ما السبب وراء فشل الأحزاب الدينية بالإنتخابات الباكستانية؟

ردنا – انتهت الانتخابات الوطنية وانتخابات مجالس الولايات في باكستان على الرغم من كل الشائعات والتقلبات بمختلف أشكالها. وأخيرا، كانت هذه البلاد في طريقها لتشكيل حكومة في العاصمة وحكومات ولايات في ولايات البنجاب والسند وبلوشستان وخيبر بختونخوا الأربعة.

في هذه الأثناء، شهدت ولاية البنجاب، لأول مرة تعيين مريم نواز شريف كأول امرأة يتم تعيينها في منصب رئيسة للوزراء هذه الولاية. وفي هذه المنافسة المهمة، فازت مريم نواز شريف بأغلبية 220 صوتا على منافسها رنا أفتاب أحمد خان من مجلس الاتحاد السني، التي حظي بدعم النواب المستقلين المؤيدين لعمران خان. وبينما كانت برفقة والدها وعمها شهباز شريف، ارتدت رداء البنجابي وأدت اليمين.

وتمثل ولاية البنجاب نحو 60 بالمئة من سكان باكستان البالغ عددهم 240 مليون نسمة، وتلعب دائما دورا رئيسيا في المشهد السياسي الباكستاني. وتعتبر رئاسة الوزراء في ولاية البنجاب نقطة انطلاق لتولي منصب رئيس الوزراء في باكستان.

بدأ نواز شريف، الذي شغل منصب رئيس وزراء باكستان لثلاث فترات، من منصب رئيس وزراء البنجاب. فشهباز شريف، الأخ الأصغر لنواز شريف، أصبح أيضا رئيسا لوزراء البنجاب. والآن، وبفضل الانتخابات وفن التحالف والمرونة الحزبية، تشهد ولاية البنجاب قيادة مريم نواز شريف، وسنشهد في الأيام المقبلة شهباز شريف رئيسا للوزراء في إسلام آباد. وبعبارة لأجل، يمكن اعتبار حزب الرابطة الإسلامية الذي يتزعمه نواز شريف هو الفائز في الانتخابات الأخيرة.

الانتخابات الباكستانية، رغم ما شابتها من عيوب أو انتقادات، إلا أنها كانت تنطوي على نقطة قوة واحدة، وهي أن أنشطة الأحزاب ووسائل الإعلام الحرة كانت بمثابة العلامة البارزة فيها.

 

الأقطاب الثلاثة

والواقع أن المنافسات الانتخابية في هذا البلد شهدت تنوعا جيدا في مجال الأحزاب المستقلة والمرشحين. على الرغم من أن الساحة الانتخابية الباكستانية هذه المرة كانت ثلاثية الأقطاب عمليا، أي أن حزب نواز شريف وحزب الشعب بيلاوال بوتو والمؤيدين المستقلين لعمران خان المسجونين في السجن هم اللاعبون الثلاثة الرئيسيون في هذه الانتخابات، إلا أن الأحزاب الوطنية الأصغر والمرشحين المستقلين وجدوا فرصة التمثيل والمنافسة.

ومع نهاية الانتخابات، سعى اللاعبون الرئيسيون إلى جذب الحلفاء، وأخيرا، تولت الرابطة الإسلامية لنواز شريف قيادة الحكومة الجديدة وفي ائتلاف حزبي وتقاسم السلطة مع حزب الشعب وبعض الأحزاب الصغيرة مهدت الأرضية لتشكيل الحكومة التي ستتولى السلطة في المستقبل القريب.

وقضى التحالف بين حزبي نواز شريف وحزب الشعب بيلاوال بوتو لتشكيل حكومة في إسلام آباد على فرصة لأنصار عمران خان وحلفائه لتشكيل الحكومة. ولذلك، فإنهم سيظهرون في البرلمان كمعارضة في أفضل الأحوال، وهو أمر مهم لازدهار الديمقراطية.

ومن الواضح أنه في حالة فشل الحكومة الائتلافية، يمكن للمعارضة تحدي الحكومة باستخدام المادة القانونية “التصويت بحجب الثقة”، وفي حالة نجاحها، يمكن إسقاطها ديمقراطيا.

