كنائس ومساجد مهدومة.. الهند بين الانهيار أو التحول إلى إمبراطورية متطرفة
لا عليك سوى أن تكتب كلمة الهند في محرك البحث جوجل، وتجعل البحث في اختيار تصنيف الأخبار، ثم الإطلاع على الأحداث الجارية في الهند، لتجد أنه خلال الأيام الماضية، هناك أحداث دامية شهدتها ولاية البنغال الغربية قتل على أثرها أكثر من 8 أشخاص، جميعهم من الهندوس، ولكن منتمون إلى أحزاب معارضة للحزب الهندي الحاكم بهاراتيا جاناتا برئاسة ناريندرا مودي، كذلك تجد أجواء حرب تسيطر على ولاية مانيبور شمال شرق الهند، حيث تتحصن أقلية كوكي المسيحية، تحسبا لتجدد العنف مع قبيلة ميتي الهندوسية المساندة من الجيش، بعد مقتل 100 من أبنائهم منذ شهرين، وبالطبع لن تخلو الأخبار من أعمال عنف ضد المسلمين.
وهنا نجد أننا أمام ممارسات عنف واسعة تشهدها شبه القارة الهندية في ظل حكم مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا منذ 2014، وبعيدا عن حجم الحوادث لكل فئة، إلا أن تلك الممارسات شملت مسلمي ومسيحيي الهند، وكذلك معارضي الحزب القومي الهندوسي، لنجد أننا أمام نموذج فج لحكم يمين متطرف يعلنها صراحة أن الأقليات ليس لهم مكان في الهند إلا داخل المقابر، ونجد أن الهند أصبحت أرض خصبة لحرب دامية تتطاير بذورها في الهواء وتنتظر أن ترسخ في الأرض وتترعرع، وهنا يجب أن نفهم الوضع الراهن وتاريخ الـRSS لفهم ما حدث ويحدث ومنتظر داخل ذلك البلد الآسيوي.
الحزب الحاكم يسعى للسيطرة التامة
أحدث أعمال العنف التي شهدتها الهند، كانت الأسبوع الماضي، وبالتزامن مع الانتخابات المحلية، حيث قُتل 7 أشخاص وجرح العشرات في أعمال عنف رافقت الانتخابات المحلية في ولاية البنغال الغربية التي تحكمها ماماتا بانيرجي المناهضة بشدة لتوجهات رئيس الوزراء مودي، وحزبه، وتشهد الولاية حاليا انتخابات لاختيار أعضاء المجالس البلدية من أصل 200 ألف مرشح في الولاية التي يقطنها 104 ملايين شخص، وتعود جذور العنف السياسي في هذه الولاية لعقود، مع تسجيل الشرطة آلاف عمليات القتل وقت الانتخابات منذ ستينيات القرن الماضي، حيث لا يؤيد سكان الولاية الأفكار الهندوسية القومية، وتميل للأحزاب الأخرى سواء الشيوعية، أو العلمانية، لذلك يعاديها مودي وحزبه ويسعى للسيطرة عليها.
سعى حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند بزعامة مودي في السنوات الأخيرة من أجل الحصول على موطئ قدم في الولاية التي لطالما حكمها حزب شيوعي لفترات طويلة من تاريخها؛ وذلك في مسعى منه لتوسيع نفوذه خارج المناطق الشمالية الناطقة بالهندية، وسعى حزبه القومي الهندوسي لإدخال سياسات طائفية مثيرة للانقسام إلى الولاية والتي تبلغ نسبة المسلمين فيها 28%، وذلك بالتوازي مع إلصاق تهم الفساد لإدارة بانيرجي،، فيما تحكم بانيرجي (68 عاما) من حزب مؤتمر ترينامول الولاية منذ عام 2011، عندما هزم حزبها الحزب الشيوعي الذي حكم الولاية 3 عقود.
وفي انتخابات برلمان البنغال الغربية التي جرت في 2021 مني حزب مودي بخسارة كبيرة بعد منافسة ضارية شابتها أعمال عنف؛ إذ حصل حزبه على 80 مقعدا من جملة مقاعد برلمان الولاية البالغة 294 في حين حصل حزب بانيرجي على 200 مقعد، وقد أنعشت خسارة رئيس الوزراء الهندي تلك الانتخابات -رغم تسخيره كل الإمكانات لكسبها- أحزاب المعارضة التي توعدت بهزيمة حزبه فى الانتخابات العامة التي ستجرى عام 2024.
