إقبال كبير على المساجد في فرنسا خلال شهر رمضان المبارك

ردنا – تشهد مساجد فرنسا التاريخية في شهر رمضان المبارك إقبالا منقطع النظير من المصلين من أبناء الجاليات الإسلامية، ومن المسلمين الفرنسيين، في ترجمة واضحة لتمسكهم بدينهم وهويتهم وأصولهم.

وعلى غرار البلدان الإسلامية، تتزين بيوت الله في فرنسا ابتهاجا بمقدم الشهر الفضيل، وتشع الأنوار الإيمانية الروحانية فيها، وتتميز المساجد التاريخية الكبرى التي تنتشر في أغلب المدن والأقاليم الفرنسية بأجواء خاصة.

وحسب أرقام المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية “سي إف سي إم” (CFCM)، يوجد 2500 مسجد في فرنسا، بها نحو 400 إمام. أما العاصمة باريس وضواحيها، فيوجد فيها 29 مسجدا و44 قاعة صلاة، بينما تقدر آخر الأرقام الرسمية للسلطات الفرنسية وجود حوالي 5 ملايين مسلم في فرنسا.

غير أن معظم دور العبادة هذه ليست مساجد بالمعنى المعماري التقليدي للكلمة؛ حيث يوجد فقط في فرنسا 90 مسجدا بمئذنة، بينما البقية عبارة على قاعات صلاة ومراكز ثقافية بسيطة، وأماكن يتم تجهيزها لأداء الصلوات.

ويعد مسجد باريس الكبير من أعرق وأكبر المساجد في فرنسا وأوروبا، وقد شيد من قبل الدولة الفرنسية بين عامي 1922 و1926؛ تكريما للجنود المسلمين الذين دافعوا عن فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918).

كما تقف عدة مساجد عريقة أخرى شاهدة على هذا الزخم الكبير المتزايد للمسلمين والدين الإسلامي في فرنسا، على غرار مسجد إيفري كوركورون الكبير شمالي البلاد، ومسجد السلام الكبير بنانت “غرب”، ومسجد ليون الكبير في جنوب شرق البلاد، والجامع الكبير في سترازبورغ شمال شرق البلاد، ومسجد بنتن الكبير بالضاحية الباريسية سان دوني.

وقال شمس الدين حفيظ، عميد مسجد باريس الكبير، في حديث صحفي، إن المؤسسة الدينية الثقافية العريقة احتفلت منذ عام بالذكرى المئوية لإنشاء المسجد الكبير في باريس، لافتا إلى أن ذلك يعد مناسبة جيدة للتذكير بأن الإسلام والمسلمين جزء من تاريخ فرنسا وأوروبا، وبالتالي من حاضرهم ومستقبلهم، خاصة في السياق الحالي، حيث تريد أيديولوجيات وحركات سياسية معينة تحدي هذا الواقع، وهو ما يجعل هذا المسجد يدافع عن مواطنة المسلمين ضد صعود الكراهية والتمييز.

وأضاف حفيظ “مسجد باريس الكبير بتاريخه وهندسته المعمارية وموقعه في قلب العاصمة الفرنسية، له رمزية كبيرة. إنه يبين لأوروبا كلها أن الإسلام دين نوراني أنار الإنسانية وجلب لها أسمى المعاني الروحية والثقافية. نحن نبذل كل ما في وسعنا لتغيير الصورة النمطية عن الإسلام في أوروبا من خلال تعزيز القيم الأساسية لديننا، وإثبات أنها تتناغم بشكل جيد للغاية مع القارة الأوروبية”.

ونوه بأن المسجد الكبير في باريس يلعب دورا مهما في نشر الإسلام والدعوة إلى السلام والأخلاق والأخوة وتنظيم العبادة في فرنسا وأوروبا، لافتا في هذا الصدد إلى أنه تم إنشاء المجلس التنسيقي “آمال”، لتحالف المساجد والهيئات والشخصيات الإسلامية في أوروبا في أكتوبر 2023، والذي يجمع المساجد الكبرى والشخصيات الدينية الكبرى في العديد من الدول الأوروبية على غرار ألمانيا وبريطانيا وهولندا وإيطاليا وبلجيكا وسويسرا وإسبانيا وبالطبع فرنسا.

 

بناء المسجد

تم وضع الحجر الأساس لمسجد باريس الكبير في 19 أكتوبر 1922، وخلال أربع سنوات ساهم 450 حرفيا وفنانا في بناء هذا المعلم الديني والتحفة الفنية المعمارية على الطراز الأندلسي المغاربي، وتم تدشين وافتتاح المسجد في 15 يوليو 1926 بحضور الرئيس الفرنسي أنداك غاستون دوميرغي.

ومنذ ذلك التاريخ أقام مسجد باريس الكبير جسرا للتواصل بين فرنسا والإسلام، وأعلن اعتراف فرنسا بمئات الآلاف من المسلمين الذين جاؤوا للدفاع عنها من مختلف البلدان الإسلامية وضحوا بحياتهم خلال الحرب العالمية الأولى من أجلها.

