الإسلاموفوبيا والعنصرية.. هواية حكومة ماكرون

ردنا – تستمرّ الصدامات في فرنسا منذ مقتل الشاب نائل مرزوقي، ذي الأصول الجزائرية، على يد الشرطة الفرنسية، وهو ما اعتبره المتعاطفون مع الضحية مثالاً حياً لعنف وعنصرية جهاز الأمن بالبلاد.

وأسفرت الصدامات العنيفة، حسب وسائل إعلام محلية، عن جرح أكثر من 700 عنصر أمن فرنسي من أصل 45 ألفاً كانت وزارة الداخلية قد أعلنت عن نشرهم، بالإضافة إلى خسائر مادية تمثلت في إحراق 5 آلاف سيارة وألف مبنى و10 آلاف حاوية قمامة،  بالإضافة إلى 250 هجوماً لاستهداف مراكز الشرطة والدرك بمختلف مناطق الجمهورية.

وبلغت الاعتقالات في صفوف المحتجين 3243 شخصاً، “نحو 60% منهم ليس لديهم أي سوابق عدلية ولم يتعرضوا لأي مراقبة من قبل”، وفق ما صرّح به وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان.

وعلى جانب آخر، يرجع عدة مراقبين الانفجار الاجتماعي الحاصل إلى سنوات العنصرية والتهميش الممنهجين اللذين تعانيهما الجاليات المغاربية والإفريقية في فرنسا، خصوصاً قاطني الضواحي والأحياء الهامشية، حيث يلتقي الفقر مع ضعف السياسات التنموية لتلك المناطق، والعزلة وانتشار الجريمة والعنصرية الأمنية، ما يجعلها مناطق معدّة للانفجار العنيف.

 

أبناء الضواحي.. منسيو الجمهورية!

يقود الاحتجاجات الأخيرة في فرنسا الشريحة المعروفة بـ”أبناء الضواحي”، وهم الشباب والمراهقون من ساكني الأحياء الهامشية والبلدات المحيطة بالعاصمة باريس والمدن الكبيرة الأخرى. وحسب التعريف الرسمي لـ”الضواحي”، تُقِرّ السلطات الفرنسية بوجود نحو 1500 حيّ يسكنها نحو 4.8 مليون نسمة، أي نحو 7% من سكان البلاد.

ويُعَدّ معظم سكان هذه الضواحي من الجاليات المهاجرة، خصوصاً في العاصمة باريس حيث 19.8% من سكانها هم من هذه الجاليات، وسان دوني حيث ترتفع نسبة السكان المهاجرين إلى 30%، وفق إحصاءات الداخلية الفرنسية.

وتشهد هذه الضواحي ارتفاعاً في منسوب الفقر قد يبلغ عتبة 44 أو 45% في مدن مثل سان دوني وأوبيرفيليي، أي بثلاث مرات أعلى من المعدل الوطني للفقر، وهو ما يجعل نحو 76% من سكان هذه الضواحي في مساكن اجتماعية، كما يعاني شبابها الذين يمثلون 36% من السكان من ارتفاع معدلات البطالة التي قد تصل إلى 30%، وفق أرقام رسمية.

وفي تقرير سابق لها، أشارت وزارة التعليم الفرنسية إلى الصعوبات التي يجدها أبناء هذه الأحياء الهامشية في الدراسة، إذ اعترفت بأن المدارس التي يلتحق بها الفقراء تكون في غالبيتها ذات بنية تحتية متدهورة وقيمة تعليمية ضعيفة. يضاف إلى هذا الصعوبات في الوصول إلى الخدمات الطبية والعلاجية، إذ يرى المختصون أن المعوزين من سكان الضواحي يحظون بفرص أقل بمرتين في تلقي العلاجات الضرورية.

 

عنف بوليسي وعنصرية ممنهجة

إضافة إلى هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، يواجه أبناء الضواحي والأحياء الهامشية معضلة العنصرية الممنهجة التي تنغّص عليهم معيشتهم يومياً، هذه العنصرية التي تظهر  في تعامل أجهزة الأمن معهم، سواء خلال استهدافهم بالملاحقات أو بالعنف الذي يودي بحياتهم.

