناءه يعود إلى عام 1432.

كنيسة القديس برفيريوس
أجراس كنيسة القديس برفيريوس وهي تعانق مئذنة مسجد “كاتب ولاية”

ويحظى القديس برفيريوس بمكانة خاصة عند المسيحيين لا سيما في فلسطين، كونه محارب الديانات الوثنية التي كان أتباعها ينتشرون بين غزة وبلاد الشام.

ويُعتقد أن القديس برفيريوس جاء إلى فلسطين من مدينة سالونيك في اليونان عام 395، وسكن مدة في مدينة القدس، وأصبح بعد ذلك كاهنا للرعايا المسيحيين، وقد كان عددهم لا يتجاوز 50 شخصا.

ولا تزال الكنيسة العتيقة تشهد في العاشر من مارس/آذار من كل عام فعاليات خاصة يحيي فيها المسيحيون الفلسطينيون في الكنيسة ذكرى رحيل القديس برفيريوس بوصفه “محطم الأوثان”.

 

قصف الكنيسة

في 19 أكتوبر 2023، ارتكب الكيان الصهيوني جريمة نكراء بقصف كنيسة القديس برفيريوس التي كانت تؤوي مئات النازحين الفلسطينيين وقت الغارة الجوية، حيث أصبح ملجأ للعديد من السكان المسيحيين والمسلمين في غزة خلال العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وقد أدى القصف إلى استشهاد 18 شخصا وجرح العشرات.

 

المصدر: ردنا + مواقع إلكترونية

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.