 

ومن أبرز نقاط الانتخابات الأخيرة في باكستان يمكن الإشارة إلى ما يلي:

  1. هزيمة الأحزاب الدينية مثل الجماعة الإسلامية، والجمعية الإسلامية فرع فضل الرحمن، والشخصيات المحسوبة على الجماعات التكفيرية مثل جيش الصحابة وعسكر جنجوي ومجلس وحدة المسلمين.
  2. على الرغم من وجود عمران خان وبعض قيادات حزب تحريك الإنصاف في السجن، فقد حُرم الحزب من رمزه الانتخابي ولم يرغب الجيش في الفوز بمقاعد مهمة لأنصار عمران خان، لكن أجزاء كبيرة من المجتمع الحضري والطبقة الوسطى والشباب من خلال الابتعاد عن أحزاب مثل الرابطة الإسلامية لنواز شريف وحزب الشعب، صوتوا لصالح مرشحي عمران خان المستقلين خلافا لنصيحة الجيش والعرابين الآخرين. وفاجأ هذا التطور الأوساط السياسية في باكستان، وفتح صفحة جديدة في عملية التصويت في باكستان، التي تعتبر نجاحا للمجتمع المدني والعملية الديمقراطية في باكستان.
  3. لقد تغير مجتمع باكستان من القطبية الثنائية التقليدية إلى القطبية الثلاثية والتعددية، وذلك بسبب عدم الرضا عن الوضع الراهن، ووجد الشباب والطبقة الوسطى الحضرية فرصة للعب دور خارج الأطر المحددة تقليديا، والذي سينظر اليه بطبيعة الحال عاملا عند تحليل الأمور.
  4. بدلا من الظهور الصارخ في المشهد السياسي واللجوء إلى الانقلاب العسكري، قدم الجيش الباكستاني مثالا في تبني الأساليب الناعمة، وهو ما يعتبر نوعا من النجاح للمجتمع المدني الباكستاني.
  5. في باكستان، مثلما تتم الأعمال والتجارة بطريقة عائلية، فإن السياسة هي عائلية بطريقة ما، والعائلات الشهيرة لا تفوت هذه الفرصة ومن خلال المشاركة النشطة في الانتخابات والمشهد السياسي، فإنها توفر لنفسها هامشا أمنيا وحماية رؤوس أموالها.
  6. الجيل القديم من السياسيين يوفر المجال للشباب. فنواز شريف الذي خضع لعملية جراحية في القلب، وشهباز شريف الذي كان يعاني من سرطان الدم، مهدا الطريق لجيل الشباب من عائلة شريف، وظهور مريم نواز شريف يأتي في هذا الاتجاه. كما اعتبر آصف علي زرداري بيلاوال من بقايا عائلته في المشهد السياسي الباكستاني، ومن الطبيعي أن يتم تكليفه بمنصب رئيسي في الحكومة الجديدة.

نواز شريف، صاحب تجربة شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات، قام الآن بنقل منصب رئيس الوزراء إلى أخيه الأصغر، وجعل ابنته رئيسة وزراء ولاية البنجاب، كما جعل نفسه بالخبرة كداعم ومساعد ومستشار الحزب في حكم البلاد والنهوض بالحزب.

إن تعيين مريم نواز شريف رئيسة لوزراء البنجاب، بالإضافة إلى تجديد وتعزيز دور المرأة الباكستانية، يمنح أملا آخر للساحة السياسية في باكستان وهو انه في حال تحقيق خطط حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية ، فان مريم نواز هي التي تصبح رئيسة وزراء الدولة النووية المسلمة الوحيدة في العالم.

أدى الوضع الحالي في باكستان إلى توحيد اللاعبين الرئيسيين في المشهد السياسي الباكستاني، اللذين كانا في الماضي يعتبران متنافسين وحتى أعداء في بعض الأحيان، في شكل حكومة ائتلافية وتحولهما إلى أصدقاء لهما مصالح مشتركة. ورغم أن هذه الحكومة قد لا تكون ائتلافا قويا، إلا أنها مع الخبرة السياسية لنخب هذين الحزبين، فإنها ستحاول حل مشاكل باكستان الداخلية، لأنها إذا أهملت وعجزت عن حل المشاكل الاقتصادية والأمنية الداخلية، ستضيع هذه الفرصة أمام المعارضة لتحدي الحكومة، ومن الممكن جعلها تبدو مثل حكومة عمران خان.


الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

 

المصدر: موقع جماران

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.