لوحة “عصر عاشوراء” التي أبدع فيها الفنان فرشجيان

ردنا – “عصر عاشوراء”.. هو عنوان أحد أكثر اللوحات شهرة للرسام والأسطورة الإيرانية في الفن التشكيلي الأستاذ محمود فرشجيان، وأكثرها انتشاراً، وكان قد أبدعها في العام ١٩٧٦م، وأطلق عليها هذه التسمية كونها تمثل مشهدا دارت وقائعه عصر يوم العاشر من المحرم الحرام بعد انتهاء المعركة وقبيل توجه مشاعل الطغاة لحرق الخيام المقدسة.

تمثل هذه اللوحة مشهداً استقاه الفنان من واقعة الطف الاليمة، تلك الفاجعة التي أبكت ملائكة السماء وما زالت، حيث يصور الفنان فرس الحسين عليه السلام حين عودته الى الخيام وهو هائج هياجاً شديداً، وقد ملأ البيداء صهيلاً عظيماً وجعل يضرب الأرض برأسه عند خيمة الإمام الحسين، وكأنه يريد إخبار العائلة بما جرى على راكبه ويواسي نساء آل بيت النبوة ومن في المخيم باستشهاد سبط النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وحين رأين الفرس خالياً من راكبه، ارتفع صياحهن وخرجن حافيات باكيات يضربن وجوههن لعظم المصاب.

 

حكاية اللوحة

عن قصة رسمه لوحة “عصر عاشوراء”، يروي الأستاذ فرشچيان: “قبل انتصار الثورة الإسلامية بثلاث سنوات، وفي يوم عاشوراء قالت لي أمي: إذهب واستمع لعزاء الحسين لتدرك بعض المعاني العظيمة، قلت لها: لديّ الآن عمل؛ لا أستطيع، سأذهب لاحقاً”.

ويتابع فرشجيان: “دخلت إلى الغرفة، لكني شعرت بالانزعاج. أصابتني حالة عجيبة. تناولت الريشة وشرعت بلوحة “عصر عاشوراء”. عندما أمسكت الريشة رسمت هذه اللوحة التي بين أيدينا بدون أن أقوم بأي تغيير عليها. والآن وبعد مُضي ثلاثين عاماً ونيّف أمعن النظر في هذه اللوحة وأجد بأنني لو أردت أن أرسم هذه اللوحة اليوم لما فعلت إلا ما هو بين يدي الآن، دون أي تغيير. ثمة شيء في هذه اللوحة يؤثر كثيراً في نفسي”.

 

ميزات اللوحة

القيم الجمالية الخالصة التي طرحها فرشجيان في هذا المنجز الفني، جاءت على وفق أدائه التلقائي الذي هو خليط من المخيلة الخصبة والعقلية التصويرية حيث ألغى فاعلية معرفته الاستدلالية والمنطقية فحيّد من تقنيته الأكاديمية بإلغاء الرؤيا الحسية المباشرة للأشياء، واستبدلها برؤية جمالية خالصة للشكل تنطلق نحو عالم روحاني خالص.

إن هول المشهد وقسوته، قاد الفنان الى آلية في تنفيذ اللوحة أقام من خلالها بناءه الشكلي بأداء تلقائي مباشر واحساس بآنية الشعور تم بمعالجة خاصة للسطح التصويري تمثلت بالدقة وانتقاء الالوان بما يقرب المتلقي من الواقع والاجواء المقدسة لهذا المشهد، مستخدماً فرشاة عريضة نسبيا محملة ببعض من الكثافة الزيتية واخرى دقيقة بعض الشيء لأبراز المزيد من التفاصيل، مما جعل عناصر الصورة تتحرك داخل نسق دائري من العلاقات الشكلية المتوازنة.

ولأجل تحرير الصورة واقترابها من واقعها الموضوعي، سعى لتمويه الاشكال في خلفية اللوحة مستخدما اللون الاصفر كأساس لإبراز قدسية المشهد، فضلاً عن الجو المكتظ بغبار المعركة مع بعض من الخطوط اللونية البارزة لتمثل جزءاً من خيمة وبعض جذوع النخيل المتخيلة .

اللوحة قطعة فنية لا شك ستكون من الآثار الخالدة في تاريخ الفن والرسم، لأن فيها أبعادا مدروسة –رغم التلقائية التي دفعت فرشجيان إلى الرسم- لمعالم واقعة حقيقية مزجت بين مفاهيم الحق والإباء ومقارعة الظلم والصمود والشهادة.

 

المصدر: ردنا + مواقع إلكترونية
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.