الأديان والمتدينون والذكرى الـ 44
بقلم: الأكاديمي مروان سوداح والإعلامية يلينا نيدوغينا
شهدت إيران مؤخراً، مسيرات انطلقت في 38 ألف قرية و 1400 مدينة لإحياء الذكرى الـ 44 لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، إذ احتفى الإيرانيون مع بدء شهر فبراير للعام الحالي 2023م بـ”عشرة الفجر”، مستحضرين الأيام العشرة الأولى من هذا الشهر في عام 1979، والتي شهدت عودة الإمام الخميني “فقط” من الخارج إلى مسقط رأسه في وطنه العزيز إيران، حيث كان ينتظر استقباله حينذاك الملايين من الإيرانيين مِمَّن تجمّعوا في طوابير امتدت من مطار طهران إلى “جنّة الزهراء”، حيث استقبلوه واحتفوا به، فكان ذلك مشهداً هو الأعظم في التاريخ يُسجل بنورٍ ونارٍ، ويبقى أواره مضيئاً في سماء الكون الواسع دلالة على تطبيق العدالة بعد طول انتظار أدى إلى خنق النظام الشاهنشاهي البائد الذي كان العميل الأكثر إخلاصاً للأجنبي الاستعماري.
لقد مَهَّدت الثورة لانتصار الثورة التي وفَّرَت زخماً مجدداً لثورات عديدة في العالم، لتؤكد قدراتها الواسعة على تغيير الصورة الحالية للبشرية، والتمهيد لعملانية دولية مصيرية لدفن الواقع المُر الذي ارتبط طويلاً، وللأسف الشديد، بالأنظمة الإمبريالية والصهيونية والتوسعية، التي عملت على إحباط الثورات، وما تمكنت من النيل من الثورة الإسلامية الجماهيرية النزعة في إيران، والتي تُعتبر اليوم حجر الزاوية في التغيير الحالي للمشهد الدولي سوياً مع عَملانيات أخرى تمهِّد لها دول عديدة تسير على ذات النهج الإيراني التحرري.
في المشهد الأُممي، نلمس محاولات متواصلة من جهات ودول أجنبية وتوسعيَّة عدَّة لتأليب المسيحيين العرب بالذات على إيران بالدرجة الأولى، في محاولة لاستخدامهم وقوداً مجانياً ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة، وفي سبيل دقِ إسفين عميق جُلَّه تأجيج الصراعات والتناحر بين المسيحيين والمسلمين وبين الإسلام والمسيحية، وصولاً إلى تنفيذ مآرب غربية عميقة، يتم العمل على جعلها تتواصل عشرات السنين، لإنهاك منطقتنا “الأسيإفريقية”، وللحفاظ على أوار هذه الحروب مشتعلاً بلا توقف في منطقتنا لِ “تكريس” المسيحيين بصفة جديدة هي “أعداء لإيران”، نيابةً عن القوى الاستعمارية، التي ما توقفت تتطلع دوماً إلى مَن يَعمل لصالحها نيابةً عنها، لإشعال المناطق الحيوية في جهات المَعمورة الأربع.
لم تؤثر الثورة الإسلامية الإيرانية سلباً على أوضاع المسيحيين بسبب حسن جوارهم مع المسلمين وانتمائهم لتراب الوطن الإيراني، ولحسن درايتهم وحكمتهم وحكمة النظام الإيراني في التعامل معهم كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات مع غيرهم من أتباع الأديان الأخرى، ولهذا لم نسمع للآن أي أخبار عن أي اضطهادات للمسيحيين في إيران “كما يَدَّعي الغرب”، ولم يتم التضييق على أي كنائس فيها، ولا على أي قوميات تنتمي للمسيحية في إيران الإسلامية.
واللافت أيضاً في إيران الإسلامية، هو أن تعامل الدولة الإيرانية مع المسيحيين في إيران يتمتع بأسلوب متميز، إذ إنه يحافظ على هامش الحريات التي تتمتع بها الأقليات الدينية، وهم ما ينفي تماماً الصورة السلبية التي يروّجها الغرب السياسي والأيديولوجي عن إيران تطلعاً من القوى النازية والصهيونية والاستعمارية عموماً لخلق بؤرة توتر “أوسع” في منطقتنا، وتأجيج الصراعات المحلية بمختلف أشكالها في إيران وغرب آسيا وشمال إفريقيا بين أتباع الدينين الكريمين الإسلام والمسيحية.
الصورة اللافتة عن إيران هي أن مختلف أعضاء الكنائس المسيحية في ذلك البلد يؤكدون الصورة الإيجابية عن وطنهم إيران، ويُشيدون بما يتمتعون به من ديمقراطية تشمل جميعهم، وهي قضية تحسمها عملية حوار الحضارات التي سبق وأطلقها الرئيس السابق محمد خاتمي، وعمل على توسيع مفهومها بين مختلف الطوائف والجماعات على المستوى العالمي، ومن البديهي تجسيده على الصعيد الإيراني ليكوّن الصورة والمِثال الأنصع، ولهذا بالذات “أضحت إيران وقوة إيران قوَّةً للعرب وللمسلمين والمسيحيين”، وهو شعار يرفع منذ فترة طويلة وللآن، مَكَّنَ جماهير المسلمين و المسيحيين من تأصيل مناخ التحولات الكُبرى (التحديات المصيرية)، وفقاً لنتائج الحوار الإسلامي والمسيحي الذي سبق وجرى في لبنان، والذي دعا إلى تأليف جبهة واحدة متراصة ومتحابة في وجه الفتنة، أي فتنة، قد يتم نسجها على يد الأعداء وإطلاقها من القُمقُمِ.