يقع مسجد باريس الكبير في قلب الدائرة الخامسة الباريسية، على بعد خطوات من مؤسسات علمية وجامعية وثقافية وسياسية مرموقة مثل: جامعة السوربون العريقة، ومتحف التاريخ الطبيعي، ومعهد العالم العربي، ومجلس الشيوخ الفرنسي، وهو ما يعطيه أهمية مضاعفة، ويحمله رمزية كبيرة في التعريف بالدين الإسلامي والحضارة الإسلامية في فرنسا.

وقد شيد مسجد باريس الكبير على مساحة 7500 متر مربع في الحي اللاتيني، ويمتاز بتصميم معماري رائع على الطراز الأندلسي المغاربي، وتتميز صومعته ومئذنته، التي ترتفع إلى 33 مترا، بزخرفتها ونقوشها المتطابقة مع مئذنة جامع الزيتونة العريق في تونس.

وعند مدخله توجد حديقة جميلة تسر الناظرين تبلغ مساحتها 3500 متر مربع، تتوسطها مجموعة من نوافير المياه، وهي تذكر بحدائق قصر الحمراء في غرناطة، كما يحتوي المسجد على فناء محاط بأروقة منحوتة وأعمدة رخامية نقشت عليها آيات قرآنية وأسماء الله الحسنى.

أما غرفة الصلاة فقد تفنن في نقوشها وزخرفها البديع الحرفيون الذين استقدموا آنذاك من المغرب العربي خصيصا لهذه المهمة الفنية المعمارية البديعة، في حين كان محراب المسجد هدية من ملك مصر فؤاد الأول.

وتتوسط قاعة الصلاة ثريا ضخمة تتدلى من قبة مزخرفة بالأحرف العربية الكوفية، وآيات قرآنية تذكر المصلين والزائرين بعظمة الخالق وعظمة الدين الإسلامي وثراء الهندسة المعمارية للحضارة الإسلامية.

ويعتبر مسجد باريس الكبير منارة دينية وعلمية وثقافية بما يضمه من مؤسسات تربوية وثقافية وجمعيات إنسانية تنضوي تحت إدارته، حيث تنشط ضمن المسجد أكثر من 70 جمعية محلية وإقليمية، بالإضافة إلى 166 إماما خطيبا يساهمون في نشر تعاليم الدين الإسلامي السمحة وقيمه العميقة، كما يضم المسجد أيضا مكتبة ومطعما وقاعة شاي وحماما تقليديا.

كذلك من الأدوار المهمة التي يقوم بها المسجد التعريف بتاريخ الحضارة الإسلامية وعمقها وثقافتها، وفي هذا الإطار قام العميد الحالي شمس الدين حفيظ منذ تعيينه على رأس هذه المؤسسة في عام 2020، بتأسيس المجلس الأعلى للعلوم والثقافة في المسجد الكبير، كما قام بتأسيس ملتقى للحوار تحت عنوان “أربعاء المعرفة” يقدم فيه شهريا كل أول أربعاء لقاء مهما مع أحد المفكرين، أو الأساتذة، أو المؤرخين، أو رجال الدين أو الكتاب أو العلماء الكبار.

ولذلك فهذا المعلم التاريخي العريق ليس مكانا للتعبد والصلاة فقط، وإنما هو مؤسسة دينية وثقافية ومنارة علمية شاملة تحاول تسليط الضوء على الدين الإسلامي الحنيف وتعريف الفرنسيين والأوروبيين بخصائصه ومبادئه ورسالته النبيلة.

 

مسجد إيفري كوركورون

أما مسجد إيفري كوركورون الذي شيد عام 1984 على مساحة 7000 متر مربع، فهو من أكبر مساجد فرنسا وأعرقها، وأيضا من أكبر مساجد أوروبا بعد المسجد الكبير في روما ومسجد بيت الفتوح في لندن.

ويقع المسجد في مدينة إيفري ضمن بلدية كوركورون من إقليم إيسون الذي يبعد 26 كيلومترا عن العاصمة باريس والتابع لمنطقة “إيل دو فرانس”، ويتميز المسجد الذي صممه المهندس المعروف هنري بودو بطرازه الأندلسي العربي الإسلامي، وتظهر نقوش المحراب والأعمدة والقبة التي استعمل فيها الخط العربي أصالة الفن والمنمنمات العربية الإسلامية الضاربة في التاريخ، أما مئذنته التي يبلغ طولها 25 مترا فتذكر الناظرين بالمأذنة المغاربية المتأثرة بالطراز الأندلسي.

ويحتوي مسجد إيفري كوركورون، الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف المغربية، على قاعة صلاة تتسع لـ 5 آلاف شخص، ومركز ثقافي متعدد الاختصاصات، ومركز تعليم الإسلام واللغة العربية، و9 قاعات للدراسة، تستوعب كل واحدة 25 شخصا.

 

المصدر: مواقع إلكترونية

مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.