الحرب الأهلية تحوم في ولاية مانيبور .. والعدو مسيحي
ونجد محركات البحث عن أخبار الهند، تشير إلى تقرير صحيفة الجارديان المنشور اليوم الإثنين، والذي يتحدث عن أجواء الحرب الأهلية التي تحوم في ولاية مانيبور، عبر رواية نانسي تشينغثيانيانغ وعائلتها، وما حدث معها في شهر مايو الماضي، ضمن الأحداث الدموية التي قُتل فيها أكثر من 100 شخص ونزح عشرات الآلاف في أعمال عنف مستمرة تهدد بتقسيم الولاية إلى قسمين، وبالطبع يستمر أنصار القومية الهندوسية طرفا مشتركا في كافة أحداث العنف داخل الهند، وداخل الولاية عبر قبائل ميتي العرقية بمساندة من القوات الفيدرالية، والعدو في تلك المرة هم أقلية كوكيس المسيحية، وهى ممارسات عرقية تاريخية راح ضحيتها أكثر من 50 ألف شخص في خمسينات القرن الماضي.
وبعيدا عن أسباب تجد الاشتباكات، فإن تاريخ الولاية مليئ بالدم تجاه المسيحيين الذين يشكلون 40% من سكانها، ويسعى الحزب الحاكم للسيطرة على أراضيهم، ولاتزال الأجواء كارثية داخل الإقليم، فلا تزال عمليات حظر التجول والقيود قائمة في أجزاء كبيرة من الولاية ، كما تم إغلاق الإنترنت مرارًا وتكرارًا، وتم نشر الآلاف من أفراد الجيش والقوات شبه العسكرية الإضافيين ، بينما شكل كلا الجانبين مجموعات مسلحة أهلية خاصة بهما، وفي هذا الأسبوع، قُتل ثمانية آخرون في الاشتباكات، وبالطبع تنتمى حكومة الولاية لحزب بهاراتيا جاناتا، وهو ما أدى إلى انعدام ثقة جماعي بين قادة كوكيس، بينما التزم مودي الصمت مقابل دعم واضح من الجيش للطائفة الهندوسية أشارت إليه الصحيفة البريطانية.
الصليب يعاني منذ قدوم مودي في 2014.. والأرقام مخيفة
والمسيحية ثالث أكبر ديانة في الهند، بعد الهندوسية والإسلام، ووفقاً لتعداد السكان في عام 2011 يوجد في الهند أكثر من 27.8 مليون هندي مسيحي، والذين يشكلون 2.3% من سكان الدولة، في المقابل يقددر عدد الهندوس في البلاد بنحو 966 مليون شخص، كأغلبية في البلاد، بينما يقدر عددهم المسلمين بنحو 200 مليون شخص كثاني أكبر ديانة بالهند، وأكد أعلن المجلس المسيحي لعموم الهند صراحا، بأن الصليب يعاني داخل الهند منذ قدوم الحزب القومي الهندوسي ورئيسة مودي في 2014، والأرقام المرصودة مخيفة، فيكفي أن نشير إلى هدم أكثر من 27 كنيسة خلال شهرين فقط في أحداث مانيبور.
وذكرت العديد من المنظمات الإخبارية زيادة في حوادث العنف ضد المسيحيين بعد وصول حكومة مودي إلى السلطة عام 2014، ففي نفس العام ذكرت وزارة الداخلية بوجود ارتفاع حاد بنسبة 30% في عدد حوادث العنف الطائفي عن العام السابق لعدد الحالات المبلغ عنها من ولاية أتر برديش، حيث ارتفعت حوادث سوء المعاملة المبلغ عنها ضد المسيحيين في الهند إلى 177 في عام 2015، وإلى 300 في عام 2016، وأصبح هناك هجوم على المسيحيين يتم تسجيله كل 40 ساعة في الهند في عام 2016، وقد كان وقوع حوادث العنف ضد المسيحيين في جميع أنحاء الهند تقريبًا.
