كيف ينظر الغرب لمسألة احترام الأديان؟

في الأسبوع الماضي، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قراراً يدين “أعمال الكراهية الدينية”، وفيما أيد القرار 28 عضواً من إجمالي 47 عضواً، فإن دولاً صوتت ضده؛ ومنها: فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة.

لقد صدر هذا القرار رداً على حوادث إحراق “المصحف الشريف” في إحدى العواصم الأوروبية، وخصوصاً الحادثة الأخيرة التي أقدم خلالها مهاجر “غاضب من الإسلام” على حرق صفحات من “القرآن الكريم” وتدنيسها في العاصمة استكهولم، في ممارسة سبق أن حدثت من قبل.

وكان من المفترض أن يقوم أحد المهاجرين المسلمين بحرق نسختين من “الإنجيل” و”التوراة” المقدسين لدى المسيحيين واليهود، أمام السفارة الإسرائيلية أول أمس السبت، بعدما وافقت الشرطة السويدية على الترخيص له بالتظاهر، لكنه لم يقم بحرق الكتابين المقدسين، مكتفياً بالقول إنه أراد فقط أن ينبه إلى خطورة تدنيس الكتب المقدسة وجرح كرامة المؤمنين بها.

والواقع أن كثيراً من الدول الغربية التي سمحت، أو لا تمانع، في التصريح لتظاهرات واحتجاجات يتم خلالها حرق “القرآن الكريم”، تقول إنها تفعل ذلك انطلاقاً من صيانتها لحرية الرأي والتعبير، التي تنص دساتيرها على أولوية كبيرة لحمايتها والدفاع عنها.والواقع أيضاً أنها ربما لا تمانع أبداً في أن تنال الاحتجاجات والتظاهرات، وما قد يصاحبها من أعمال التدنيس والإهانة لكتاب المسلمين المقدس، كتباً مقدسة أخرى؛ حتى لو كان منها “الإنجيل” الكتاب المقدس لدى قطاعات كبيرة من مواطنيها.

وعندما وقعت أزمة الرسوم المسيئة للرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، في الدنمارك، عبر نشرها في صحيفة تدعى “يولاندس بوسطن”، فإن السلطات الدنماركية دافعت عن حق الصحيفة في نشر مثل تلك الرسوم، عبر التأكيد على أنها سمحت أيضاً بتنظيم معرض فني قدم أعمالاً اُعتبرت أنها تنطوي على إساءة حادة للسيد المسيح عليه السلام.

يقودنا ذلك إلى محاولة فهم قضية الإساءة إلى الدين الإسلامي في العالم الغربي من خلال تعرفنا على الإطار الدستوري والقانوني والالتزام المجتمعي الذي تبديه بلدان الغرب عموماً تجاه حرية الرأي التعبير في مجال التعامل مع قضايا الأديان، وليس لكونه بالضرورة موقفاً مباشراً وحصرياً ضد الإسلام.

لا يعني هذا أن تلك الدول لا تعرف حركات يمينية متطرفة، وتياراً فكرياً متجذراً، ربما يكن كراهية وازدراء للإسلام والمسلمين، ويرى أنهما “خطر” على الديمقراطية والمدنية والحداثة، ولا يعني أيضاً أن تلك الحكومات تنتصر بالفعل لحرية الرأي والتعبير بشكل مطلق، حينما يتم المس ببعض قيمها والتزاماتها الحيوية تجاه أفكار ومعان معينة مثل النازية، و”معاداة السامية”، وتمجيد العنف والتحريض عليه، وإنما يعني أن نسق الأولويات الذي تتبعه تلك الدول لا يضع كرامة الأديان وأتباعها ضمن القيم التي يجب الدفاع عنها أو حمايتها.

تريد تلك الدول أن تقول للعالم إنها تحترم الأديان والمعتقدات كافة، لكنها لن تتدخل بأي شكل للحد من انتقاد رموز أي دين أو أتباعه، بداعي حرية الرأي والتعبير، وتريد أن تقول أيضاً إنها حينما تفعل ذلك فإن عدالتها تُختبر في عدم التمييز بين الأديان المختلفة وأتباعها، وليس عبر المقارنة بين حرية انتقاد الرموز الدينية وبين إتاحة أنماط التعبير “المعادية للسامية” على سبيل المثال.

من جانبي، لا أعتقد أن تلك الدول تدافع في هذا الصدد عن حرية الرأي والتعبير بشكل عام، بقدر ما تدافع عن تلك الحرية فقط في إطار تناول الأديان وأصحاب المعتقدات؛ وهو أمر يمكن إثباته حين نعرف أنها تسمح بنشر المواد التي تسخر أو تنال من عقائد وأنبياء آخرين، بما فيهم نبي المسيحية عليه السلام، لكن عدداً منها في الوقت ذاته لا يسمح مثلاً بالتشكيك في المحرقة.

تريد تلك الدول القول إن تناول المعتقدات ورموزها وأصحابها بالسخرية والانتقاد والإهانة حرية رأي وتعبير، وأن عدالتها تبقى على المحك فيما إذا كانت تسمح بالتناول الناقد للعقائد كافة وليس في مقارنة النيل من تلك العقائد في مقابل قيم ومعان أخرى مثل النازية و”معاداة السامية” والتمييز والتحريض على العنف.

يبدو إذن أن لكل مجتمع من المجتمعات خطوطاً حمراء يريد أن يحافظ عليها من دون خرق أو تجاوز، وتلك الخطوط تتفاوت من مجتمع إلى آخر، والهدف من تلك الخطوط يتعلق دائماً بحماية الأمن القومي كما تشخصه الحكومة ويرضى عنه المجتمع.

فحرية الرأي قد تكون قيمة حيوية في مجتمع ما بأكثر من قيمة احترام العقائد، والعكس صحيح، كما أن مكانة كل من القيمتين يمكن أن تتبدل داخل المجتمع الواحد بتبدل الأوقات والظروف.

لكن ما يمكن قوله الآن إن هذه الدول الغربية بحاجة إلى مراجعة موقفها من نسق القيم الذي تعتمده في هذا الصدد. وانطلاقاً من اعتبار أن حماية القيم الحيوية شأن يخص الأمن القومي، فإنها مدعوة إلى النظر فيما إذا كان السماح بالطعن في رموز الأديان ومقدساتها يمكن أن يحافظ على أمنها القومي أو يشكل تهديداً له.

ومن جانبنا، علينا أن نبتعد عن العنف تماماً، وأن نشرع في خطة سياسية وقانونية وإعلامية لإقناع تلك الدول أن حماية كرامة رموز الأديان كافة وأتباعها ضروري لصيانة مصالحها.

 

ياسر عبد العزيز

الآراء المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.