وفي دراسة استقصائية حديثة، قال 9 من كل 10 مقيمين من أصول إفريقية إنهم عاشوا تمييزاً عنصرياً، وقال نصفهم تقريباً إنه جرى توقيفهم وطُلب منهم تحديد هويتهم، وهو ما يفوق ضِعف نسبة إجمالي السكان الذين أبلغوا عن نفس الشيء. يضاف إلى هذا أن الضواحي والأحياء الهامشية عرفت تسجيل غرامات انتهاك الاحترازات الصحية (خلال فترة كورونا) أكثر بـ50% من باقي مناطق البلاد.

ولم يكن الشاب نائل وحيداً في المصير الذي لقيه على يد الشرطة الفرنسية، بل غيره كثيرون من أبناء الجالية المهاجرة في فرنسا من الذين قُتلوا برصاص رجال الأمن. وآخرهم الشاب يانيس، الذي تُوفي بطريقة مشابهة في أثناء مراقبة روتينية لسيارته في مدينة نيس في شهر سبتمبر/أيلول 2022.

وقبل هاتين الضحيتين، في 4 أغسطس/آب 2022، قُتل الشاب من أصول مغربية سهيل الخلفاوي بثلاث رصاصات أطلقها شرطي في مدينة مرسيليا الفرنسية، بعد محاولته الهروب من عملية مراقبة مرورية أيضاً.

وقالت شاهدة على مقتل سهيل الخلفاوي، كانت قد تابعت الواقعة من شرفة بيتها: “كان رجال الأمن غاضبين وكلامهم ينمّ عن حقد كبير، عكس الشباب الذين ظلُّوا محافظين على هدوئهم إلى آخر الأمر”، مضيفة: “صحيح أنه همَّ بالفرار، لكن أَمِنْ أجل هذا يُقتل شاب في مقتبل العمر؟! أَمِنْ أجل هذا يُطلَق عليه الرصاص مباشرة في الصدر؟!”.

وحسب بيانات مبادرة Désarment Les، الداعية إلى نزع سلاح الشرطة ووقف عنفها، فما بين 2020 و2022 قتلت الشرطة الفرنسية ما لا يقل عن 10 أشخاص من دون وجود أي مبرر جنائي للقتل، معظمهم من أصول مهاجرة وأغلبهم في أثناء عمليات المراقبة المرورية أو في خطوط المترو.

 

كراهية الإسلام

وفي الوقت التي تعبّر فيه هذه الجاليات المكلومة عن امتعاضها من مقتل أحد أبنائها، أبت حكومة ماكرون إلا أن تكرس سياساتها الإسلاموفوبية، ذلك بسَنّها قانوناً مؤخراً يحظر على الرياضيات المسلمات ارتداء الحجاب في الملاعب.

وهاجم وزير الداخلية جيرالد دارمانان الرياضيات المحجبات، قائلاً: “المحجبات” يأملن في توجيه “ضربة قاضية” للجمهورية، “يجب ألا ترتدي ملابس دينية عندما تمارس الرياضة (…) عندما تلعب كرة القدم، لا تحتاج إلى معرفة دين الشخص الذي أمامك”.

ولا يؤكد هذا الموقف إلا ما شهدته فترة حكم الرئيس ماكرون، إلى اليوم، من استهداف مباشر وتمييز يطال مسلمي البلاد. وأحد أكبر مظاهر هذا التمييز، سَنُّه في أكتوبر/تشرين الأول 2020 قانوناً لـ”محاربة الانعزالية”، الذي يقوم على شيطنة مسلمي البلاد واعتبارهم خطراً على الجمهورية.

ويصف رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي لمسلمي فرنسا، نجيب أرزقي، الوضع بأنه “منذ انتخاب ماكرون سنة 2017 دخلت فرنسا في أزمات عديدة”، ومقابل ذلك “تفشل الحكومة في إيجاد حلول للانشغالات اليومية للفرنسيين، وبدل الاعتراف بفشلها ذاك، تتجه إلى خلق مشكلة مزيَّفة لإلهاء الشعب عن حقيقة ذلك الفشل”. والمشكلة المزيَّفة هذه المرة أتت في شكل “هجوم عنصري ضد المسلمين”.

ومن ظواهر الإسلاموفوبيا التي عرفها الإعلام الفرنسي، إفساح المجال للصحفي المثير للجدل إريك زمور باعتلاء منابر عدد من البرامج الحوارية، لدرجة أكسبته الثقة فتَرشَّح للانتخابات الرئاسية الماضية. يقول أرزقي وقتها: “المشكلة ليست في فوز زمور من عدمه، بل في التطبيع مع أفكاره وآرائه في المجال العامّ”.

 

المصدر: TRT
مواضيع إضافية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.