العنف الدائم ضد المسلمين.. نهج خطير بالهند منذ 2014
أما أحداث العنف ضد المسلمين، فهي أكبر وأعمق من أن يتم رصدها بشكل سريع ومختصر، فقد باتت الاعتداءات على المسلمين من قبل الجماعات الهندوسية القومية شائعة في الهند دون أن تلقى سوى القليل من الإدانة من الحكومة الهندية، وهو ما رصدته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في تقرير مطول عن العنف الطائفي الذي يُمارس على المسلمين في الهند قائلة إنه أصبح عنفا دائما واتخذ طابعا جديدا خطيرا وممنهج، تمثل في هدم المنازل والمحالّ والمتاجر والمساجد وحظي بتبريرات من سياسيين ورجال شرطة وحتى قضاة، وذلك بالتوازي مع حملة وطنية من قبل الجماعات اليمينية التي تسعى لتأجيج التوترات المحلية، وأدت لتعرض المجتمعات المسلمة لأقسى أعمال العنف منذ قدوم مودي في 2014.
وأشار التقرير إلى أن التوترات والاشتباكات الطائفية كانت في الماضي تنطلق عادة بسبب قضية محلية وتظل مقتصرة على منطقة واحدة، أما أعمال العنف الأخيرة التي تتمثل في التوترات الطائفية الأكثر انتشارا في السنوات الأخيرة فقد حدثت في ولايات عدة، وكانت العقوبات ضد جانب واحد، وكذلك أشار التقرير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تساعد في تأجيج أعمال العنف بتحريضها للجماعات المحلية وتحويلها المتصاعد للمناسبات الدينية إلى أحداث سياسية تروّج للرؤية الهندوسية وتحيل الأقليات إلى مواطنين من الدرجة الثانية.
الهندوتفا ومنظمة RSS والقومية الهندوسية وحزب بهاراتيا
وهنا التساؤل المنطقى، وهو ما الهدف من تلك الممارسات الطائفية، فالعنف وسيلة وليس هدف في حد ذاته، وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نتعرف على نقاط هامة داخل المجتمع الهندي، ففي البداية، ينص الدستور الهندي على علمانية الدولة والتعددية الدينية بين أبناء الشعب، وذلك في ظل وجود أكثر من 250 مليون هندي ينتمون لديانتى المسيحية والإسلامية، وبالفعل حرصت عليه أغلب الحكومات الهندية المتعاقبة، منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1947، من أجل الحفاظ على التوازن والسلم المجتمعي بين مكونات الشعب الهندي قدر الإمكان، ولكن منذ فوز حزب “بهاراتيا جاناتا” عام 2014 أصبح الوضع مختلف.
يجنح الحزب الحاكم بقيادة مودي، نحو تطبيق عقيدة “هندوتفا” التي تزعم أن “الهندوس” يجب أن يهيمنوا على الهند، وأن على الدولة أن تكون ذات هوية “هندوسية”، وليست دولة علمانية، واعتبار كل الديانات “غير الهندية”، مثل الإسلام والمسيحية، دخيلة على الهند، وأن أتباعها يجب القضاء عليهم، وقد تأسست تلك العقيدة بسبب الاستعمار البريطاني، فالاحتلال أحد أهم الأسباب التي دفعت لظهور النزعة القومية الهندية، ومن هنا ظهرت منظمات مثل “براهمو ساماج” و”آريا ساماج” والمعروفة بمنظمة RSS نهاية القرن التاسع عشر، بهدف إصلاح المؤسسات الدينية الهندوسية، وساهمت في انتشار الاعتقاد القائل بأن الهندوسية أكثر من مجرد دين، ولكن هوية قومية.
وظهرت بعدها “هندوتفا” لأول مرة فكرة سياسية في عام 1923، في كتيب كتبه “فيناياك دامودار سافاركار” بعنوان “هندوتفا.. من هو هندوسي؟”، ولد “سافاركار” عام 1883 في الهند، وفي عام 1906 ذهب إلى لندن لدراسة القانون، ومن هناك ساعد في توجيه مجموعة من الثوار في الهند إلى أساليب التخريب والاغتيال، وقد ألقي القبض على سافاركار عام 1910 بتهم مختلفة تتعلق بالتخريب والتحريض على الحرب، وأرسل إلى الهند لمحاكمته، وأُدين بتهمة التواطؤ في اغتيال قاضٍ بريطاني في الهند، وبعد الحكم عليه نُقل إلى جزر “أندامان” للاحتجاز “مدى الحياة”، وكانت خلاصة كتاباته هي أن القومية الهندية تعتبر الهند وطناً “للهندوس”، وأرضاً مقدسة لأتباع هذه الديانة.
