احترام الأديان في القانون الدولي
د. ليث كمال نصراوين / تسود حالة من الغضب والإدانة الشديدة بين الأوساط العربية والإسلامية جراء ما قام به أحد المتطرفين الأوروبيين في دولة السويد، والذي تجرأ على حرق نسخة من القرآن الكريم، في مشهد يعكس حالة من العنصرية البغيضة والتطرف الداعشي، الذي ينم عن الحقد الدفين والرغبة في تأجيج خطاب الكراهية والعنف بين أتباع الديانات في العالم.
ويبقى التوجه الأكثر تطرفا هو الموقف الرسمي لحكومة السويد، الذي عبّر عنه رئيس وزرائها أولف كريسترسون في تغريدة له على حسابه على تويتر بالقول إن «حرية التعبير جزء أساسي من الديمقراطية».
إن هذه الأفعال والتصريحات السوداوية من القادة الأوروبيين تعكس حالة من الجهل المتعمد والإنكار مع سبق الإصرار لأبسط القواعد القانونية ذات الصلة بحماية حرية الأديان في القانون الدولي. فجميع المواثيق الدولية التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو إلى احترام الحرية الدينية، وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، الذي ينص في المادة (18) على أنه لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين.
كما يُكرّس العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 حرية الدين والمعتقد في المادة (18) منه، التي تنص على أنه لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، وفي إظهار دينه أو معتقده بالتعبد أمام الملأ، وأنه لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
وقد توسع القانون الدولي في حماية الحق في الدين بأن اعتبر حرية الأديان من الحقوق الأساسية التي لا يجوز للدول تقييدها أو فرض أي ضوابط غير مبررة عليها في حالات الحرب أو الطوارئ العامة، وذلك استنادا لأحكام المادة (4/2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. فهذه الحرية غير قابلة للانتقاص منها أو المساس بها، سواء في الظروف العادية أو الاستثنائية التي تمر بها الدول.
وقد تبنت الأمم المتحدة في عام 1981 إعلانا خاصا بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، الذي يعتبر الدين والمعتقد الذي يؤمن به كل امرئ هو أحد العناصر الأساسية في تصوره للحياة، وأنه يقع لزاما على كافة الدول بأن تحترم حرية الدين والمعتقد، وأن تصدر التشريعات الوطنية اللازمة لمكافحة التعصب القائم على أساس الدين أو المعتقد.
وفي تعليقها رقم (22) الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في عام 1993، جرى التوسع في مفهوم حرية الديانة لتشمل أماكن العبادة، والملابس وأغطية الرأس المستعملة في الشعائر، والرموز والكتب الدينية، والتي يتعين على الدول كفالتها وتوفير الحماية القانونية لها.
وعلى الصعيد القارة الأوروبية، فإن المادة (9) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950 تنص صراحة على أن لكل إنسان الحق في حرية التفكير والضمير والعقيدة، وأن هذا الحق يشمل حرية إعلان الدين أو العقيدة، وإقامة الشعائر والتعليم والممارسة والرعاية، سواء على انفراد أو بالاجتماع مع آخرين، وذلك بصفة علنية أو على نطاق خاص.
وقد سبق للقضاء الأوروبي أن انتصر للحرية الدينية في عام 2018، حيث قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وبالإجماع في قضية إي أس ضد النمسا، بأن الإساءة إلى الرسول الكريم لا تندرج ضمن نطاق حرية الرأي والتعبير، وأن هذه التصرفات من شأنها أن تهدد الحريات الدينية، وتمس بمشاعر الأفراد المؤمنين بالديانات السماوية.
كما توسعت المحكمة الأوروبية في حماية الحق في حرية الدين والعقيدة، حيث أصدرت العديد من الأحكام القضائية التي تضمنت إدانة للدول الأعضاء بحجة تطاولها على الحرية الدينية، كقضية إيفانافا ضد بلغاريا في عام 2007، وقضية عويضة وآخرون ضد المملكة المتحدة في عام 2013.
إن سياسة الكيل بمكيالين التي يتبعها قادة الدول الأوروبية الذين ينصبون أنفسهم دعاة سلام وديمقراطية وهم يتنكرون لأبسط الحقوق الفردية، قد تجلت بأقبح صورها في الموقف الرسمي الأخير للحكومة السويدية وباقي الحكومات الأوروبية، التي تصر على مخالفة قواعد الشرعية الدولية. فهي تسمح لمواطنيها بالتعدي على حقوق الغير في الدين والمعتقد دون أن تعاقب فاعلا أو تنصر مظلوما.