العداء ضد المسيحية والإسلام ومن يعارض فكرهم
وبحسب “الهندوتفا” يجب التمييز بين الأديان التي تعود أصولها إلى الهند، مثل اليانية والهندوسية والبوذية والسيخية باعتبارها “أدياناً هندية” أو “هندوسية” أصيلة، واعتبار المسيحية والإسلام “ديانتين أجنبيتين” دخيلتين، واللتين وإن كان لهما أتباع في الهند، لكن هاتين الديانتين “جاءتا من خارج الهند على يد الغزاة”، ويرى معتنقو “هندوتفا” أن الصراع في شبه القارة الهندية كان ولايزال صراعاً بين الهندوسية والإسلام من أجل الاستحواذ على شبه القارة الهندية، ويُنظر إلى الحكم البريطاني للهند على مدى 200 عام على أنه مجرد فترة استراحة في هذا الصراع المستمر منذ 1000 عام.
وأثناء سلسلة من أعمال الشغب والمواجهات بين الهندوس والمسلمين عبر شمال الهند، تأسست في عام 1925 جماعة “Rashtriya Swayamsevak Sang” أو “RSS”، وهي منظمة تطوعية شبه عسكرية يمينية هندوسية تؤمن بفكرة “الهندوتفا”، وكان التطور المحوري في هذه المنظمة عام 1940، عندما ترأسها شخص يدعى “غولوالكار هيدجوار”، يعتبره البعض المهندس الأيديولوجي لـ”RSS”، وهو من أضاف عدوا جديدا للمنظمة، وهو أي شخض يعارض الـ”هندوتفا”، فكان القرار باغتيال المهاتما غاندي حيث اعتبر غاندي متخاذلاً، بعد أن رفض الحرب بين الهند “الهندوسية” وباكستان المسلمة، وفي أعقاب ذلك، سُجن “غولوالكار”، وانحسر نشاط منظمة “RSS”.
عودة النشاط والوصول إلى الحكم
وعاودت المنظمة نشاطها في الخمسينيات، وانبثقت عنها عدة أحزاب سياسية لتكون واجهة لها وتمثلها في البرلمان، فلم تستطع تلك الأحزاب تحقيق رؤية المنظمة أو السيطرة على الحكم بشكل كامل، حتى عام 1980، وهو عام تأسيس حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم، ليصبح الواجهة السياسية للمنظمة، وبدأ الحزب في كسب الأتباع والأصوات، وبدأ حزب “بهاراتيا جاناتا” في تحقيق نجاح انتخابي في عام 1989، عندما استفاد من الشعور المعادي للمسلمين حينها، وبحلول عام 1991 زاد حزب بهاراتيا جاناتا بشكل كبير من جاذبيته السياسية، وحصل على 117 مقعداً في “مجلس الشعب” من أصل 545 مقعداً، وحصل على السلطة في 4 ولايات.
وفي الفترة التي سبقت انتخابات 2014، قام أعضاء المنظمة بحملة نشطة للحصول على الدعم الشعبي للحزب، ودعم “ناريندرا مودي” عضو المنظمة منذ كان طفلاً بعمر 8 سنوات، والذي كان متهماً بـ”السماح” بمذبحة حدثت عام 2002 ضد المسلمين، حين كان مسؤولاً في ولاية “غوجارات”، ومن حينها بدأت السيطرة الحقيقية للمنظمة وتطبيقها لعقيدة “الهندوتفا” بشكل واسع.
وفي عام 2020، كان لدى “RSS” ما يقرب من 6 ملايين عضو، وأكثر من 57 ألف فرع، بالإضافة إلى ملايين المؤيدين، ولها عدة أجنحة تمثلهم منها الجناح النقابي “بهاراتيا مازدور سانغ”، وجناح الطلاب “أخيل بهاراتيا فيديارثي باريشاد”، والجناح الاقتصادي “سواديشي جاغاران مانش”، كما أن الحزب الحاكم ومعظم الوزراء في الحكومة الحالية هم من المنظمة أو المتعاطفين معها، بما في ذلك رئيس الوزراء الحالي، “ناريندرا مودي”، بالإضافة إلى ممثلي المنظمة من أعضاء البرلمان الهندي، واليوم تسير الهند بقيادة “مودي” وأعضاء “RSS” باتجاه تحويلها لدولة تطبق عقيدة “هندوتفا” العنصرية، بالقوانين المجحفة تارة مثل حظر الحجاب وقانون الجنسية العنصري، والعنف الدموي الواضح والمذابح على أيدي أفراد “RSS” تارة أخرى.
من لا يتبع عقيدة الهندوتفا ليس له مكان داخل الهند
وهنا يتضح أن فكرة دولة الهند العلمانية أصبحت مهب الريح، وأن الهند لا تتسع لمن لا يؤمن وينتمى لعقيدة الهندوتفا، وأصبحت مقولة المؤسس الفكرى لمنظمة الـRSS، وأحد أهم قادة المنظة عبر التاريخ غولوالكار في أربعينيات القرن الماضي واقع يتم تنفيذه الآن داخل الهند، وذلك حين قال: “يجب على الأشخاص غير الهندوس في هندوستان إما أن يتبنوا الثقافة واللغات الهندوسية، ويجب أن يتعلموا ويحترموا الدين الهندوسي ويحترموه، ويجب ألا يفكروا في أي فكرة سوى تمجيد العرق والثقافة الهندوسية… أي يجب عليهم الكف عن كونهم أجانب؛ أو قد يبقوا في البلد، خاضعين بالكامل للأمة الهندوسية، ولا يُطالبوا بأي شيء، ولا يستحقوا أي إمتيازات، ناهيك عن أي معاملة تفضيلية – ولا حتى حقوق المواطنين”.
والواقع أن منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، تعارض الآن انتشار «الديانات الأجنبية» مثل الإسلام والمسيحية، وتعتبر منظمات القومية الهندوسية أن أمّة الهندوس الكبيرة هذه تشمل بالإضافة إلى هندوس الهند، كل أبناء الديانات المتفرعة عن الهندوسية، من البوذيين والجاينيين والسيخ، بإستثناء المسلمين والمسيحيين، وعملت الهند بقيادة مودي على تطبيق أفكار عقيدة الـ”هندوتفا” القومية، وذلك عبر القوانين التي يعتبرها مناهضوها عنصرية، مثل قانون منع الجنسية، وحظر الحجاب والعنف المشاع ضد الأقليات، فيما ينادي بعض أعضاء المنظمة الداعمين للحزب بشعارات “للمسلم أحد مكانين.. القبر أو باكستان”، و”الهند أمة هندوسية، لا مفاوضات في هذا”.
تحدى انتخابات 2014.. والحلم المتطرف مخطط لـ 2040
وبهذا يكون أمام الهند تحديا كبيرا في انتخابات 2024، حيث تراهن الأحزاب المعارضة، والمؤيدة لرؤية دولة الهند العلمانية لكل الهنود على إقصاء حزب مودي في انتخابات 2024، وذلك رغم أن كل المؤشرات ترجح صعوبة حدوث ذلك مع سيطرة الحزب المتطرف على معظم مجالس وحكومات الأقاليم الهندية، وهو ما ينظر بمستقبل مضطرب لتلك الدولة الكبيرة، خصوصا إذا ما استمر الحزب الحاكم في تنفيذ أفكاره، والسعي لتحقيق الحلم الأكبر.
والحلم الأكبر طرحته منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ الهندية (RSS) والحديث عن فكرة «الهند غير المنقسمة»؛ بحيث تتوسع الهند استعماريا، ويمتد الكيان المقترح من أفغانستان على الجانب الغربى للهند إلى ميانمار شرق الهند بالإضافة إلى كل من باكستان وبنجلاديش والتبت ونيبال وبوتان وسريلانكا وجزر المالديف، وتحدث رئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى بنفسه عن الفكرة فى مقابلة معه عام 2012، عندما كان لا يزال رئيس وزراء ولاية جوجارات، قال إن «الهند غير المنقسمة» تشير إلى الوحدة الثقافية.
ولتحقيق الحلم الأكبر لابد من تحقيق الحلم المتطرف في الداخل الهندي، وهو ما يفسر سياسات وممارسات حزب بهاراتيا تجاه المسيحيين والمسلمين ومن يعارضهم، وهو ما تحدث عنه زعيم منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، موهان بهاجوات، حين قال في 2022، إن «الهند غير المنقسمة» ستتحقق فى غضون 10 إلى 15 عاما، مما يضع أول جدول زمنى لأحلام القومية الهندوسية، وفكرة «الهند غير المنقسمة» هى أحد المبادئ الأساسية لأيديولوجية هندوتفا، وتُدرس هذه الأيديولوجية الآن فى المدارس التى تديرها منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ فى جميع أنحاء الهند، ويقول القوميون إن «الهند غير المنقسمة» ستتحقق بعد أن تصبح الهند دولة هندوسية، وهذا لا يبشر بما هو خير للديمقراطية الهندية.